نشر الباحث حسن قطامش عبر منصة إكس عن تطبيق “ديب سيك” الصيني المنافس للذكاء الاصطناعي الأمريكي، وعلّق قائلا:
زلزال جديد ضرب قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة تطبيق “ديب سيك” DeepSeek الذي قالت عنه افتتاحية صحيفة ليبراسيون الفرنسية أمس أنه “يمثل تحديا قويا لعقيدة التفوق الأمريكية”.
التطبيق طورته شركة صينية ناشئة غير معروفة، نجح في إثارة الذعر في وول ستريت وأدى إلى خسارة تقدر بحوالي 600 مليار دولار من قيمة شركة إنفيديا، العملاقة الأمريكية المتخصصة في تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي.
هذا الحدث كشف عن مدى هشاشة الهيمنة الأمريكية في هذا المجال، وفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل السباق العالمي في الذكاء الاصطناعي.
ديب سيك: نموذج قوي بتكلفة زهيدة
ما أثار الدهشة في أمريكا هو أن الشركة الصينية أعلنت أنها طورت نموذجها بتكلفة لا تتجاوز 6 ملايين دولار، وهو مبلغ زهيد مقارنة بالمليارات التي تضخها الشركات الأمريكية الكبرى مثل أوبن إيه آي (OpenAI) وميتا وجوجل.
في المقابل، كانت هذه الشركات قد بنت استراتيجياتها على فرضية أن الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات ضخمة، وهو ما بدأ يتضح أنه ليس شرطًا ضروريًا لتحقيق نتائج قوية.
هذا التحدي الصيني المفاجئ يهدد نموذج الأعمال الذي راهنت عليه الشركات الأمريكية، والتي تعتمد بشكل أساسي على اشتراكات المؤسسات والأفراد في خدمات الذكاء الاصطناعي المدفوعة، فماذا لو توفر نموذج مماثل مجانًا أو بسعر رمزي؟ هل ستظل الشركات الصغيرة والمتوسطة مستعدة لدفع مبالغ ضخمة لاشتراكات الذكاء الاصطناعي الأمريكي إذا كان هناك بديل صيني بنفس الجودة؟
إعلان ترامب ومفاجأة الصين
جاءت صدمة (ديب سيك) بعد أقل من أسبوع من إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن مشروعه الطموح للذكاء الاصطناعي ستارجيت (Stargate)، الذي تبلغ قيمته 500 مليار دولار، ويهدف إلى تعزيز ريادة الولايات المتحدة في هذا المجال من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والبحث والتطوير.
لكن بعد أيام قليلة فقط، أطلقت الصين نموذجها المتطور، وكأنها ترسل رسالة واضحة مفادها أن الاستثمار الضخم ليس بالضرورة مفتاح النجاح في سباق الذكاء الاصطناعي، وأنها قادرة على تحقيق تقدم هائل بتكلفة أقل بكثير.
كان ذلك بمثابة تحدٍّ مباشر للمشروع الأمريكي الجديد، مما أثار تساؤلات حول جدوى هذه الاستثمارات الضخمة إذا كان بإمكان الصين إنتاج نماذج منافسة بموارد أقل.
الرسالة السياسية للصين
توقيت إطلاق ديب سيك لم يكن مجرد صدفة، بل يبدو أنه رسالة سياسية موجهة إلى الولايات المتحدة، وخاصة إلى إدارة ترامب المعروفة بسياساتها العدائية تجاه الصين، فمنذ ولايته الأولى، فرض ترامب قيودًا صارمة على الشركات الصينية، خاصة في قطاع التكنولوجيا، وحاول عرقلة وصولها إلى التقنيات الأمريكية المتقدمة مثل رقائق إنفيديا.
لكن إطلاق (ديب سيك) بعد إعلان مشروع ستارجيت يؤكد أن الصين قادرة على تجاوز العقوبات والتقدم في هذا المجال الحيوي دون الحاجة إلى التكنولوجيا الأمريكية.
ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل الذكاء الاصطناعي
إذا كان بإمكان الصين تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي عالية الكفاءة بتكلفة منخفضة، فقد يكون الغرب في طريقه لخسارة ميزته التنافسية في هذا المجال، فبينما تستثمر الولايات المتحدة مئات المليارات، قد تنجح الصين في تحقيق نتائج مماثلة بأجزاء بسيطة من هذه التكلفة، وهو ما يهدد نماذج الأعمال القائمة على الهيمنة التقنية والمالية.
وبهذا، يبدو أن العالم يدخل مرحلة جديدة من المنافسة، حيث لم تعد القوة تقاس بحجم الاستثمارات فقط، بل بمدى القدرة على تحقيق الابتكار الفعلي. في هذا السياق، يمثل (ديب سيك) ليس مجرد إنجاز تقني، بل تحولًا جيوسياسيًا قد يعيد رسم خريطة القوى في مجال الذكاء الاصطناعي، ويضعف الهيمنة الأمريكية التي ظلت مسيطرة لعقود.
وكنت قد سألت تطبيق ديب سيك (DeepSeek) عن سبب هذه الضجة الغربية حوله فأجاب بأن هذه الضجة للأسباب التالية:
1. المنافسة الشرسة
ظهور لاعبين جدد، خاصة من الصين بمنتجات عالية الجودة وأسعار تنافسية يُهدد هيمنة الشركات الغربية، مما يؤدي إلى خسائر في حصص السوق، وتراجع أرباح بعض الشركات (مثال: شركات الرقائق، المنصات التقنية).
2. التقارب التكنولوجي
وصول بعض الدول إلى تكنولوجيا متقدمة (كالذكاء الاصطناعي، 5G، الرقائق) يُقلل الفجوة مع الغرب، مما يُضعف ميزة التفوق التقني الغربي، ويُجبر الشركات على خفض الأسعار (مما يضغط على هوامش الربح).
3. التأثير الاقتصادي المباشر
حيث كان صعود شركات مثل (هواوي) في مجال الاتصالات أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات لشركات مثل (نوكيا )أو (إريكسون) بسبب المنافسة.
4. تسريع وتيرة الابتكار
الشركات الناشئة تُجبر العمالقة التقليديين على زيادة الاستثمار في البحث والتطوير، مما يرفع تكاليفهم، وقد يؤدي إلى تراجع مؤقت في القيمة السوقية إذا لم تُواكب الابتكارات.
5. التحديات الجيوسياسية
سياسات حظر التكنولوجيا الصينية (مثلًا في أمريكا أو أوروبا) تخلق اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، مما يُكبد الشركات خسائر غير متوقعة.
باختصار: الغرب يعاني من تحوُّل مركز القوة التكنولوجية تدريجيًّا نحو آسيا، وهذا يهدد اقتصاده القائم على الهيمنة التقنية، مما يفسر “الضجة” أو الإجراءات التي تُحاول فيها الشركات أو الحكومات الغربية حماية مواقعها.
المنشور الأصلي: https://x.com/HasanQatamish/status/1884622576548294859?t=SW0EC4jCCNzQfASt_ll5KA&s=19
اترك تعليقاً