نظام الأسد يلتزم الصمت فيما يستمر الاحتلال في التصعيد

israeli soldier005 scaled

منذ بدء الحرب على غزة في ربيع أول 1445 هـ‍ (أكتوبر 2023) الماضي، لم يقم النظام السوري – والذي طالما تشدق بإدعاء أنه “قلب العروبة النابض” والمدافع الرئيسي عن فلسطين – بتنظيم أي مسيرات واسعة النطاق لدعم فلسطين في أي من المناطق الخاضعة لسيطرته.

وفي 27 ربيع ثاني 1445 هـ‍ (11 نوفمبر 2023)، وفي القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة التي انعقدت في المملكة العربية السعودية، كان صمت الأسد عن ذكر حماس وأحداث السابع من أكتوبر أعلى صوتًا من كلامه عن العدوان الإسرائيلي.

وفي القمة العربية الثالثة والثلاثون التي عقدت في البحرين في ذو القعدة 1445 هـ‍ (مايو 2024)، اختار بشار الأسد عدم إلقاء خطاب أو الموافقة على استضافة القمة العربية المقبلة، والتي كان من المفترض أن تعقد في دمشق، “تجنبًا للاضطرار للتعاطي مع حرب غزة” بالكلية.

وعندما اغتيل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، جراء ما يشتبه بأنها غارة إسرائيلية في إيران في محرم 1446 هـ‍ (يوليو 2024)، على الرغم من البيان الروتيني الذي أدان انتهاك إسرائيل لما وصفه البيان بالسيادة الإيرانية، لم يشر النظام السوري إلا بشكل عابر إلى الزعيم السياسي المقتول.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة أن الأمر استغرق يومين كاملين قبل أن يصدر النظام في دمشق بيانًا رسميًا للتعزية بعد اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، الذي قُتل مع عدد من كبار مسؤولي الحزب في عملية إسرائيلية في 24 ربيع أول 1446 هـ‍  (27 سبتمبر 2024).

هذا على الرغم من أن تدخل حزب الله في المعركة الحاسمة في القصير في 23 جمادى الأولى 1434 هـ‍ (4 أبريل 2013) كان من العوامل التي ساعدت على وقف انهيار النظام السوري آنذاك.

علاوة على ذلك، لم يرد النظام على أي من مئات الاستفزازات الإسرائيلية على الأراضي السورية نفسها.

وشنت إسرائيل عدة ضربات ضد أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا، مما أدى إلى تدمير قوافل حزب الله ومرافق تخزين الأسلحة؛ وإغلاق مطاري دمشق وحلب الدوليين، اللذين تتدفق عبرهما الأسلحة الإيرانية، لأربع مرات غير مسبوقة في غضون شهر واحد؛ وقتل أفراد إيرانيين في البلاد مع الإفلات النسبي من العقاب، بما في ذلك رضي موسوي، قائد الحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية على ضواحي دمشق في 12 جمادى الآخرة 1445  هـ‍ (25 ديسمبر 2023).

كما لم ترد سوريا بعد على الهجوم الإسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل القائد الإيراني الكبير في فيلق القدس، محمد رضا زاهدي، ونائبه في 21 رمضان 1445 هـ‍ (1 أبريل 2024).

في محاولة فهم صمت النظام السوري، تبرز عدة عوامل.

بداية، لا يزال النظام السوري يحمل قدرًا كبيرًا من الاستياء تجاه حركة حماس بسبب انسحابها الهاديء من دمشق، ورفض التعامل الأمني مع المتظاهرين عقب اندلاع الثورة.

وبعد توفير قاعدة للمكتب السياسي للحركة بعد خروجها من الأردن في عام
1420 هـ‍  (1999)، لا يزال كثيرون في النظام، وليس أقلهم الأسد نفسه، ينظرون إلى هذا الأمر باعتباره عملاً من أعمال الخيانة.

وعلى الرغم من التوصل إلى مصالحة بين الجانبين بوساطة إيران وحزب الله في ربيع أول 1444 هـ‍ (أكتوبر 2022)، إلا أن الأسد في مقابلة مع سكاي نيوز عربية في 22 محرم 1445 هـ‍ (9 أغسطس 2023)، أشار إلى تصرف حماس باعتباره “مزيج من الغدر والنفاق”، وأضاف أن “العلاقات مع حماس لا يمكن أن تعود كما كانت عليه في السابق”.

علاوة على ذلك، بعد ثلاثة عشر عامًا من الحرب، أصبحت الدولة السورية في حالة خراب وليست في وضع يسمح لها بالصمود في وجه الهجوم الإسرائيلي في حالة نشوب صراع إقليمي شامل.

ولا أدل على حالة الاهتراء هذه من كون 90% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر.

ولا يزال ثلث الأراضي السورية خارج سيطرة النظام؛ ولا يزال النظام يعاني من آثار الزلزال المدمر الذي وقع في 15 رجب 1444 هـ‍ (6 فبراير 2023)، والذي خلف 55 ألف قتيلًا في جميع أنحاء سوريا وتركيا، وعشرات الآلاف من النازحين.

وفي الجنوب، يواجه النظام تجدد الاحتجاجات المناهضة له في مدينة السويداء الجنوبية، وفي درعا، التي أعيد إشعالها في 29 محرم 1445 هـ‍ (16 أغسطس 2023) ردًا على تقليل الدعم الأساسي، وزيادة أسعار السلع الأساسية، وأسعار الوقود.

وفي أماكن أخرى من البلاد، في حمص والرقة ودير الزور، يواصل تنظيم الدولة استهداف قوات الأمن السورية والميليشيات الموالية للحكومة.

ولعل السبب الأهم وراء تحفظ النظام السوري، هو أن النظام حاول خلال السنوات القليلة الماضية تنويع تحالفاته، والابتعاد ببطء عن محور المقاومة، من أجل الخروج من عزلته الدولية، والتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر الأمريكي، الذي أقره الكونجرس في ربيع ثاني 1441 هـ‍ (ديسمبر 2019).

وعلى مدار عام من الحرب في غزة، تسارعت وتيرة التطبيع مع سوريا ومحاولات إعادة دمجها مرة أخرى في المجتمع الدولي.

حيث قامت الإمارات العربية المتحدة بتعيين سفير في دمشق في وقت سابق من هذا العام،  وأصبحت إيطاليا أول دولة في الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع تعيد علاقاتها مع سوريا رسميا في محرم 1446 هـ‍ (يوليو 2024).

يبدو إذن أن النظام السوري يستخدم حرب غزة كفرصة لإعادة تأهيل صورته.

ومن خلال البقاء خارج القتال، وإبقاء جبهة الجولان هادئة، تمامًا كما فعلت منذ توقيع اتفاقية فض الاشتباك مع إسرائيل في ربيع ثاني 1394 هـ‍ (مايو 1974)، يبدو أن سوريا تسعى لاستعادة دورها كمصدر للاستقرار في المنطقة، وقوة قادرة على حفظ السلام، على أمل أن يتلقى النظام المساعدات التي يحتاجها بشدة لإعادة البناء الاقتصادي.

وربما يعتمد الأسد أيضًا على احتمال أنه من خلال إعادة معايرة تحالفات سوريا بعيدًا عن محور المقاومة، وإظهار درجة من الاستقلالية في سياستها الخارجية بعيدًا عن إيران، ستتم مكافأة سوريا بدور أكبر في لبنان المجاور، والذي ربما سيكون خاليًا من حزب الله.

إن تقليص نفوذ حزب الله وإيران قد يحظى بشعبية كبيرة لدى ناخبي النظام ومسؤولي الأمن السوريين، الذين ربما سئموا من النفوذ الضخم الذي تتمتع به الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في النظام السياسي العلماني في سوريا منذ بداية الثورة في عام  1432 هـ‍  (2011).

وفي الوقت الراهن، تحرص إيران فيما يبدو على تجنب حرب شاملة مع إسرائيل والغرب.

ويبدو أنها قبلت قرار سوريا بعدم التورط في القتال، ويبدو أنها غير منزعجة، طالما أنها قادرة على الاستمرار في استخدام الأراضي السورية كمركز لوجستي وقناة لنقل الأسلحة إلى حزب الله من أجل استعادة قدرتها على الردع.

بالنسبة لبشار الأسد، والذي يهتم فقط بضمان بقائه السياسي، فإن قرار الاستمرار في الجلوس على الهامش في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر قد يكون مصيريًا لنظامه على المدى الطويل، خاصة إذا وجه الاحتلال أنظاره نحو سوريا بجدية أكبر.

ميدل إيست مونيتور

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا