في زمنٍ تتسارع فيه النبضات الرقمية، وتتقاطع فيه خيوط الخيال العلمي مع نسيج الواقع، لم نعد قادرين على التفرقة الدقيقة بين الحلم والممكن، بين ما كنا نراه في أفلام الخيال وبين ما نراه اليوم في المعارض والشوارع وأجهزة منازلنا. الذكاء الاصطناعي لم يعد مشروعاً للمستقبل، بل واقعاً متنامياً ينمو بيننا، يراقب، يتعلم، ويتسلل بهدوء إلى تفاصيل يومنا، حتى دون أن نشعر.
في هذا المقال، لا نرصد ما يحدث اليوم، بل نتأمل ما هو قادم. نحاول أن نرسم، بالكلمات، شكلاً تخيلياً لكنه قريب جداً من الواقع المتوقع للحياة في السنوات القليلة المقبلة، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً طبيعياً من كل شيء.
من المتوقع أن نرى:
- عروض تقسيط ومعارض متخصصة لبيع الروبوتات: كما أصبح للأجهزة الإلكترونية معارضها، سيصبح للروبوتات أماكن عرض وتجربة، وقد نشهد مواسم تخفيضات على الروبوتات المنزلية، الحارسة، والطبية. إعلان مثل: “احصل على روبوتك بأقل مقدم وأطول فترة سداد” قد لا يكون بعيدًا.
- استخدام الروبوتات في الطفولة والرعاية: من المتوقع أن تنتشر روبوتات مخصصة لرعاية الأطفال أو دعم كبار السن في المنازل، مما يفتح جدلاً واسعًا حول العلاقة العاطفية بين الإنسان والآلة.
- الروبوتات في الأسواق الشعبية: قد نرى روبوتات تدير أكشاك طعام، تحسب الحساب وتقدم الفكة، أو حتى تروج لمنتجات محلية باستخدام الذكاء الاصطناعي التفاعلي.
- مهن جديدة بالكامل مرتبطة بالروبوتات: من المتوقع ظهور وظائف مثل “فني برمجة روبوتات منزلية”، “استشاري تربية روبوتات تعليمية”، أو حتى “مدرب سلوكيات للروبوتات التفاعلية”.
- ذكاء اصطناعي يحدد موضة الملابس، أو يختار لك ديكور بيتك: اعتمادًا على بيانات ذوقك، صور بيتك، وتاريخ اختياراتك، قد يصبح من الطبيعي أن تعتمد كليًا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قراراتك اليومية.
- مساحات اجتماعية رقمية يشارك فيها الذكاء الاصطناعي كأفراد: تخيل أن تدخل منصة تواصل اجتماعي فتجد روبوتاً لديه صفحة، متابعون، ويشارك منشورات عن يومياته أو تفاعلاته مع البشر.
- مظاهرات من أجل “حقوق الروبوتات“: ربما نشهد تظاهرات رمزية – أو رقمية – تطالب بعدم التمييز ضد الروبوتات الواعية، وبحقها في التعبير والوجود في الأماكن العامة.
- قوانين جديدة تنظم العلاقة بين الإنسان والآلة: من المتوقع أن تصدر قوانين تحمي البشر من الروبوتات، وتحمي الروبوتات من إساءة الاستخدام. بل قد نرى نقابات أو جمعيات حقوقية تمثل هذه الكيانات الذكية.
في القرى والأماكن الريفية:
التحول لن يكون أقل حدة:
- روبوتات زراعية تحرث وتحصد وتراقب التربة بدقة متناهية، وتعمل ليل نهار بلا كلل.
- خدمات ذكية في المساجد والمجالس القروية: مساعد رقمي يقرأ أخبار القرية، يرد على الاستفسارات، ويقترح حلولاً للمشاكل المتكررة.
- تحول “الترعة” إلى مجرى ذكي: بقياسات تلقائية لمستوى المياه، وتدخل آلي إذا تجاوز الحد الآمن.
- روبوتات توصيل الطلبات للبيوت الطينية: لا تستغرب إن رأيت روبوتاً صغيراً يتجول في الحقول حاملاً طلبات سكان قرية نائية.
ومع كل هذا التغير، ستبقى بعض الأصوات تنادي بالحذر، بالخصوصية، وبأهمية عدم تسليم مفاتيح الحياة للآلة.
لكن، يبدو أن القطار قد بدأ السير بالفعل.
بين السخرية والقلق: هل نضحك الآن أم نبكي لاحقاً؟
قد نضحك اليوم على فيديوهات روبوتات تقع على المسرح، أو تصطدم بالأبواب الزجاجية، لكن خلف هذه الضحكة يكمن سؤال ثقيل: هل نحن مستعدون فعلاً لعصر تشاركنا فيه “الآلات الواعية” حياتنا؟ هل سنندم لاحقاً كما ندمنا على الثقة العمياء في وسائل التواصل الاجتماعي؟
لقد بدأت ملامح المستقبل تتضح، والخيال لم يعد خيالاً. الذكاء الاصطناعي لم يطرق الباب، بل دخل من النافذة، وجلس في غرفة المعيشة.
والسؤال الذي لم يعد ممكناً تجاهله: هل نحن من يستخدم الذكاء الاصطناعي … أم هو من يستخدمنا؟
اترك تعليقاً