كشرت أمريكا عن أنيابها وكشفت عن حقيقتها وصرح رئيسها: “نستعيد السلام عبر القوة” فعادت الحرب بأشد مما كانت عليه على قطاع غزة، وضربت أمريكا بكل المواثيق الدولية عرض الحائط لأجل حليفتها إسرائيل. وواجهت الطوفان بالدعم الكامل لإسرائيل، فمعركة طوفان الأقصى التي عصفت بالمنطقة العربية الإسلامية كلها بل والعالم أجمع لم تُعد للقضية الفلسطينية زخمها بعد صفقات تطبيع واعتياد على الظلم فقط؛ لكن أيضا كشفت للعالم زيف العديد من الشعارات. كما وضعت العالم أمام حقائق كانت مُغيبة عن العديد من أبناء المسلمين، خاصةً المنبهرين بشعارات المجتمع الغربي المتحضر وشعار الحرية المطلقة.
وضع طوفان الأقصى الحضارة الغربية على المحك، ليراجع المسلم العديد من المفاهيم التي كان يسمع عنها وتبهره، كما استيقظ الشاب الأمريكي، الذي لطالما تغنى بالحرية ونصب لها تمثالا، أنه لا يملك الحرية المطلقة كما قال له مجتمعه الليبرالي، فالليبرالية كلمة أصلها لاتيني تعني الحرية، أي التحرر المطلق من كل أنواع الإكراه الخارجي.
ومع قمع المظاهرات الطلابية في أعرق الجامعات الأمريكية، أكتشف الأمريكي أنه “ليس حرا ما لم يضر” كما كان يُقال له، فحريته ليست مطلقة بل تقيدها الصهيونية العالمية. فما إن خرج إلى الشوارع لينادي بالحرية لفلسطين، وجد آلة القمع السياسية التي انتخبها يومًا ووصلت إلى السلطة بفضل صوته قد أسكتته، ودفعت أموال الضرائب لغيره، وتحت قانون (معاداة السامية) تساءل الأمريكي أين الحرية المطلقة؟
أعتاد طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية على سقف حرية عالي، كانوا يظنونه بلا حدود حتى جاء طوفان الأقصى واكتشفوا أن الأمر على عكس ذلك. من كان يتخيل أن طلاب أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية يشتبكون مع شرطة بلادهم التي تغنت بحرية الأقليات والشواذ والأديان والأعراق ويتم اعتقال من نصب خيامًا وقال: “الحرية لفلسطين”، وكأن فلسطين لا تشملها الحرية؟!
واليوم يتساءل الجميع: أليس “أنت حر ما لم تضر؟” أنت حر في اختيار دينك وربك الذي تعبده والكنيسة التي تصلي بها. لكن لما عندما شكلت الحرية خطرًا على الصهيونية العالمية ودولتها إسرائيل، تبخرت الحرية المطلقة، ولم يجد الطالب الأمريكي سوى هراوات وعصي الشرطة تضرب أحلام الحرية المطلقة ليكتشف أنها كانت وهمًا.
فهل أيقظ الطوفان المجتمع الأمريكي من حلم الحرية المطلقة؟ فكم أمريكي تم تهديده أو مضايقته أو فُصله من عمله لأنه اختار الحديث عن حرية فلسطين؟ طوفان الأقصى كشف أن الحرية المطلقة والتي يعتبرها البعض أحد أبرز سمات المجتمعات المتحضرة ليست إلا يوتيوبا حالمة. وكأن طوفان الأقصى أزال الغشاوة عن حقيقة الحرية المطلقة التي انبهر بها العديد من أبناء العرب المسلمون ولطالما حاولوا تحقيقها في مجتمعاتهم وتباهى بها المواطن لأمريكي بعد أن تم إقناعه أن كل الحروب التي يخوضها المجتمع الأمريكي هي لنشر الحرية والديموقراطية وليتأكد العالم أجمع أن الحرية المطلقة وهم.
فالحرية مهما تم رفع سقفها إلا انها مازال مقيدة وحدودها أضيق من حدود الإضرار بالأخرين . فالأخرين هنا يعرفهم كل مجتمع بحسب معاييره فقد يكونوا الشواذ إذا حكم أمريكا الديموقراطيين أو قد لا يكونوا إذا حكم أمريكا الجمهوريين. والإضرار هنا خاضع لأفهام النظام الغربي الذي لا يرى في دعم إسرائيل في حربها أي إضرار بالأخرين.
ومن هنا نجد أن الحرية المطلقة ليست أكثر من شعار تستخدمه السلطة الغربية الغالبة وفق مصالحها.
وها هو طوفان الأقصى أكد ما كان يتحدث عن أهل العلم والدين أن الحرية لها حدود إن لم تكن هذه الحدود شرع لله فهي بالضرورة حدود غيره، وإن لم يستظل الإنسان بحدود شرع الله وجد نفسه يخضع لأهواء الحرية المُتغلب وأوهام الشعارات الكاذبة. فالحرية مفهوم فضفاض مضطرب، حينا له حدود وأحيانا تذوب بحسب من يسود ويحكم ويتغلب.
لا بد من الاعتراف أن الحرية ليست مطلقة في واقع حياة البشر، كما أن الحرية بحد ذاتها مفهوم فضفاض اختلف المنظرون في تعريفه وتحديد قيوده ليتناسب مع الحياة ويكون له تمثيل واقعي. فالحرية لها مسارات عدة بحسب مناحي الحياة ولها أيضا خصوصية ثقافية وفكرية فلا يمكن قراءة الحرية في المجتمع الغربي كما في مجتمعات الأخرى.
مساحات الحرية تختلف من مجتمع لآخر فماذا عنا في المجتمع العربي المسلم؟ وكيف يمكن قراءة مفهوم الحرية في سياق مجتمعاتنا التي ولدت في لحظة زمنية وجدت نفسها منبهرة بسلطة الثقافة الغربية الغالبة التي تم التسويق لها منذ عقود على أنها النموذج الأفضل للحرية والمعيشة المتطورة وأصبح حلم الفتى العربي العيش في مجتمع غربي كان يزعم أن الحرية فيه مطلقة.
ولأن المجتمع العربي أصبح كيانا يعتَد به وله مكانة بين الأمم بعد أن اهتدى بنور الإسلام فلابد من قراءة مفهوم الحرية في ظل الدين الإسلامي الذي وإن كان يعيش في أضعف حالته سواء على مستوى الأفراد وتطبيقهم له أو على مستوى الأنظمة التي تحكم الأفراد إلا أنه هو البوصلة التي نحاول إرجاع الأفراد والمجتمعات العربية من خلالها إلى الطريق القويم فنجد مفهوم الحرية في الإسلام تشترك مع مفهومها عند الغرب كونها قيمة عليا لا يصح الاستنقاص منها، كما أنها أيضا مفهوم له حدود وليس مفهوما مطلقا فالحرية المطلقة غير صالحة للتطبيق على الواقع .
كما أنها تختلف باختلاف المرجعية التي تحتكم إليها المجتمعات.
فبما أن المجتمع العربي مسلم مرجعيته هي الوحي قرانا وسنة فقد قال سبحانه ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم”. فكان لابد أن تكون سقف حرية المسلم الشريعة الإسلامية فهو حر وسقف حريته حدود وشرع الله المعبود بينما المجتمع الغربي استيقظ اليوم ليتأكد أنه عبد للصهيونية العالمية وسقف حريته هو ما يضرها ويهدد أمن دولتها (إسرائيل) وهذا ما يؤكد أن الإنسان إن لم يكن عبدا لله فهو عبد لما سواه وإن لم يحد حريته شرع الله فسيكون غيرها هي الحدود فالعبودية من لوازم الإنسان وهو يختار لمن تكون.
وفي ظل حالة الانبهار بالغرب التي بدأت تخفت بعد الطوفان والذي كشف حقيقة الكثير من شعارات المنبهرين بثقافة الغربي الغالب والتي لطالما وظفها في خدمته لا بد لنا كمسلمين من مراجعة المفاهيم وتعريف الأمور بما يتناسب مع حضارتنا والتي إن كانت اليوم منهزمة إلا ان لها مشروع لابد لها أن تبدأ بالاستيقاظ لتكون هي الغالبة وتحافظ على مفهوم الحرية في ظل العبودية لله وحتى يحين موعد الاستيقاظ لابد من إعادة تشكيل المفاهيم كالحرية والعبودية في عقل المسلم بعيدا عن بريق الحضارة الغربية الغالبة اليوم وبعيدا عن روح الحضارة المنهزمة والنائمة في دواخلنا .
طوفان الأقصى ووهم الحرية المطلقة

|
شارك هذا التقرير:
اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع
اترك تعليقاً