الإبادة الجماعية ليست حدثًا فجائيًا، بل هي عملية متشابكة وغير خطية تتطور على مدى عشر مراحل غالبًا ما تتداخل فيما بينها. ترى منظمة مراقبة الإبادة الجماعية أن هذه المراحل يمكن التنبؤ بها، لكنها ليست حتمية. وفي الهند، تبرز جميع المؤشرات المبكرة للإبادة الجماعية ضد المسلمين، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة واستباقية للتصدي لهذا الخطر.
الإطار النظري لمنظمة مراقبة الإبادة الجماعية، الذي يقوم على عشر مراحل، يوفر نهجًا للتعرف على الإشارات التحذيرية للإبادة الجماعية ويقترح التدابير الوقائية اللازمة في كل مرحلة. توضح هذه السلسلة من المدونات أن الإبادة الجماعية في الهند ليست أمرًا محتومًا، بل يمكن منعها ويجب أن يتم ذلك. لذا، تدعو المنظمة الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الهندية، إلى جانب المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وحلفاء الهند، إلى اتخاذ إجراءات وقائية فورية.
السياق التاريخي
لا يمكن فهم العنف الديني والإثني والطائفي في الهند اليوم إلا في سياق تاريخي يمتد إلى حقبة الفتح المغولي، والحكم الاستعماري البريطاني، وصعود القومية الهندوسية الدينية. لا تزال العلاقات بين الهندوس والمسلمين في الهند متأثرة بالانقسامات التي أدت إلى مجازر إبادة جماعية خلال تقسيم عام 1366هـ (1947م).
منذ الاستقلال وحتى عام 1412هـ (1992م)، كانت منظمات الهندوتفا (تفوق الهندوس) مثل “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (R.S.S) على هامش المشهد السياسي الهندي. وتمثل الهندوتفا مزيجًا من الفاشية الهندوسية، والأصولية، والقومية.
في عام 1412هـ (1992م)، بدأ صعود حركة الهندوتفا داخل حزب بهاراتيا جاناتا (B.J.P) وسيطرتها على السياسة الهندية مع هدم مسجد بابري، وهو مسجد تاريخي يقع في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش. زعم القوميون الهندوس أن المسجد شُيّد فوق موقع معبد هندوسي مدمر، وادعوا أن الموقع هو مكان ميلاد الإله راما. وقد شيدوا الآن معبدًا هندوسيًا ضخمًا جديدًا مكرسًا لراما على موقع المسجد المدمر.
كان هدم مسجد بابري، الذي يعود إلى العصور الوسطى، على يد حشود هندوسية في مدينة أيوديا شمال الهند عام 1412هـ (1992م)، شرارةً لاندلاع بعضٍ من أعنف أعمال الشغب الدينية في تاريخ الهند.
هدم المسجد كان انتصارًا استثنائيًا للقومية الهندوسية. لقد أطلق هذا الهدم شرارة أعمال شغب قادتها حركة الهندوتفا ضد المسلمين، وتسبب العنف الذي اندلع في أنحاء الهند في تعميق الاستقطاب المجتمعي والسياسي على أسس دينية.
باعتناقها الالتزامات الأيديولوجية للهندوتفا، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) من الانتقال من حصوله على مقعدين فقط في لوك سابها (البرلمان الهندي) في انتخابات عام 1404هـ (1984م) إلى الفوز بأغلبية ساحقة وقيادة الحكومات الائتلافية في أعوام 1419هـ (1998م)، و1420هـ (1999م)، و1435هـ (2014م)، و1440هـ (2019م).
لم يكن هناك شخص أكثر تأثيرًا في صعود التطرف الهندوسي في الهند من فينايك دامودار سافاركار (1883-1966م / 1300-1385هـ)، المؤسس الأيديولوجي لفكرة الهندوتفا. برز سافاركار بسبب حملته التي دعت إلى “هندنة السياسة وعسكرة الهندوسية”.
كان سافاركار يتوق إلى استعادة ما وصفه بـ”الهند الراشترا” (الأمة الهندوسية) الخيالية. وأكد أن المسلمين والمسيحيين لا يمكن أن يكونوا هنودًا حقيقيين لأن أراضيهم المقدسة تقع خارج الهند.
تخيل سافاركار هندًا هندوسية مزدهرة قد دمرها المسلمون والمسيحيون. هذه الأوهام المتعلقة بماضٍ مثالي ضائع غالبًا ما تكون جوهرية في الأيديولوجيات الإبادية. أصبحت الهند الأسطورية لسافاركار ورؤيته لمن يمكن أو لا يمكن أن يكون “هنديًا حقيقيًا” الأساس الفكري لـ”إم. إس. غولوالكر”، مؤسس منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، المنظمة القومية الهندوسية المتطرفة التي بُني عليها حزب بهاراتيا جاناتا.
أيديولوجية الهندوتفا لسافاركار تشكل الأساس الفكري لمعتقدات قيادات حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحالي. يُثني رئيس الوزراء ناريندرا مودي على سافاركار بوصفه “ابنًا بارًا لأم الهند ومصدر إلهام لكثيرين.”
منذ عام 1412هـ (1992م)، شهدت الهند مجازر عديدة ارتكبتها حشود هندوسية ضد المسلمين. ويتم التخفيف من الطبيعة الإبادية لهذه الجرائم باستخدام عبارات ملطفة تصفها رسميًا بأنها “اضطرابات طائفية”. تهدف هذه التسمية إلى تصويرها على أنها نزاعات ذات طابع ديني بين طرفين، في حين أنها كانت في الواقع مجازر إبادة جماعية أحادية الجانب من قبل الهندوس ضد المسلمين.
من أبرز هذه المجازر مذبحة مومباي (بومباي) عامي 1412-1413هـ (1992-1993م) التي أودت بحياة 900 شخص، ومجازر غوجارات عام 1423هـ (2002م) التي خلفت أكثر من 2000 قتيل، معظمهم من المسلمين، ومجزرة دلهي عام 1441هـ (2020م) التي راح ضحيتها 53 شخصًا.
اليوم، تمزق الهند خطابات الكراهية التي تزرع مفهوم “نحن” ضد “هم”. إن التعددية التي نص عليها الدستور الهندي تتعرض لتقويض ممنهج وتدمير متعمد. أصبحت فكرة الوحدة في التنوع تتلاشى أمام أيديولوجية استبدادية ترتكز على التماثل وهيمنة الهندوس.
لقراءة الدراسة كاملة هنا:
اترك تعليقاً