أعلن المتمردون المناهضون للحكومة السورية عن تقدم مذهل في حلب، وهو ما يمثل جائزة رمزية واستراتيجية كبرى، في انتكاسة للحكومة في دمشق وحلفائها روسيا وإيران. وتدفق المتمردون بقيادة إسلاميين إلى حلب بعد يومين من شن هجوم غير متوقع من شمال غرب البلاد الذي يسيطر عليه المتمردون وبعد ثماني سنوات من سقوط المدينة في أيدي القوات الموالية لحكومة بشار الأسد في نهاية حصار طويل.
ويعد هجوم المتمردين التغيير الأكثر أهمية منذ سنوات في ميزان القوى في سوريا، وهو الصراع الذي اجتذب الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل ومجموعة من القوى الخارجية الأخرى. ونجا الأسد بصعوبة من ثورة شعبية أشعلت انتفاضة مسلحة ضده في عام 1432هـ (2011م) وقمع الانتفاضة باستخدام القصف والأسلحة الكيماوية والاعتقالات الجماعية للمعارضين بمساعدة القوة الجوية الروسية والدعم العسكري من إيران وحلفائها بما في ذلك حركة حزب الله اللبنانية.
كانت حلب رمزًا للتمرد بعد الاحتجاجات التي اندلعت هناك في عام 1432هـ (2011م)، واستولت المعارضة على أجزاء من المدينة في عام 1433هـ (2012م). وسقط الجزء الذي يسيطر عليه المتمردون من المدينة في يد الحكومة في عام 1437هـ (2016م) بعد حملة طويلة من القصف من قبل طائرات الحكومة الروسية والسورية والحصار.
ورغم أن نظام الأسد احتفظ بالسيطرة على دمشق، فقد أُجبر الرئيس السوري على التنازل عن مساحات من البلاد للمتمردين في الشمال الغربي والميليشيات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا في أعقاب حملة مدعومة من الولايات المتحدة ضد متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية. ولم تعلق الحكومة في دمشق على الفور على الوضع في حلب.
ويأتي الهجوم في وقت يتعرض فيه حلفاء الأسد لضغوط متزايدة، فقد صبت روسيا مواردها العسكرية في غزوها لأوكرانيا، كما عانت إيران والميليشيات المتحالفة معها من انتكاسات شديدة خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي في كل من لبنان وسوريا، ووافقت إسرائيل على وقف إطلاق نار هش في لبنان في وقت سابق من هذا الأسبوع.
كما يأتي ذلك عشية الإدارة الثانية للرئيس المنتخب ترامب، الذي فرض في السابق سياسة الضغط على إيران وشن غارات جوية ضد الأصول العسكرية للحكومة السورية. وقالت دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة لحل النزاعات، إن هذه الديناميكيات السياسية العالمية لعبت دورًا كبيرًا في قرار المتمردين بشن هجومهم. وقالت: “إنها عاصفة مثالية بمعنى ما. إذا لم يكن الآن فمتى؟” واضافت “لقد كانوا يفكرون في هذا الأمر كثيرًا ويحاولون معرفة ما إذا كان هناك أي فرصة، ويستكشفون ويحاولون استشعار نقاط ضعف النظام”.
وشمل هجوم هذا الأسبوع آلاف المقاتلين المناهضين للحكومة، بما في ذلك من هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية سنية صنفتها إدارة ترامب في عام 2018 كمنظمة إرهابية وهيئة تحرير الشام هي فرع من جبهة النصرة، التي تعتبرها الولايات المتحدة تابعة لتنظيم القاعدة. وقال كرم شعار، رئيس شركة استشارية تركز على سوريا، إن إدخال تقنيات جديدة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، إلى ترسانة المتمردين كان حاسما لتقدمهم. وقال: “السيطرة على حلب تحدث بوتيرة مذهلة لأن الجميع في حالة ذعر والجميع يغادرون” واضاف “العملية هي للسيطرة على حلب والضغط على النظام للتفاوض”.
وقال المتمردون إنهم سيشنون الهجوم يوم الأربعاء، وبحلول ليلة الجمعة، أعلنوا عن عصر جديد في حلب. وقال محمد البشير، رئيس حكومة الإنقاذ المتحالفة مع هيئة تحرير الشام، والتي تحكم معظم شمال غرب سوريا: “شعب حلب، إن تحريركم من براثن هذا النظام الإجرامي يجلب عصرًا جديدًا من الفخر والكرامة”.
وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 125 حادثة قصف وغارات جوية وهجمات أخرى تم الإبلاغ عنها في محافظتي حلب وإدلب في شمال غرب سوريا في الأيام الأخيرة وقُتل 12 مدنياً يومي الأربعاء والخميس، بينهم أربعة أطفال، وأصيب 46 آخرون. وقالت منظمة الدفاع المدني السوري، وهي منظمة إنقاذ مستقلة تُعرف أيضًا باسم الخوذ البيضاء، إن الغارات الجوية الروسية والنظام السوري يوم الجمعة أسفرت عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة 25 آخرين بينهم ثمانية أطفال. وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلنت القيادة العسكرية للمتمردين السيطرة على بلدة سراقب، وهي مركز مهم للتمرد ضد الأسد وموقع استراتيجي عند تقاطع طريقين سريعين رئيسيين في الشمال الغربي.
ترجمة: زيد بنيامين.
اترك تعليقاً