مقال رأي: عارٌ مستمر… الأسرى في سوريا

istockphoto 679917464 612x612 1

شاهدتُ مقطعًا لرجل اسمه: بلال الشيخ من ريف حماة الشمالي، أمضى 13 سنة في السجن لأنه خرج في مظاهرة سلمية حين كان عمره 19 سنة، والرجل تبدو عليه آثار التعذيب بملامحه الذابلة، وقد وصف ما وقع معه فكان مريعًا أقرب إلى الموت، وليس عن هذا الحديث الذي سمع مثله الجميع إلى حدٍّ تخال فيه كأنَّ الجمهور أطربه الأمر ويطلب المزيد كأنه يغذي خياله وفضوله ليعرف عن المجهول فقط.

بل كلامي عما قاله حين رجع إلى أهله فوجدهم في مخيم للاجئين، وينهار باكيًا فيذكر الفقر الذي يعانون منه وما له سوى أيام قد خرج من قبر ضم هيكلًا فيه روح! ليقول بأنَّه لا يستطيع أن يساعد أهله إذ يعاني من كسور في الظهر، ويبكي بحرقة وهو يقول: لم يسأل أحد عنه ولا قال له أحد شيئًا، وهنا يقول بأنَّ السجن كان أهون عليه من هذه الحال إذ لا يقوى على مساعدة أهله، وهو يراهم يستعيرون الخبز، ولا هم قادرون على مساعدته.

هذا العار هو الذي ينبغي أن يفطن له الناس بدل حفلات الانتشاء اليوم، حين يخرج شخص بعد هذه السنوات، ولا يجد أي جهة تتابعه أو تقف معه، ويعود إلى أهله دون مرافق فيتمنى أن يرجع إلى السجن الذي قد علم الجميع حاله! وفي التعليقات تظهر طريقة فهم الحقوق لدى بعض الناس، إذ علّق أحدهم بأنَّه يقترح أن يفتح قناة يوتيوب ويخرج على حلقات بقصته على الناس وهكذا يمكن أن يحصِّل بعض ما يسد به رمقه وعائلته بأرباح يوتيوب متى زادت المشاهدات!

وآخرون يطلبون رقم الشخص للتواصل معه ربما لصدقة أو تبرع، هذا الشخص الذي له حق على مختلف السوريين يتم التعامل معه كأنه متسول، رغم أنَّ المجموعات المنتشرة التابعة لفصائل تظهر صحتهم في خير حال، وتدفع لهم مخصصات مالية فهي تستفيد منهم، في حين أنَّ تلك القلة التي نجت من الموت لا تسمع حديثًا عن قانون ملزم يحفظ كرامتهم، فليست المسألة مادة إعلانات ولا جمع تبرعات بقدر أن يوجد قانون مخصص لرواتبهم الشهرية كأحد العناصر الفاعلة أم إن خبتْ للمرء فائدة لم يفتقده أحد؟

لا بد من هيئة تفرض مخصصات تعتبر حقوقًا لهؤلاء، لا فتح الباب لإظهار قصصهم فحسب، بل النظر إلى الجانب العملي، ويكون التصور الحقوقي المفقود أكبر عائق عن تحقيقه، هؤلاء لا يحتاجون إلى التسول، ولا إلى الظهور على الشاشات بعد ما لاقوه، فالأمر يضحي هجاءً لواقعهم الجديد لا القديم فقط، بل يحتاجون إلى لجنة فاعلة تتابعهم، لا أن ترميهم إلى أهلهم وتنتهي الحكاية فهؤلاء لهم حق على المجتمع، وتفعيل هذا الملف أفضل من تحويل المآسي لعشرات المنتجات الإعلامية، والروائية، والشعرية التي تضمن المجد الشخصي لأصحابها، أكبر من تفعيل جانب عملي واحد يساعد هؤلاء النّاس بحق، فالحديث عن مأساة الماضي قد يغيِّب مأساة حاضرة، حين يخرج شخص بعد مأساة، ويتمنى العودة إليها، يكون قد أطلق تحذيره من عار لا يزال موجودًا بين ظهراني المحتفلين.

الكاتب: يوسف سمرين.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا