ما الذي يجري في السودان؟!

GAg9erfWkAAv8Nu

كتب أحمد بدر الدين، الباحث الإسلامي على منصة “إكس” (تويتر سابقا) شهادته على ما يجري في السودان بصفته معاصرا للأحداث.

وقال في سلسلة تغريدات بهذا الشأن:


‏لله ثم للتاريخ !

شهادتي أكتبها لكم وأنا أعيش على بعد بضع كيلومترات من قاعدة ( وادي سيدنا ) العسكرية ، وقد عاصرت هذه الحرب منذ بدايتها والى الآن ..

ما الذي يحدث في السودان ؟
ما هي أسباب هذه الحرب ؟
وما هو دور العلمانيين في إشعال فتيل هذه الحرب ؟

تابع هذا الثريد ( المختصر ) لتفهم ما الذي يدور في السودان.

منذ انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011م بدأت أوضاع السودان الاقتصادية في التدهور بسبب غياب صادرات البترول والتي كانت معظم حقوله تقع في جنوب السودان، إضافة إلى الحصار الأمريكي الأوروبي المفروض على السودان منذ أوائل التسعينيات بلغت الأزمة الاقتصادية أوجها في نهاية عام 2018م مما أدى إلى اندلاع ثورة شعبية عارمة ضد نظام البشير سميت بثورة ديسمبر.

حاول نظام البشير السابق الاستعانة بالدعم السريع وجهاز الأمن لقمع المظاهرات، فتم السماح لأول مرة للدعم السريع بدخول العاصمة بعد أن كان عبارة عن قوات لها مهام خاصة في إقليم دارفور، يتكون الدعم السريع من مجموعة قبائل عربية لها إمتداد في دول غرب افريقيا تنتمي لرجل اسمه ( الجنيد ) وهو جدهم الأكبر ، ولهذا يطلق عليهم اسم ( الجنجويد ) أي : جند الجنيد ..

قام المتظاهرون بالاعتصام أمام مباني القيادة العامة للجيش بأعداد كبيرة، مما اضطر قادة الجيش والدعم السريع والأجهزة الأمنية بعمل انقلاب سلمي داخلي، على إثره تم إقصاء البشير واعتقال رموز النظام السابق ليتولى الرئاسة مباشرة الفريق أول / احمد عوض بن عوف، والذي اعتذر عنها ليتولاها بعده الفريق أول وقائد الجيش حاليا / عبد الفتاح البرهان.

GAg IwfXMAAcAqq


حاول العسكر بادئ الأمر الانفراد بالسلطة ووعدوا الجماهير بأنهم سيديرون فترة انتقالية مدتها 6 أشهر ثم يفتحوا المجال للانتخابات إلا أن الأحزاب السياسية والتي كانت تشعل لهيب المظاهرات وتتحدث إلى الجماهير أمام القيادة العامة للجيش رفضت هذا الأمر تماما وسبب رفض الأحزاب العلمانية ( تحالف قوى الحرية والتغيير) لمقترح الجيش هو علمها بأنها لا تمتلك اي أرضية تمكنها من الفوز بالانتخابات ، لذلك لا بد لهم من أن يجدوا مقاعد في الفترة الانتقالية بأي طريقة، وأن تكون هذه الفترة أطول ما يمكن ، فتارة يقترحون عشر سنوات فترة انتقالية وتارة أربع سنوات وهكذا ..

GAg aZOXoAAZ8oa

قامت الأحزاب اليسارية بخداع المتظاهرين ووعدوهم بالحياة الرغيدة وبتحسن كل القطاعات الزراعية والخدمية وغيرها، واستغلوا جهل المتظاهرين بأسباب هذه الأزمة الاقتصادية، ونححوا في إقناع الشارع أن المشكلة كلها من الاسلاميين ( حكومة البشير ) دون النظر إلى بقية العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي..

رفض الجيش في البداية الاستجابة لمطالب المتظاهرين ( المغيبين) والأحزاب، فقام الجيش بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى بتفريق الاعتصام بالقوة مما أدى لحدوث حالات وفيات وإصابات كثيرة وسط المتظاهرين، ونجحت الجهات الأمنية في فض الاعتصام!
تولى المحامي والقانوني نبيل أديب ملف فض الاعتصام إلا أنه لم يحقق أي تقدم يذكر إلى يومنا هذا !!

صورة المحامي نبيل أديب


لم يهدأ الشارع السوداني بعدها ابدا على عكس توقعات الأجهزة الأمنية، بل تطور الأمر وأصبحت المظاهرات أشد وطأة مما اضطر الجيش للقبول بتقاسم السلطة مع الأحزاب اليسارية والتي كانت لها توجهات أخرى ونوايا ظهرت فيما بعد !، وكان العلمانيون قد هيؤوا المتظاهرين مسبقاً بضرورة تولي الدكتور العلماني/ عبد الله حمدوك، فتم توقيع الوثيقة الدستورية والتي وضعت لوائح وقوانين إدارة المرحلة الانتقالية والتي ترأسها عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو وعبد الله حمدوك كرئيس للوزراء وتم تعيين عدد كبير من الوزراء من حملة الجنسيات الأجنبية والذين تلوثت أفكارهم بالعلمانية ، ثم عاش السودانيين هدوءا يسبق العاصفة.


GAg 4 qXQAAvfD

حمدوك

وتم إدخال الحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور إلى السلطة أيضا وتوسع تحالف الحرية والتغيير ليضم الحركات المسلحة.

منذ أن بدأ عمل الحكومة الجديدة كان واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة أنها حكومة علمانية بامتياز وأنها لا علاقة لها بتحسين الوضع الاقتصادي ومن أبرز الأحداث التي حدثت في فترة الحكومة العلمانية والتي استمرت لمدة سنتين تقريبا :
1- انهيار العملة المحلية بصورة مخيفة، حيث وصلت قيمة الدولار = 400 جنيه بينما كان في زمن الإسلاميين الدولار = 100جنيه.
2- رفع الدعم عن الوقود والدقيق مما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار الخبز والمواد البترولية.
3- رفع الدعم عن الكهرباء والماء مما أدى إلى زيادة كبيرة في الفواتير.
4- بصورة عامة ارتفعت أسعار السلع بصورة فلكية ولم تحدث زيادة كبيرة في المرتبات مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وهكذا فشل العلمانيون في الملف الاقتصادي فشلا ذريعاً، وتمنى الناس لو أن الإسلاميين ظلوا في السلطة، وبدأ الشارع يتأجج مرة أخرى.

GAhAPLTXEAAym5R


على الصعيد الديني والاجتماعي ظهرت في السودان حركات وأفكار لم يعرف لها ظهور كبير قبل ثورة ديسمبر، فظهرت الحركة النسوية بصورة بحجة وأصبح النسويات يخرجن في مظاهرات علنية رافعين لافتات مكتوب عليها ( ضد العسكر والأبوية ! ) كما ظهر قوم لوط وظهرت فتيات الليل في ظاهرة كانت غريبة جدا على السودانيين باعتبارهم مجتمعا محافظا!

على صعيد المناهج التعليميه قام العلمانيون بتغيير المناهج الدراسية وعاثوا فيها فساداً بصورة عجيبة ، لدرجة أنهم طبعوا صورا للذات الإلهية في المناهج التعليميه!! وقاموا بتعديل المنهج القرآني ، وحذفوا الآيات القرآنية من المناهج التعليميه الا مادة القران والفقه! كما أنهم جعلوا أركان الإيمان خمسة وقاموا بحذف ركن الايمان بالقضاء والقدر ، وقام بتقليل منهج القران الكريم في المدارس !


على صعيد القوانين قام العلمانيون بتغيير قانون حد شرب الخمر وشرعوا في تغيير قوانين الزواج والطلاق وقاموا بتكليف لجنة من الشيوعيين الملاحدة للقيام بمهمة التعديلات القضائية في الأحوال الشخصية ، كما تم إلغاء قانون النظام العام ، وهو قانون يشابه إلى حد ما قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية..

GAhAtwJXoAYzkeb

على الصعيد الأمني قامت الحكومة العلمانية وبالاشتراك مع الجيش بتصفية جهاز الأمن والمخابرات باعتباره امتداداً للإسلاميين ، وسلموا مقارته كلها لحليفهم المستقبلي الدعم السريع ، مما جعل للدعم السريع داخل المدن بمعسكراته وعتاده مما سهل عليه الإنقلاب على الجيش لاحقاً.. قام الدعم السريع باستغلال وجوده في المدن ، فأقام معسكرات تدريب في مختلف ولايات السودان ، وكان يجند السوداني وغير السوداني بأجور عالية وأسلحة نوعية ، مما أدى إلى زيادة اعداد قوات الدعم السريع من 20000 مقاتل إلى 200000 مقاتل أو أكثر !

حدثت خلافات كبيرة بين الحركات المسلحة والأحزاب العلمانية حول السلطة ، وصار الناس فريقين ، وعادت الخرطوم إلى المظاهرات مجدداً ولكن هذه المرة مظاهرات مختلفة ، فكل فريق يدعم حزبه ، وبعد تفاقم التظاهرات وتعنت العلمانيين في كثير من الأمور وحرصهم على الانفراد بالسلطة واقصاء الآخرين قررت الأجهزة الأمنية عمل انقلاب على السلطة ، فاستطاع قاىد الجيش وقائد الدعم السريع الإطاحة بحكومة حمدوك وتولى الجيش والحركات المسلحة إدارة البلاد وقامت السلطة الجديدة بإلغاء كافة القوانين التي سنتها الحكومة العلمانية ، وما هذا إلا بسبب التأثير الإسلامي الكبير داخل الجيش !

وجد انقلاب الجيش هذه المرة حفاوة كبيرة خصوصاً من التيارات الإسلامية والتيارات الشعبية والإدارات الأهلية ، فحاول العلمانيون العودة إلى السلطة مجدداً ، وذلك عن طريق المظاهرات من أنصارهم وبعض ضعاف النفوس ، لكن كل المحاولات فشلت ، فالشارع السوداني لن يخدع مرتين ، ثم أصبح العلمانيون يستجدون السفارات الأجنبية والدول الإقليمية للضغط على الجيش لاعادتهم إلى السلطة مجددا ، بل قاموا بإقناع بعثة الأمم المتحدة اليوناتيمس بعدالة قضيتهم فانحازت البعثة ورئيسها ( فولكر بيرتس ) إلى الخط العلماني مما أثر في مجريات الأحداث بعد ذلك .. بعد ضغط كبير من الدول الإقليمية رضخ الجيش للعلمانيين ، وقام العلمانيون بصياغة اتفاق علماني خالص أسموه ( الاتفاق الإطاري ) ، كتبوا فيه خلاصة قذارتهم وكفرهم ، واشترطوا فيه أن يكون الدعم السريع تابعا لرئيس الوزراء الذي سيأتون به ، مما يعني عجز الجيش عن الإنقلاب عليهم مجدداً باعتبار أن المكون العلماني الآن لديه حاضنة عسكرية هي الدعم السريع…

وافق الجيش على هذا الإتفاق شريطة دمج الدعم السريع في الجيش وتوحيد السلاح كله في يد الجيش ! ، علم العلمانيون أن الموافقة على هذا الشرط تعني زوال الحاضنة العسكرية وأنهم سيصبحون لقمة سائغة في فم الجيش ، فهددوا وتوعدوا الجيش أنه إن لم يقبل بالاتفاق الإطاري كما هو فإنهم سيعلنون الحرب !! لكن السؤال المحير : كيف لقوى مدنية لا تحمل سلاحاً أن تعلن الحرب على الجيش ؟؟! مما أعطى مؤشراً قوياً بوجود تحالف قوي بين جهة مسلحة وبين الأحزاب اليسارية ، وكانت هذه الجهة هي الدعم السريع ! والذي بدوره إن تم حله ودمجه في الجيش فسيخسر الكثير والكثير من الامتيازات والسرقات.

وفعلا نفذ العلمانيون وعدهم ، فما إن تعثر التوقيع النهائي على الاتفاق وتعثر الوصول إلى حل لمشكلة دمج الدعم السريع في الجيش ، حتى اندلعت شرارة الحرب .. قام الدعم السريع يوم الأربعاء الموافق 12 أبريل بتحريك قواته لمحاصرة قاعدة ( مروي ) الجوية شمال البلاد ورفض التراجع عن هذه الخطوة رغم تحذيرات الجيش ، خرج الناطق الرسمي للجيش معلنا مدة 48 ساعة كمهلة أقصى لانسحاب هذه القوات من ( مروي ) تجنباً لتطور الأمر إلى حرب ، لكن الدعم السريع رفض الانسحاب ، بل عزز مواقعه العسكرية بمزيد من الجنود والعتاد !

صبيحة يوم السبت 15 أبريل نفذ العلمانيون وعدهم وانطلقت أول رصاصة بـ ( المنطقة الرياضية) جنوب الخرطوم وفيها أحد معسكرات الدعم السريع ، ثم تفاقم الأمر وعلت اصوات الرصاص كل مكان وحاول الدعم السريع السيطرة على مقر قيادة الجيش لكن الأمر باء بالفشل بعد تدخل الطيران ومن حينها تم إعلان الدعم السريع ميليشيات متمردة ! قام الطيران بقصف جميع معسكرات الدعم السريع بشراسة مما قضى على كثير من جنود الدعم السريع ، اضافة الى اعلان جميع معسكرات الدعم السريع في البلاد انحيازها للجيش عدا المعسكرات الموجودة في دارفور والتي كانت بدرجة كبيرة حاضنة للدعم السريع..

لم يجد الدعم السريع مأوى لجنوده بعد أن فقد معسكراته في الخرطوم ، فاحتل منازل المواطنين وسرق ممتلكاتهم وقام بتهجير ما لا يقل عن 5 ملايين شخص من الخرطوم ، كما قاموا باغتصاب النساء والضرب المبرح للرجال وأحياناً يصل الأمر إلى القتل .. لقد كشفت هذه الحرب وجها قبيحا للميليشيات لم يكن أحد يتوقعه أبدا ! ورغم كل الانتهاكات والابادات العرقية التي مارسها الدعم السريع ضد المكن الافريقي في دارفور لم يحرك ذلك في العلمانيين شعرة ، بل رفضوا حتى إدانة الدعم السريع في جرائمه الا بعد أن أصبحت جرائم الدعم السريع لا يغطيها ذيل ولا يسترها ليل !

GAhDcgpWoAE58gs

بعد تمدد الدعم السريع في الأحياء السكنية وانتهاكاته المستمرة واستعانته بأجانب من مختلف الجنسيات قام الجيش بإعادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى الخدمة ليكون لاعبا أساسياً في الحرب ، إضافة إلى فتح معسكرات التجنيد للمواطنين في كافة أنحاء البلاد ، وقد استجاب المواطنون لنداء الجيش وتدربوا على أنواع السلاح المختلفة ، وتجاوز عدد المنتسبين إلى معسكرات التدريب الطوعية إلى أكثر من 100 ألف مقاتل من المواطنين! ولا يزال العدد في ازدياد.. كان يمكن للحرب أن تنتهي في مدة لا تتجاوز الشهر لولا الدعم الاستخباراتي والعسكري والسياسي الذي يتلقاه الدعم السريع من بعض الدول الشقيقة للأسف ! قامت المملكة العربية السعودية الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية بجهد مقدر لإيقاف الحرب وعودة السلام إلى السودان وذلك عبر منبر جدة لكن المفاوضات فشلت عدة مرات بسبب رفض الدعم السريع الخروج من بيوت المواطنين..

تعلم السودانيون دروسا وعبرا مهمة من هذه الحرب وأهمها :

1- كذب العلمانيين وخداعهم وأن العلمانية ليست إلا شعارات الفسوق والفجور ولا تملك حلولا حقيقية لمشاكل السودان .

2- خطر القبلية والجهوية وأثرها في مثل هذه الفتن.

3- هوان الدنيا وسرعة ذهابها ، حيث فقد أغلب مواطني العاصمة ممتلكاتهم في أشهر معدودة..

4- ضرورة اليقظة وعدم التعجل في التغيير الذي يؤدي أحيانا إلى كوارث لا يحمد عقباها.

ختاما :

س/ ما الذي يجري الآن بعد قرابة 8 أشهر من الحرب ؟

يسيطر الجيش السوداني على معظم أنحاء البلاد ، بينما يسيطر الدعم السريع على الجزء الأكبر من دارفور وبعض الأجزاء في العاصمة الخرطوم ، وبالعموم هذه الحرب طويلة ولن تنتهي قريبا الا أن يشاء الله والله المستعان!

س/ ما هي الأوضاع في دارفور ؟

تعتبر دارفور نقطة تماس بين المكون العربي والمكون الإفريقي ، مما يجعلها بؤرة اشتعال إذا لم يتدارك السودانيون الأمر ونبذوا العرقية والجهوية وتمسكوا بما يجمعهم وهو دينهم العظيم .. انتهى .

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا