كيف يؤثر تحول الدول الأوروبية نحو النظام السوري على اللاجئين؟

1000110130

أثارت التحركات التي اتخذتها الدول الأوروبية لإعادة تقييم سياساتها تجاه النظام السوري مخاوف من التأثيرات المحتملة على اللاجئين السوريين.

ورغم أن هذه التحركات تبدو ذات طابع سياسي، فإنها قد تكون مرتبطة أيضاً بوقف تدفق اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية.

وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز، كتب وزراء خارجية النمسا وكرواتيا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وإيطاليا وسلوفاكيا وسلوفينيا رسالة إلى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وحثوا الاتحاد على إعادة تقييم نهجه تجاه سوريا.

وجاء في الرسالة: “هدفنا هو اتباع سياسة أكثر نشاطا وموجهة نحو النتائج وعملية في سوريا، وهو ما من شأنه أن يسمح لنا بزيادة نفوذنا السياسي وفعالية مساعداتنا الإنسانية”.

اللاجئون: الهدف الأساسي

الارتباط بين هذه الرسالة وقضية اللاجئين، وليس فقط الجانب السياسي، واضح من خلال تصرفات الاتحاد الأوروبي نفسه في هذه المسألة والخطوات التي اتخذها.

ويقول المحامي المعتصم الكيلاني المقيم في فرنسا لعنب بلدي إن كل دولة على حدة تستطيع أن تفرض قيوداً على اللاجئين التابعين لها.

في المقابل، بحسب الكيلاني، هناك نظام قانوني يحكم عملية اللجوء في الاتحاد، فضلاً عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظم الاتفاقيات وتلاحق الدول التي ترتكب انتهاكات.

والضغط هو جزء من تغيير هذه الاتفاقيات والقوانين على مستوى النقابات، ثم تنفيذها في القوانين المحلية.وكانت المملكة المتحدة قد أقرت في وقت سابق قانونا لترحيل اللاجئين إلى رواندا، رفضته المحكمة العليا، ليمرر بعد ذلك عبر تشريع البرلمان، قبل أن ترفضه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ويرى الكيلاني أن التدخل والضغط الكبير الذي تمارسه عدة دول أوروبية يأتي في سياقين: الأول الضغط على اللاجئين من خلال تصوير سوريا بأنها آمنة، والثاني تطبيع النظام وإغلاق الملف السوري.

وإلى جانب المملكة المتحدة، التي ألغت حكومتها الجديدة قانون رواندا في نهاية ذو الحجة (أوائل يوليو)، وقعت إيطاليا اتفاقية مماثلة مع ألبانيا، وافق عليها البرلمان الألباني في شعبان (فبراير) الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، أغلقت فنلندا حدودها مع روسيا بشكل كامل لمنع وصول المهاجرين.

تطبيع النظام

أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وصول 4976 مهاجراً ولاجئاً إلى إيطاليا في شوال (مايو) الماضي.

وفي تقرير نشر في 4 محرم (10 يوليو)، ذكرت المنظمة أن الوافدين وصلوا عن طريق البحر، 22% من بنغلاديش، و15% من تونس، و13% من سوريا، مضيفة أن 19% منهم أطفال.

وبينما وصل هذا العدد إلى إيطاليا، كانت إيطاليا تستعد لتعيين سفير لها في دمشق، وهو ما أعلنت عنه في 20 محرم (26 يوليو) الماضي.

وكان تعيين سفير في دمشق يهدف إلى “تسليط الضوء” على البلاد، بحسب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، ما جعل إيطاليا الأولى بين دول مجموعة السبع التي تعيد فتح سفارتها في دمشق منذ ربيع الثاني 1432ه‍ـ (مارس2011م).

وتأتي هذه التحركات لتصوير سوريا كـ”بلد آمن” للعودة، على الرغم من كل الإحصائيات والأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.

وبحسب الكيلاني فإن تحركات الدول الأوروبية تأتي في إطار “التعافي المبكر”، في حين يسعى اليمين المتطرف في هذه الدول إلى تصوير سوريا بأنها آمنة للضغط على اللاجئين وعدم استقبالهم.

يعرّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ” التعافي المبكر” بأنه نهج يعالج احتياجات التعافي الناشئة أثناء مرحلة الاستجابة الإنسانية باستخدام آليات إنسانية متوافقة مع مبادئ التنمية. ويسمح هذا النهج للناس بالاستفادة من الإجراءات الإنسانية لاغتنام الفرص التنموية وبناء القدرة على الصمود وإنشاء عملية تعافي مستدامة من الأزمة.

ويرى الكيلاني أن الدول التي تطالب بإعادة تقييم العلاقات مع النظام السوري، والتي ينتمي نصفها إلى الاتحاد السوفييتي السابق، لا تمتلك في أغلبها قوة القرار السياسي أو المالي.

وأوضح أن هناك دولاً يمكن لتحركاتها الجدية أن تؤثر على قضية اللاجئين والتطبيع مع النظام، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والسويد.

وسبق لهذه الدول أن رفعت شعار “اللاءات الثلاث” (لا تطبيع، لا إعادة إعمار، لا رفع للعقوبات قبل الوصول إلى حل سياسي)، وطالما أن هذا الشعار موجود فإن الأمر لن يتجه نحو القبول من دول الاتحاد، بحسب الكيلاني.

ولا يزال الاتحاد الأوروبي متمسكاً بموقفه بمقاطعة النظام السوري بسبب الانتهاكات التي ارتكبها خلال قمع الاحتجاجات السورية على مدى 13 عاماً من الثورة السورية.

في 1 ذو الحجة (28 مايو) الماضي، مدد الاتحاد الأوروبي العقوبات الأوروبية على النظام السوري حتى محرم 1447ه‍ـ (يونيو 2025م).

وبحسب بيان للاتحاد نشر على موقعه الرسمي، مدد المجلس الأوروبي الإجراءات التقييدية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النظام بسبب خطورة الوضع المتدهور في سوريا، مع إزالة خمسة أفراد متوفين وشخص آخر من القائمة.

منذ عام 1432ه‍ـ (2011م)، فرض الاتحاد الأوروبي عقوباته على سوريا، مستهدفاً في البداية 291 شخصاً بتجميد الأصول وحظر السفر، إلى جانب 70 كياناً تم تجميد أصولها المالية، رداً على حملة النظام السوري على المعارضة الشعبية التي تطالب بالانتقال السياسي في سوريا.

هل سوريا آمنة؟

ومن بين الأسئلة الرئيسية المتعلقة بدفع اللاجئين السوريين وإجبارهم، سواء في أوروبا أو الدول المجاورة، على العودة إلى وطنهم، هو ما إذا كانت سوريا بلدا آمنا أم لا.

وفي 3 محرم (9 يوليو)، وثق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال لاجئ سوري عاد قسراً من لبنان مع مجموعة من اللاجئين.

تم اقتياد الشاب أحمد نمر الحلي إلى فرع فلسطين أو الفرع 235 التابع لشعبة المخابرات العسكرية.وفي 19 ذو القعدة (27 مايو)، أكدت منظمة العفو الدولية أن منظمات حقوق الإنسان تتفق بالإجماع على عدم وجود مكان آمن في سوريا يمكن للاجئين العودة إليه.

وفي شعبان (فبراير) الماضي، أشار مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن العديد من السوريين الذين فروا من الحرب يواجهون انتهاكات وتجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا.

وذكر تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الانتهاكات والتجاوزات الموثقة ارتكبتها الحكومة والسلطات الفعلية وجماعات مسلحة أخرى في مختلف أنحاء سوريا.

وتشمل الانتهاكات المذكورة في التقرير الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاختفاء القسري، والاختطاف.كما واجه الناس الابتزاز ومصادرة الممتلكات والحرمان من بطاقات الهوية وغيرها من الوثائق، في حين يواجه السكان السوريون بشكل عام مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، ويبدو العائدون أكثر عرضة للخطر.

وإضافة إلى تحذيرات منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، نقلت صحيفة الشرق الأوسط مطلع ذو الحجة (يونيو) عن مصدر برلماني لبناني أن نحو 1100 سوري عادوا طوعاً إلى بلداتهم أعيدوا إلى لبنان بقرار رسمي من النظام، ولم يُقبل سوى 400 منهم للعودة.

ولفت المصدر إلى أن النظام يصنف معظم النازحين على أنهم غير مرغوب بهم ويشكلون تهديداً أمنياً وديمغرافياً لبقائه.

Enab Baladi

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا