كيف بدأت ثورة بارين على يد الأويغور؟

1000165425

في الخامس من أبريل من كل عام، تحتفل الجالية الأويغورية في الخارج بذكرى محاولة الانتفاضة التي قمعتها السلطات الصينية بدموية في عام 1410هـ (1990م).

بالنظر إلى الظروف التي أدت إلى هذه الثورة، يجب أن نتذكر أنه بعد وفاة ماو تسي تونغ ونهاية الثورة الثقافية، وخاصة بعد الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي، ظهرت بعض التغييرات السياسية والاجتماعية في الصين. في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في تركستان الشرقية، تم إطلاق سراح العديد من المثقفين وعلماء الدين والكوادر الإدارية والأفراد الأثرياء وقادة المجتمع – الذين تم اعتقالهم بتهم باطلة مختلفة خلال ما يسمى بالثورة الثقافية – من السجون، وتم استعادة سمعتهم ومناصبهم. أعيد النص الأويغور التقليدي. تم إحراز تقدم كبير في التعليم والأدب والفنون والنشر والشؤون الدينية. مع استعادة اللغة والنص الأويغوريين، بدأت الأعمال الأدبية والمقالات العلمية الأويغورية الكلاسيكية التي لا تقدر بثمن في النشر واحدة تلو الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، نُشرت كتب مثل “آثار” و”الأرض المستيقظة” لعبد الرحيم أوتكور، و” الأويغور ” لتورغون ألماس، و”تاريخ الهون” و”الأدب الأويغوري القديم”، بالإضافة إلى “سجلات خانات بوغرا” التي حررها عالم الآثار والمؤرخ قربان ولي، مما كان بمثابة حافز لتعزيز الوعي التاريخي والهوية الوطنية للأويغور.

تم ترميم أو إعادة بناء المساجد في مختلف المدن والقرى التي هُدمت أو حُولت إلى حظائر خنازير خلال الثورة الثقافية، وسُمح بالتعليم الديني هناك مرة أخرى. ومن بين هذه المساجد، أنتج أكبر مسجد في مقاطعة كارجيليك، حيث عمل العالم الديني الشهير عبد الحكيم مخدوم خطيبًا، وحده آلاف المعلمين الدينيين، مما ساهم في إحياء الروح الدينية والوطنية للأويغور.

تجلّت هذه النهضة في ظهور ثورة بارين. وكان قائدها البطل زيدين يوسف أحد الذين تأثروا بهذه الصحوة.

بعد سنوات من التحضير الدقيق، أسس زيدين يوسف في 1409هـ (نوفمبر 1989م) مع رفاقه “حزب تركستان الشرقية الإسلامي” في قرية بارين، مما أوجد الأساس المادي والروحي لحركة حزبية مسلحة ضد النظام الاستعماري الصيني في تركستان الشرقية. ووفقًا لخطة الحركة، تجمع الثوار من مختلف أنحاء تركستان الشرقية في قرية بارين في 26 رمضان 1410هـ (22 أبريل 1990م). وكان هدفهم الأولي هو مهاجمة مركز الشرطة ووحدة الدرك في مقاطعة أكتو والاستيلاء على الأسلحة ثم السير إلى كاشغر لاحتلال مكتب الحاكم ومؤسسات الحزب، وإعلان “الجمهورية الثالثة”.

وفي الوقت نفسه، كانوا يهدفون إلى إشعال ثورة في جميع أنحاء تركستان الشرقية. ومع ذلك، بسبب خيانة رحيم دانش ملا الخائن والمنافق، تم الكشف عن هذه الخطة، مما أجبر الثورة على البدء قبل 17 يومًا من الموعد المقصود، في 5 أبريل، في قرية بارين.

وفقًا لعبد الحميد أويغور، وهو ناشط سياسي يعيش الآن في تركيا أمضى أكثر من عشرين عامًا في السجون الصينية وتحدث مع أبطال بارين، سافر زعيم ثورة بارين، البالغ من العمر 26 عامًا، زيدين يوسف، إلى مدن وقرى مختلفة في تركستان الشرقية لتقييم الوضع. تواصل مع أفراد ذوي توجهات مماثلة، ونظمهم، وقدم لهم تدريبًا عسكريًا. علمهم كيفية صنع القنابل اليدوية والأجهزة المتفجرة باستخدام أساليب بسيطة، بالإضافة إلى تقنيات التفجير. كما دربهم على الرماية بالبنادق والمبارزة، وأعدهم جيدًا للانتفاضة.

تم تجهيز أكثر من 700 مقاتل متطوع بـ 17 سلاحًا ناريًا كبيرًا وصغيرًا ومسدسًا، و64 قنبلة محلية الصنع، و150 سيفًا وسكينًا وفأسًا، وأكثر من 20 حصانًا قويًا. في ذلك الوقت، كانت مواجهة الصين – إحدى أكثر دول العالم تسليحًا وتكنولوجيا عسكرية متقدمة – بهذه الموارد المحدودة تبدو أمرًا لا يمكن تصوره. ومع ذلك، بالنسبة لثوار بارين، الذين أدركوا أن الحرية لا يمكن تأمينها إلا من خلال التضحية، فقد كان هذا الأمر منطقيا تماما.

BITTER WINTER 1 10

جنود صينيون برفقة فلاحين أويغور مُعتقلين عقب الانتفاضة.

في الخامس من أبريل/نيسان، بعد أداء صلاة الفجر، أخفى أكثر من 200 أويغور أسلحتهم المختلفة وقنابلهم اليدوية، وساروا إلى أمام مكتب حكومة القرية. وعندما خرج المسؤولون الحكوميون للاستفسار عن مطالبهم، قدم الثوار المطالب الخمسة التالية:

  1. إلغاء سياسة تحديد النسل المفروضة.
  2. وقف موجات الهجرة الصينية.
  3. إعادة المستوطنين الصينيين الذين جُلبوا من داخل الصين إلى مناطقهم الأصلية.
  4. تمكين تركستان الشرقية من استثمار مواردها الطبيعية بدلًا من نهبها لصالح المقاطعات الصينية.
  5. إنهاء العمل القسري والسُّخرة المعروفة بـ”الحشر-ألوانغ”.

بحجة التفاوض، قام مسؤولو القرية بإبلاغ السلطات العليا بالموقف. ولم تمضِ فترة وجيزة حتى طوّقت قوات مسلّحة قرية بارين، وبدأت بإطلاق النار على الثوّار. كانت المواجهات عنيفة وطويلة الأمد، وقد أبدى الثوّار مقاومة باسلة مستخدمين أسلحتهم البسيطة، بعدما أعدّوا عدّتهم جيدًا سلفًا، فتصدّوا للهجوم وانتزعوا عددًا من الأسلحة من الجنود الصينيين.

صعد القائد زيدين يوسف إلى برج المياه ليستهدف الجنود الصينيين الذين كانوا يطلقون النار على الثوّار. وبينما كان يقترب من البرج حاملاً المتفجرات بهدف تدميره، باغته أحد الجنود الصينيين برصاصة في ساقه من كمين خفي. ورغم النزيف الحاد وسحبه لساقه المصابة، واصل زيدين يوسف تقدّمه نحو البرج، حتى استُشهد -كما نحسبه- على يد الجنود الصينيين بطريقة وحشية.

تولّى نائبه عبدالغني تورسون، الذي كان يشغل أيضًا منصب مساعد المسؤول المالي للحركة، قيادة الثوّار، قائلاً: “إنْ قاتلنا بهذه الطريقة، سنُباد جميعًا.” فقادهم في معركة ضارية ضد الجنود الصينيين، ثم انسحب بهم إلى الجبال. وهناك، خاضوا قتالًا مستمرًا مع القوات الصينية طيلة سبعة أيام بلياليها.

المقاتل محمد تورسون، وهو من قدامى المحاربين، أبدى بسالة نادرة في هذه المعركة، فتمكّن من قتل عدد كبير من الجنود الصينيين. ولإسكات صوته، عمدت الحكومة الصينية إلى رشوة أحد الصيّادين من القيرغيز، وأرسلته خفية إلى الجبال لاغتيال محمد تورسون. فخان الأمانة وأطلق عليه النار من الخلف، ما أدّى إلى استشهاده -كما نحسبه-. وبعد أيام قليلة، أفادت الروايات بأن هذا الخائن القيرغيزي قد أصيب بالجنون.

لقد أرّقت هذه الثورة، التي قادها زيدين يوسف، مضاجع جلّادي الحكومة الصينية، وفي مقدّمتهم دنغ شياو بينغ، وجيانغ زيمين، ولي بينغ. إذ دبّ الرعب في قلوبهم من احتمال امتداد ثورة بارين إلى سائر مدن وقرى تركستان الشرقية، فسارعوا إلى استخدام أحدث المعدات العسكرية لقمعها في مهدها. وقد بدأت هذه الثورة في الخامس من أبريل عام 1990، واستمرت لسبعة أيام بلياليها، حتى أُخمدت بوحشية حين طوّقت القوات الصينية القرية بأكملها، واقتحمت البيوت بيتًا تلو الآخر، وارتكبت مجازر مروّعة بحقّ السكّان.

وقد كشف أحد الجنود الصينيين الذين شاركوا في قمع ثورة بارين، بعد فراره إلى الولايات المتحدة، في مقابلة مع إذاعة آسيا الحرة، عن مشاهداته المروّعة أثناء العملية العسكرية. ووفقًا لشهادته، فقد تم اعتقال وقتل جميع سكان قرية بارين دون استثناء، سواء شاركوا في الثورة أم لم يشاركوا. إذ داهم الجنود الصينيون البيوت واحدًا تلو الآخر، وأطلقوا النار بوحشية على النساء الأبرياء وهنّ يرضعن أطفالهن، بل لم ينجُ حتى الرضّع من بطشهم.

لقد لقيت الجرائم الدموية التي ارتكبتها الحكومة الصينية في بارين إدانات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. ففي عام 1999، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا خاصًا من 92 صفحة بشأن حقوق الإنسان لدى الأويغور، دعت فيه الحكومة الصينية إلى تحمّل مسؤوليتها عن الانتهاكات التي اقترفتها خلال قمع “ثورة بارين”، وطالبتها بوقف فوري للانتهاكات الواسعة النطاق وللاضطهاد الممنهج بحق الشعب الأويغوري.

لقد أعلنت ثورة بارين للعالم أجمع أن الأويغور أمة لا تلين، وأبطال لا يُقهرون، وأن تركستان الشرقية ليست أرضًا صينية. كانت ثورة فاصلة في مسار التاريخ، جسّدت الروح التحررية لشعب الأويغور وتوقه العميق إلى الاستقلال. ورغم أنها انتهت بالقمع، إلا أنها حرّكت الإعلام العالمي، وأعادت القضية الأويغورية إلى واجهة الاهتمام الدولي، ورفعت من مستوى الوعي العالمي بها. وتناولت وسائل الإعلام والتحليلات السياسية في عدد من الدول صمود الأويغور وتشبّثهم بأمل الحرية وإيمانهم الراسخ بالاستقلال، كما استعرضت بعض التفاصيل التاريخية حول إعلان الأويغور استقلالهم في القرن العشرين، وتأسيسهم جمهوريتين مستقلتين في تركستان الشرقية.

وإنه لواجب أخلاقي لا حياد عنه أن نواصل الكفاح حتى النهاية، من أجل التحرر من قبضة الاستعمار الصيني الغاشم.

Bitter Winter.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا