كان يعتقد أنه هرب من براثن بكين ليختفي مرة أخرى في الصين..
كان وصول ضباط الشرطة الكمبودية من المفترض أن يجلب بعض الراحة لعبد الرقيب رحمن، الشاب الأويغوري الذي كان محتجزًا داخل مجمع عالي الأسوار ومحاط بأسلاك شائكة لمدة عشرة أسابيع. هناك، كان يعمل مع آخرين تعرضوا للاتجار البشري، وأجبروا، غالبًا تحت وطأة الضرب، على تنفيذ عمليات احتيال عبر الإنترنت.
لكن عبد الرقيب أصبح يزداد توترًا مع اقتراب عملية الإنقاذ، حيث كان متوجسًا من السلطات الكمبودية. فقد سمع أن الضباط جاءوا لنقله إلى العاصمة بنوم بنه، ومن ثم إلى سلطات الهجرة التي سترحّله إلى وطنه، الصين، حيث ستكون العواقب “لا تُتصور”، كما وصفها.
حاول رحمن التزام الهدوء. وذكّر نفسه بتطمينات مسؤولي الأمم المتحدة بأنه سيكون محميًا. وكان يأمل في النهاية أن يحصل على حق اللجوء في الولايات المتحدة.
“كل شيء على ما يرام”، هكذا طمأنه أحد مسؤولي الأمم المتحدة عبر رسائل سرية تبادلها معه على تطبيق “سيغنال” أثناء وجوده في مجمع الاحتيال. وأضاف: “الأمم المتحدة وشركاء آخرون يتابعون قضيتك ويطالبون بحمايتك دوليًا.”
أخبر عبد الرقيب، البالغ من العمر 23 عامًا، المسؤولين والنشطاء بأنه عمل في النظام العقابي الواسع والوحشي الذي أنشأته الصين في منطقة تركستان الشرقية لقمع السكان المسلمين من الأويغور، قبل أن يُعتقل بعد تركه وظيفته. وبعد فراره من الصين، أوضح أن حساباته على تطبيق “وي شات” وحساباته المصرفية جُمّدت. كما أبلغت السلطات في تركستان الشرقية عائلته بأنها تبحث عنه.
وكشفت تحقيقات صحيفة “واشنطن بوست” أنه بعد إخراجه من المجمع في 13 يناير، احتُجز عبد الرقيب لدى السلطات الكمبودية قبل أن يُعاد إلى الصين. ومنذ 30 يناير لم يسمع عنه أحد.
إعادة عبد الرقيب القسرية والسرية إلى الصين تمثل مثالًا مرعبًا على الكيفية التي تمارس بها الصين نفوذها المتزايد خارج إطار القانون خارج حدودها، ليس فقط على دول جنوب شرق آسيا ككمبوديا، بل أيضًا على الهيئات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، التي أُنشئت أنظمتها لحماية الفئات الأكثر ضعفًا في العالم. وتصرح الولايات المتحدة بأن هناك إبادة جماعية مستمرة ضد السكان المسلمين من الأويغور، وفي عام 1444هـ (2022م) أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى احتمال تورط الصين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق هذه الأقلية.
طوال سنوات، طالبت الصين بعودة الأويغور الذين فروا إلى بلدان أخرى مثل تايلاند ومصر وباكستان. ومنذ تصاعد الحملة القمعية ضد الأقلية المسلمة عام 1438هـ (2017م)، تم ترحيل مئات الأويغور قسرًا خارج نطاق القانون، خاصة من آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، وفقًا لنشطاء أويغور وتقارير حقوقية، أو ظلوا محتجزين إلى أجل غير مسمى في تلك المناطق.
هذه جميعها أماكن تتمتع فيها بكين بنفوذ اقتصادي كبير، حيث لا يكون التصدي لمطالب الصين أمرًا ملائمًا سياسيًا في كثير من الأحيان، وفقًا لما أفادت به جماعات رقابية. وتُنفذ عمليات الترحيل هذه في الغالب بعيدًا عن الأضواء، وغالبًا ما تتجاوز الاتفاقيات الرسمية لتسليم المطلوبين، بحسب تحقيقات صحيفة “واشنطن بوست”.
في أحيان كثيرة، بدت الأمم المتحدة عاجزة أو غير قادرة على التدخل. وقال نشطاء أويغور ومنقذون يساعدون ضحايا الاتجار بالبشر أن وكالات الأمم المتحدة لا تتصدى بشكل كافٍ لبكين والحكومات التي تجبرها الصين على تنفيذ مطالبها. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وهي جزء من منظومة الأمم المتحدة وتدير برامج للمهاجرين، بما في ذلك اللاجئون، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، رفضتا التدخل في قضايا لجوء أويغورية تشمل أكثر من عشرين شخصًا، من بينهم لاجئون في تايلاند والسودان والهند وكمبوديا، بالإضافة إلى قضية عبد الرقيب.
هذا الوضع ترك الأفراد والعائلات الباحثة عن اللجوء عالقة في مراكز الاحتجاز لسنوات أو تُرحّل قسرًا إلى الصين دون مراعاة الإجراءات القانونية، كما حدث مع عبد الرقيب.
وقال عمر كانات، المدير التنفيذي لمشروع حقوق الإنسان للأويغور وأحد مؤسسي مؤتمر الأويغور العالمي: “لقد شلت الحكومة الصينية أنظمة الأمم المتحدة. إن مهمة الأمم المتحدة هي حماية اللاجئين، لكنهم أُعيدوا قسرًا رغم جميع الضمانات التي قدمتها المفوضية وغيرها من الوكالات.”
ورفضت المنظمة الدولية للهجرة توفير أي شخص لإجراء مقابلة حول قضية عبد الرقيب أو عملياتها المتعلقة بالأويغور أو ضحايا الاتجار في كمبوديا. وردًا على قائمة واسعة من الأسئلة من صحيفة “واشنطن بوست”، قالت متحدثة باسم المنظمة إن “IOM غير قادرة على التعليق على القضايا الفردية لأسباب تتعلق بالسرية.”
قال عبد الرقيب إنه وضع نفسه في أيدي مهربي البشر للخروج من الصين، معتقدًا أن هذه هي طريقتُه الوحيدة للهرب. سافر من مسقط رأسه في كوجة في تركستان الشرقية إلى قوانغشي في جنوب الصين، ثم إلى فيتنام ومن ثم عبر الحدود إلى كمبوديا – أي نحو 3,700 كيلومتر. لم يُعرف بالضبط مسار رحلته عبر فيتنام إلى كمبوديا، ولكن هذا المسار العام يُعتبر شائعًا بين مهربي البشر الصينيين الذين يزودون العصابات الإجرامية العاملة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت في كمبوديا بالعمالة.
ويقدر تقرير الأمم المتحدة لعام 1444هـ (2023م) أن مئات الآلاف من الأشخاص يقبعون في مثل هذه المنشآت في أنحاء جنوب شرق آسيا، حيث يعملون على مدار الساعة أمام شاشات الكمبيوتر للاحتيال على الضحايا، بشكل متزايد من دول غربية، وسرقة مدخراتهم من خلال علاقات رومانسية وهمية ومخططات استثمارية زائفة.
وأعادت صحيفة “واشنطن بوست” بناء قضية عبد الرقيب من خلال ملاحظات صوتية ورسائل نصية مطولة أرسلها لأشخاص خارج المنشأة التي كان محتجزًا فيها في غرب كمبوديا. تضمنت تلك الملاحظات نشطاء أويغور، أحدهم أجرى معه مقابلة استمرت ساعة حول حياته في تركستان الشرقية، ومسؤولين من المنظمة الدولية للهجرة ومن مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
كما حصلت الصحيفة على وثائق من الشرطة الكمبودية وراجعتها، وأجرت مقابلات مع تسعة من موظفي الشرطة والهجرة الكمبوديين، بالإضافة إلى منقذين مستقلين وخبراء في الاتجار بالبشر. وقد تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرًا لحساسية الموضوع أو لعدم حصولهم على تصريح للتحدث علنًا. كما زار الصحفيون المنطقة التي احتُجز فيها عبد الرقيب وتحدثوا إلى السكان المحليين والمنقذين لفهم الظروف داخل المنشأة. وحسبما أفاد الأشخاص المطلعون على قضيتهم، فقد فر العديد من الأويغور المسلمين من تركستان الشرقية بطريقة مشابهة، مدركين أنهم سينتهون في منشآت الاحتيال، مما يبرز اليأس الشديد للخروج، بغض النظر عن وجهة الوصول.
لم تتمكن الصحيفة من الوصول إلى عبد الرقيب. لم تتمكن الصحيفة أيضًا من التحقق بشكل مستقل من بعض تفاصيل حياته في تركستان الشرقية بسبب القيود التي تفرضها بكين على الوصول إلى قضايا المحاكم والوثائق الرسمية من المنطقة، فضلاً عن المخاطر التي قد يتعرض لها أفراد عائلته وأصدقاؤه إذا تواصلت معهم وسيلة إعلام غربية.
وحينما كان ذلك ممكنًا، استخدمت الصحيفة صورًا عبر الأقمار الصناعية، وتقارير من الأمم المتحدة، وتقارير إخبارية، ومعلومات أخرى متاحة للجمهور لدعم رواية عبد الرقيب، بما في ذلك مواد قدمها جين بونين، مؤسس قاعدة بيانات ضحايا تركستان الشرقية، التي توثق الأشخاص المعتقلين في تركستان الشرقية والمنشآت التي يُحتجزون فيها، والمعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية (ASPI) الذي يدير مشروع بيانات حول اعتقال الأويغور وإعادة تأهيلهم وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
تُظهر سجلات الشرطة الصينية، التي تمت مشاركتها مع معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي وتم مراجعتها من قبل صحيفة “واشنطن بوست”، أن عبد الرقيب قد تم ترحيله إلى الصين من قبل السلطات الكمبودية. وتشير السجلات إلى أن الصين قالت إنه كان قيد التحقيق بتهمة الاحتيال، مدعية أنه خدع الناس وأخذ أموالهم قبل مغادرته إلى كمبوديا، وكذلك بتهمة عبور الحدود بشكل غير قانوني.
لم يردّ السفير الصيني في بنوم بنه على رسائل البريد الإلكتروني التي استفسرت عن مكان وجود عبد الرقيب، أو ما إذا كان قد وُجهت إليه تهم. كما لم ترد وزارتا الخارجية والأمن العام الصينيتين على الأسئلة التفصيلية بشأن قضية عبد الرقيب وبشأن الترحيل ومعاملة الأويغور بشكل عام. قال سوك سوميخيا، المتحدث باسم دائرة الهجرة العامة في كمبوديا، إنه لا يستطيع توفير معلومات عن عبد الرقيب أو تأكيد ترحيله لأن ذلك يعتبر “معلومة شخصية.”
قال أولئك الذين كانوا على تواصل مع عبد الرقيب إنه كان يتمنى بشدة بأن تُروى قصته على نطاق واسع. وهم يعتقدون أيضًا أن نشر قضيته علنًا سيساهم في دفع المسؤولين إلى تقديم الحساب داخل الوكالات التي يقولون إنها فشلت في حمايته.
قال عبدوولي أيوب، الكاتب والناشط الأويغوري المقيم في النرويج والذي كان على تواصل مستمر مع عبد الرقيب طوال فترة وجوده في كمبوديا: “قال لي [عبد الرقيب]، ‘غادرت [الصين] لأنني أردت أن أروي هذه القصة. أنا أعيش لأقول الحقيقة.’” وأضاف: “مهما كانت التكلفة التي يتطلبها قول الحقيقة، كان يريد أن يفعلها.” وأضاف: “نريد أن نخبر الحكومة الصينية: نحن نعرف من هو عبدالرقيب، ومهما فعلتم به، نحن نراقب.”
حكاية عبد الرقيب..
مدينة كوتشا، حيث وُلد عبد الرقيب، تعدّ من المناطق الجبلية الوعرة في منطقة تركستان الشرقية (شينجيانغ الأويغورية الذاتية الحكم)، كما تُعرف رسميًا. حتى وهو طفل، كان عبد الرقيب خاضعًا لقوانين تختلف عن تلك التي عاشها المواطنون من أصل هان. كان مضطراً للإقامة في المدرسة بمجرد أن بلغ سن الثانية عشرة، ولا يُسمح له بالعودة إلى منزله في عطلات نهاية الأسبوع إلا بإذن، كما ذكر في سيرته الذاتية المفصلة التي قدمها إلى أيوب في مقابلة هاتفية دامت ساعة كاملة.
انتقل رحمن إلى عاصمة تركستان الشرقية، أورومتشي، التي تبعد نحو 300 ميل، ليلتحق بالمدرسة الثانوية. كان “منكاهوان” — أي من الأقلية المتعلمة باللغة الصينية بدلاً من لغته الأم — وفي عام 1439هـ (2018م) حصل على مكان لدراسة الهندسة في إحدى الجامعات في هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ.
وفي الوقت الذي انتقل فيه عبد الرقيب إلى هانغتشو، كانت السلطات قد سرعت حملتها القمعية في تركستان الشرقية، حيث تم احتجاز الأويغور بأعداد هائلة — ويقدّر العلماء أن العدد في ذروته قد وصل إلى مليون شخص — وزُجّ بهم في معسكرات إعادة التعليم والسجون تحت شعار مكافحة الإرهاب، وفقًا لتقارير من منظمات حقوق الإنسان وحكومات غربية وغيرها.
قال عبد الرقيب إنه كان يعود إلى كوتشا خلال عطلاته الدراسية ليجد أفراد العائلة مفقودين، تم أخذهم من قبل السلطات دون تفسير، حسبما أفاد في المقابلة السيرية التي قدمها. وفي هذه الزيارات، كان أيضًا يخضع للمراقبة من قبل السلطات المحلية، حيث كان يُطلب منه تقرير أنشطته وإبلاغهم بتحركاته.
قال عبد الرقيب إنه عاد إلى تركستان الشرقية في عام 1440هـ (2019م) دون أن يتخرج، مشيرًا إلى أسباب عائلية غير محددة. وكان والده قد تم احتجازه منذ عام 1436هـ (2015م).
وعند وصوله إلى تركستان الشرقية، ذكر في المقابلة السيرية أنه تم مطالبتُه بالحصول على بطاقة هوية جديدة، وتقديم عينات من صوته، ومسح عينيه، وتسجيل سماته الجسدية المميزة. وتم إدخال هذه البيانات في قواعد بيانات تتيح لبكين تتبع تحركات الأويغور عبر التعرف على الوجه والتعرف على المتحدثين في المحادثات المراقَبة، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.
وبفضل مهاراته في الحاسوب أو إتقانه للغة الماندرين، قال عبد الرقيب إنه تم تكليفه بالعمل في فرع وزارة العدل في مقاطعة كوتشا. كانت مهامه في البداية إدارية فقط، تتمثل في أرشفة القضايا السجنية المتعلقة بسكان كوتشا. ولكن في 1443هـ (نهاية عام 2021م)، قال إنه تم نقله إلى مكتب الأمن العام في تركستان الشرقية (شينجيانغ)، الجهة المسؤولة عن تنفيذ الحملة القمعية، وأُرسل للعمل داخل مركز احتجاز في مدينة كوتشا.
قال عبد الرقيب إن وظيفته كانت مراقبة أنشطة المعتقلين، وفقًا للمقابلة السيرية. كان يراقبهم وهم يذهبون إلى النوم وعندما يستيقظون، وكانوا مطالبين بغناء أغانٍ وطنية صينية فور استيقاظهم من النوم. لاحظ عبد الرقيب أنهم كانوا يشاهدون الدعاية الصينية على شاشات تلفاز صغيرة في زنازينهم. وكان المعتقلون يُجبرون على كتابة أفكارهم حول النظام الصيني في دفتر يومي عدة مرات في اليوم.
أما أسوأ جزء، فقال إنه كان الاستجوابات.
“ينادون على اسم الشخص الذي يرغبون في استجوابه، ثم يضعون القيود في يديه ويأخذونه إلى الطابق السفلي. يطرحون عليه أسئلة من قبيل: ‘هل كنت مع فلان في هذا المكان في ذلك الوقت؟’ ‘هل قلت أو فعلت شيئًا كهذا؟’”
قال إن السجناء كان من المتوقع أن يعترفوا “بجرائمهم” – ومعظمها نشاطات دينية: الصلاة جماعة، دراسة الإسلام، قراءة القرآن أو تعليم القرآن لأبنائهم. وكانت هذه الأمور كافية لتصنيفهم “كمتطرفين”.
وأضاف أن الذين لم يعترفوا كانوا يُسجنون في زنزانات ضيقة ومظلمة، بالكاد يستطيعون الوقوف، أو كانوا يُجبرون على الجلوس في “كرسي النمر” — وهو جهاز يستخدم في أنحاء الصين لتقييد حركة المشتبه فيهم. كما كانت الطعام يُحرم منهم كعقاب، كما ذكر.
تتوافق روايات عبد الرقيب مع تقارير حقوق الإنسان المتعلقة بمعاملة الأويغور داخل المخيمات في تركستان الشرقية. وقال عبد الرقيب إنه استقال في 1443هـ (مارس 2022م)، مما أثار الشكوك لدى المسؤولين المحليين من الهان الصينيين. تم استجوابه بشكل متكرر، وظنّت السلطات أنه غير راضٍ عن تفسيره بأن حاجته للاعتناء بعائلته نظرًا لاستمرار احتجاز والده كان السبب في استقالته.
وفي نهاية المطاف، تم اتهامه بكونه “شخصًا ذو وجهين” — وهو مصطلح سياسي تستخدمه بكين لوصف الأويغور بأنهم خونة خطرين فكريًا. وقال إنه تم احتجازه، وتعرض للسجن لمدة عام وحُبس ثمانية أشهر في مقاطعة غوانغشي، حيث كان السجين الأويغوري الوحيد. واعتقد رحمن أنه كان يُحتجز بعيدًا عن سجناء الأويغور الآخرين حتى لا يتشارك معهم تجاربه.
وقال إنه قضى الأشهر الأربعة الأخيرة من حكمه في سجن أورومتشي في تركستان الشرقية.
وأضاف عبد الرقيب أنه عاش الحياة التي كان يراقبها سابقًا: غناء الأناشيد الوطنية الصينية، ومشاهدة حلقات دعاية لا تنتهي على التلفاز، وكتابة تأملاته اليومية في عظمة النظام الصيني.
تم الإفراج عن رحمان في 1445هـ (أغسطس 2023م)، وقال إنه بدأ على الفور في التحضير لفراره، خائفًا من أن يتم إعادة اعتقاله ويختفي داخل النظام العقابي، كما حدث مع والده.
وقال عبد الرقيب إنه كان يعلم أن خروجه من تركستان الشرقية سيتم تسجيله بسرعة، مما سيؤدي إلى إصدار إشعارات للسلطات في مختلف أنحاء البلاد. وللتغلب على المراقبة، أوضح أنه قام بتغيير معلومات هويته الرقمية المخزنة على هاتفه وادعى أنه طالب.
بحلول 1445هـ (أوائل نوفمبر من العام الماضي 2023م)، كان عبد الرقيب في ثمى دا، بالقرب من حدود كمبوديا مع تايلاند، داخل مجمع مكون من ثلاث طوابق مطلية بلون أصفر باهت تتقشر دهاناته من الخارج وتغطي نوافذه قضبان حديدية. ويقول المنقذون إن الرحلة من غوانغشي إلى هذه المنطقة من كمبوديا كانت قد تستغرق ما يصل إلى خمسة أيام.
لكنّه استبدل شكلاً من أشكال السجن بآخر. كان يقضي أيامه منحنياً أمام شاشة الكمبيوتر، ويستخدم النوافذ الصغيرة ليلاً عندما يُسمح له باستخدام هاتفه للتواصل مع الأشخاص الذين يعتقد أنهم قد يساعدونه. وبما أنه لم يتعلم اللغة الإنجليزية، استخدم تطبيق الترجمة للتواصل مع مسؤولي الأمم المتحدة.
تُظهر وثائق الشرطة الكمبودية التي حصل عليها “واشنطن بوست” وملفات تسجيل الأعمال أن مالك مجمع ثمى دا هو شركة MDS Heng He للاستثمار المحدودة. وتكشف الوثائق أن الشركة تأسست من خلال مشروع مشترك بين شركة كمبودية يسيطر عليها “تري فايب” — وهو طاغية كمبودي خاضع لعقوبات أمريكية ومستشار لرئيس الوزراء الكمبودي السابق، هون سن — وشركة صينية تأسست في كمبوديا عام 1439هـ (2018م). يقول الباحثون والمسؤولون إن هذا الترتيب يعد نموذجياً لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنخبة السياسية الكمبودية، وتُقدّر عائداتها السنوية بما يتجاوز 12.5 مليار دولار أمريكي، وفقًا لمعهد السلام الأمريكي.
وقالت إيرين ويست، المدعية العامة في ولاية كاليفورنيا المتخصصة في الجرائم الإلكترونية، خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي في سبتمبر: “يمكن اعتبار صناعة الاحتيال عبر الإنترنت في كمبوديا بمثابة مؤسسة إجرامية تابعة للدولة، حيث يملك المجمعات أعضاء في مجلس الشيوخ، والمحافظين، وأعضاء الحكومة، ومستشاري وأفراد عائلات رئيس الوزراء”.
ووفقًا لزيارة حديثة أجرتها “واشنطن بوست” إلى ثمى دا، فقد اكتشفت أن المجمعات مثل التي كان محتجزًا فيها عبد الرقيب في توسع مستمر على موقع مخصص تبلغ مساحته 5,700 فدان. وكان قد تمت الموافقة على المنطقة من قبل الحكومة الكمبودية كمنطقة اقتصادية خاصة، حيث ادعى مطورو المشروع أنها ستكون مقرًا للمناطق الترفيهية والسياحية، وفقًا لصفحة وي شات الخاصة بالموقع.
بحلول أواخر ديسمبر، وُضع عبد الرقيب تحت قوانين أكثر صرامة. طلب مغادرة المجمع، لكنه لم يكن قادراً على دفع المبلغ الذي قال مشرفوه إنه مدين به بسبب تهريبه خارج الصين. بدأ مشرفوه من الصينيين الهان يشكون في أنه كان على اتصال بالسلطات ونشطاء الأويغور في الخارج.
استمر أحدهم في استجوابه مراراً حول كيفية وصوله إلى هناك، وهو الأويغوري الوحيد الذي شاهده في المجمع طوال سنوات.
“منذ يومين مضيا، أي منذ يومين بالضبط. في هذين اليومين، كانت عيون هذا الشخص مركزة عليّ وعلى شخصي فقط.”
كان أيوب في ذلك الحين على اتصال بكل وكالة يعتقد أنها قد تساعد عبد الرقيب: وزارة الخارجية الأمريكية، مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، المنظمة الدولية للهجرة، ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقد تلقى أيوب بدوره مساعدات من المنظمة الدولية للهجرة عندما هرب إلى تركيا مع أسرته في عام 1436هـ (2015م)، وساعدته الوكالة في الوصول إلى النرويج، حيث يعيش الآن. جمع كل المعلومات التي تمكن من الحصول عليها عن عبد الرقيب ومررها إلى جهات اتصال في وزارة الخارجية التي وعدت بتيسير الفحص المطلوب الذي قد يساعد عبد الرقيب في الوصول إلى الولايات المتحدة.
وكان مسؤول مكافحة الاتجار بالبشر التابع للمنظمة الدولية للهجرة في بنوم بنه على تواصل مباشر مع عبد الرقيب، وفقًا لصور الرسائل، كما كان رئيس مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في كمبوديا على اتصال معه أيضًا.
كان أيوب يعمل من خلال هذه القنوات عندما تلقى رسالة عاجلة من عبد الرقيب: حيث قال إنه يعتقد أنه على وشك أن يُباع إلى مركب آخر في المنطقة.
قال أيوب: “عندئذٍ اتخذت [الأمم المتحدة] إجراءات عاجلة. [قالت المنظمة الدولية للهجرة] لي: ‘نحن سوف نخلصه.’ وطلب مني المسؤول أن أكون مستعداً.”
حثَّ أيوب عبد الرقيب على أن يثق في أن المنظمة الدولية للهجرة ستوفر له الحماية، وأوصاه بالاستماع إلى أولئك الذين جاءوا من أجله. أخبره أحد المسؤولين في المنظمة الدولية للهجرة أنه سيتم نقله إلى ملاذ آمن بمجرد تأمين إطلاق سراحه، وفقاً للنصوص الواردة.
في صباح 13 يناير، سلم أحد موظفي المركب عبد الرقيب إلى الشرطة المسؤولة عن كومونة ثما دا، وفقاً للوثائق الشرطية. أرسل عبد الرقيب على الفور فيديو إلى أيوب، لا يتجاوز طوله ثلاث ثوانٍ، يظهر فيه بصحة جيدة وهو يرتدي قميصاً أبيض وسروالاً أزرق.
كان الوقت قد تجاوز الثالثة صباحاً في النرويج، لكن أيوب كان لا يزال مستيقظاً مع زوجته وابنتيه، اللتين احتضنتهما واحتفلتا معه.
كتب أيوب إلى عبد الرقيب: “لن يعيدوك الآن. أنت الآن حر.”
لم يكن هناك أي ملاذ آمن. تم أخذ عبد الرقيب أولاً إلى مركز الشرطة التابع للمنطقة، ثم تم نقله، وفقاً لضباط الشرطة الكمبوديين الذين تم مقابلتهم من قبل صحيفة “ذا بوست”، إلى مقر الشرطة الإقليمي في مدينة بورسات، التي تقع على بعد ثلاث ساعات بالسيارة.
قال المسؤولون والمنقذون إن معظم الأشخاص الذين تم إنقاذهم من المركبات الاحتيالية يتم تسليمهم إلى إدارة الهجرة الكمبودية، ثم يُعادون إلى بلادهم، عادة بعد دفع رسوم لتغطية تكاليف السفر والطعام.
أُخبر عبد الرقيب أنه سيُعامل كطالب لجوء، إلا أنه لم يُعالج في كمبوديا كلاجئ، وفقاً لما صرح به اثنان من مسؤولي الهجرة الكمبوديين. وكان آخر وجهة معروفة له في كمبوديا هي مكتب مكافحة الإرهاب والجريمة عبر الوطنية التابع لوزارة الداخلية، وفقاً للوثائق الشرطية التي قامت “ذا بوست” بمراجعتها — وهو نقل يوحي بأنه اعتُبر تهديداً إجرامياً أو إرهابياً منذ البداية، بحسب ما قاله أشخاص مطلعون على البيروقراطية الشرطية الكمبودية. وقد تم نقله إلى هناك في 22 يناير، وفقاً لتلك الوثائق.
قال المسؤولون في مكتب مكافحة الإرهاب والجريمة عبر الوطنية إنهم لم يكونوا في حوزتهم ورفضوا التعليق أكثر.
يشرف على القسم الوزير داي فيشيا، الذي هو صهر هون سين وشقيق زوجة رئيس الوزراء الحالي هون مانيت. ويُعتبر هون سين، الذي يحتفظ بقوة سياسية كبيرة، أحد أقرب حلفاء بكين في المنطقة.
في 30 يناير، استعان عبد الرقيب بهاتف وأرسل إلى أيوب رسالة صوتية. وقال إنه لا يزال داخل مجمع وزارة الداخلية.
“الذين جاءوا معي سيبقون لمدة أسبوع أو أسبوعين. ولكنهم أخبروني فقط بضرورة تجهيز أغراضي. … لا أعلم ماذا ينوون فعله بي؛ ربما هم بصدد نقلي إلى مكان آخر؟”
كانت تلك آخر مراسلة لعبد الرقيب. تشير سجلات الشرطة الصينية التي تم تبادلها مع مركز أبحاث السياسة الإستراتيجية والصين (ASPI) والتي استعرضتها صحيفة “ذا بوست”، إلى أنه تم نقله إلى السلطات الصينية في كمبوديا في اليوم التالي، وأُعيد إلى كوشة في 1 فبراير، حيث جرى استجوابه من قبل مكتب الأمن العام.
قضى أيوب الستة أشهر التالية محاولًا الحصول على معلومات حول مكان عبد الرقيب من نفس المسؤولين الذين كان على اتصال بهم بشأن قضيته: في وزارة الخارجية، وفي منظمة الهجرة الدولية (IOM) وفي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). وأشار إلى أن معظم رسائله، كما قال، تم تجاهلها.
أخبره أحد المسؤولين في وزارة الخارجية، من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، في رسالة في يونيو أنه بعد أن أصبح عبد الرقيب في قبضة السلطات الكمبودية، “هناك قلق من أنه قد يكون قد أعيد إلى الصين”. وفي بيان لصحيفة “ذا بوست”، قالت وزارة الخارجية إنها “على علم بالموقف” لكنها أضافت أنه “لن يتم التعليق على الحالات الخاصة”.
وقد تواصل مع أيوب شخص آخر من أقلية الأويغور في كمبوديا عبر أقاربه بعد فراره من تركستان الشرقية. أحال أيوب القضية إلى منظمة الهجرة الدولية في يوليو، ولكنه لم يتلقَ أي متابعة وحاول إيجاد طرق أخرى لمساعدته.
وقال: “كيف يمكننا أن نثق بهم مجددًا في مثل هذه القضية؟”.
واشنطن بوست.
اترك تعليقاً