صيدنايا .. الثقب الأسود

thumbs b c 3d05dce72dc76baa414503a35fef270d

“الداخل إليه مفقود، والخارج منه مولود”

ولأن للأسرى علينا حقّ .. في ذكر قصصهم .. وإسماع صوتهم للعالم.

أكتب عنهم ليسمع العالم صوتهم من الحروف الممزوجة بدمائهم، وإن كنت عكفت على مسح بقع الدم إلا أن الدماء تثعب من جديد!

للحيطان آذان

image 1733764377

كانت هذه الكلمة تتردد كثيرا على مسامع الأطفال، تتبعها حركة السبابة على الفمّ من الوالدين، حثّا لهم على السكوت، لأن ضابط الأمن يقف عند الحائط.. وضعاف النفوس يرسلون التقارير للنظام، التي يليها اعتقال وتغييب قسري.

كان يدرك الجميع وحشيه هذا النظام الذي تعدّى وصف الدكتاتورية والنازّية.
فهو يمتص حقده على السنة، من عقيدته النصيرية.. لكن لم يتخيل عقل بشري مدى القسوة ولأي درك يقف انحطاطه

وحين نشرت صور قيصر، وشهادات الناجين من السجون، ظهر جزء مخفيّ من وحشيته، لكن هناك أجزاء كثيرة لا تزال مخفية، وما ستقرأه في هذا المقال غيض من فيض.. فهناك قصص لا أقول دفنت، لأن ليس لديهم رفاهية الدفن بل حرقت وماتت مع أصحابها.

هناك سجون شتى، فصيدنايا ليس الوحيد ولا الأشد وحشيه، فالأفرع الأمنية التي لا تعد ولا تحصى.. ( تحمل أرقام ثلاثية مثل ٢٢٧).

وسجن عدرا.. والبالونة في حمص.. وفرع فلسطين، وتدمر.. المَزِّة.

فيما يلي شهادات لسجناء سابقين شاء الله أن يخرجوا ليرووا لنا قصصهم، رتبت شهاداتهم تحت عناوين متفرفة كتفرق المشاعر المبعثرة أمام هول المشاهد:

الشاب عمر الشغري

قتل الذكريات الجميلة:

(ذات مرة سألني السجان ما انشودتك المفضلة؟
فكرت قليلا.. ثم قلت له، شارة كرتون رابح.
بعد قليل أشعل الأغنية وبدأ في تعذيبي)

فلم تكن أساليبا عشوائية لصب الغضب والحقد.. بل أساليب ممنهجة للتعذيب نفسيا وجسديا.. لكي يفر السجين حتى من ماضيه ويكره ذاته.

طبيب الأسنان د.جمال

النشوة في رؤية الذل على وجوه المعتقلين:

«لأنى طبيب أسنان، فقد كانوا يتعمدون وضع فرشاة تنظيف المراحيض
في فمي وتفريش أسناني بها.. إمعانا في إذلالي».

الإمعان في الأذى لدرجة واحدة تسبق الموت

«علقت عدة مرات لساعات طويلة كانت تصل أحيانا إلى يوم كامل.
كان التعليق يشبه الصلب، من يدي وبمسافة بين كل يد أثناء التعليق
كانوا يطفئون السجائر في جسدي.
أو يضربونني بوسائل متعددة.
بعصا خيزران، وبقضيب حديد، وبسلك الكهرباء الرباعي،
الأسوأ كان الضرب بأنابيب التمديدات الصحية (البواري الخضراء/الأخضر الإبراهيمي)

ضربت أربع ضربات بالبوري الأخضر على ظهري، أصبت بعدها بالشلل
لمدة أربعة أسابيع، كانت تأتيني خلالها نوبات اختلاج عصبية»


ابتكار طرق مؤلمة

«من أشد أنواع التعذيب كان الضرب بدولاب السيارة، الإطار.. كان
الإطار يقطع عرضيا إلى قسمين، بحيث تبرز الأسلاك منه، ثم يوضع
فيه ممسكان من جهة بحيث يمكن للسجان أن يمسك الإطار، ونضرب
به من الجهة الخشنة بكل ما يبرز منها من أسلاك البعض سلخت جلود
ظهورهم كاملة بسبب الضرب بالإطار».

لتعتد مشهد الموت:
(الخامسة صباحا والخامسة مساء، أي معتقل يموت بين هذين الوقتين
يبقى معنا إلى موعد الإخلاء، وهكذا بقيت جثة الأخ أمام أخيه إلى أن حانت ساعة الإخلاء مساء).

الخوف المختبئ تحت الوحشية..”انتفاش كاذب”

883793.jpeg

«كانوا يقولون لنا بصراحة: تريدون أن تحفظوا وجوهنا كي تذبحونا عندما تخرجون. لكن هذا لم يكن السبب الوحيد. كنا نرسم لهم في أذهاننا صورا مرعبة. نتخيلهم وحوشا كاسرة هائلة الحجم، وكانوا يتعمدون تخشين أصواتهم والحديث بلهجة معينة لكي يرسخوا هذه الصورة في أذهاننا. في مرة، نظرت من شق في الباب، ورأيته، كنت أتخيله مثل أبطال كمال الأجسام، طويلا بطولي وحجمي مرتين، ولكن صدمت أنه مجرد «ولد» لعله لم يتجاوز التاسعة عشر من العمر، ضئيل الحجم، منظره يوحي بفقر مدقع، لو رأيته في ظروف أخرى لأشفقت عليه.. لم يكونوا يريدون أن نراهم بهذا الوضع، لأن هذا كان سيشجعنا على أن نهاجمهم أو نتمرد عليهم».

ترعبهم عبادتك.. يرعبهم التزامك

«لن أنسى أبدا ما حدث لوائل. وشى به أحد السجناء أنه (مخالف)، مخالفته كان أنه حفظ سورة الرحمن. كل ما يتعلق بالصلاة أو الصيام أو قراءة القرآن كان يعتبر مخالفة في صيدنايا. قال له السجان سترى ربك الآن. أمره بالانبطاح وأخذ يضربه ويطلب منه أن يكفر بالله. وائل لا يقول سوى (لا إله إلا الله)، والسجان يضرب على ظهر ورأس وائل، ووائل لا يقول سوى (لا إله إلا الله)، إلى أن مات. وائل خليلو. لن أنساه أبدا..
شاب فقير بسيط التعليم من إدلب». (المخالفات التي كانت تستحق التعذيب والضرب تتضمن الصلاة والصيام وقراءة القرآن)

يختم كلامه «لا يمكن أن أنسى ما حدث معي. لا أريد أن أنسى ما حدث. هذه الفترة  أصبحت حجر أساس في شخصيتي. حجر أساس لا يمكن أن أتخيل حياتي من دونه. كنت حديث التخرج عندما سجنت، عمري ثلاث وعشرون سنة، أربع سنوات المعتقل أنضجتني وقوتني وجعلت مني شخصا آخر. حتى  إيماني أصبح أقوى في أثناء وبعد التجربة. كنت ملتزما قبل الاعتقال، لكني صرت أقرب إلى الله بكثير مما كنت قبل».

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا