هناك.. عميقًا تحت الأرض، في مكان لا تصل الأصوات داخله إلينا، يقبع آلاف المُعتقلين المسلمين منذ سنين! فوفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان اعتقلت الأجهزة الأمنية نحو مليون مدني سوري خلال 12 عامًا من الثورة السورية.
“رصد وتأكد المرصد السوري من اعتقال ما لا يقل عن 969854 ألف شخص بينهم 155002 مواطنة منذ بداية الثورة السورية في ربيع الثاني 1432هـ (آذار 2011م) من قبل أجهزة النظام الأمنية”.
أساليب التعذيب
تتعرض المعتقلات السوريات لأشكال متعددة من التعذيب وبطريقة لا تقل عن أشقائهم الرجال.
ومن أساليب التعذيب المستخدمة في السجون: بساط الريح، والأخضر الإبراهيمي، والدولاب والكثير من الأساليب الأخرى.
لكن لعلّ أسوأ ما يواجه المعتقلات هناك هو الاغتصاب. ففي شهادة الكثير من الناجيات منهنّ كان الاغتصاب أصعب شيء واجهنه ورأين زميلاتهن السجينات يواجهنه.
وفيما يلي شهادات توثق هذا الإجرام.
شهادات الأسيرات
استخدمنا أسماء مستعارة للحفاظ على سلامة الأسيرات.
الشهادة الأولى: الأسيرة جوري
في هذه الشهادة نرى لماذا يستخدم الجنود الاغتصاب مع المعتقلات.
في كثير من الأحيان يكون الاغتصاب وسيلة ضغط على أقربائهن ليجبروهم على تسليم أنفسهم أو للحصول على الاعترافات منهم.
قالت جوري: “الاغتصاب الذي يحدث في المُعتقلات نادرا ما يتعلق بالشهوة..
أما عندما يكون ضمن التحقيق فالأمر مختلف تماما. الاغتصاب في هذه الحالة هو لسببين: الأول، هو كسر الرجال أقارب المُغتَصبة. زوج أو أخ أو أي قريب. والسبب الثاني، هو كسر نفسية المُغتَصبة، تحطيمها تماما وبشكل دائم “.
” الاغتصاب أولا من أصعب الأمور في الحديث عنها، غالبًا الرجال الذين يتعرضون للاغتصاب لا يذكرون ذلك أبدًا. والفتيات – وعددهن أكبر ونسبة ضئيلة منهن تقبل بصعوبة الحديث عن الأمر. الاغتصاب ليس مثل التعليق أو الكرسي الألماني أو بساط الريح أو الضرب بالأخضر الإبراهيمي، كل هذه وسائل تعذيب مرعبة، لكن الحديث عنها أسهل، أما الاغتصاب فالحديث عنه يشبه أن يُعاد الأمر من جديد. كل وسائل التعذيب الأخرى تسلط الألم على الجسد من الخارج، الاغتصاب عملية تنتهكك من الداخل، وتبقى معك”.
” النظام لعب على الأمر بطريقة ممنهجة ومنظمة، ليست كل مُعتقلة مُغتصبة. هناك مُعتقلات لم يمسسهن أحد. بل هناك مُعتقلات كن في فروع أمنية فيها اغتصاب روتيني، لكنهن لم يسمعن بذلك أصلا. هؤلاء عندما يخرجن سيقلن: لا اغتصاب هناك. وهذا سيسهل ترك انطباع عن أخريات بأنهن كاذبات، أو أن هناك شيئا ما “مختلف” معهن”.
“جاؤوا بفتاة صغيرة. ربما دون الرابعة عشر. لهجتها ريفية. تصرخ وتستغيث. قال المحقق “خلوها تشوف الله” (جل جلاله).
اغتصبها ثلاثة سجانين أمامي. لا أعرف كم من الوقت دام الأمر. لكنها ظلت تنزف من عورتها. أغمي عليها أو ماتت لا أدري، عندما خرجت كانت لا تزال ملقاة على الأرض”.
“أخذوني إلى غرفة فيها سرير. ربطوني عليه. سرير فيه جزء متحرك تُربط عليه الساق. مثل سرير الفحص عند الطبيبة النسائية.
قالوا لي إن اليوم يوم اغتصابي، لكن سيعطونني فرصة، سيتركونني لخمس دقائق أدعو الله فيها أن ينقذني منهم، فإن جاؤوا بعد ذلك واغتصبوني فهذا يعني أن الله يقف معهم لا معي، وأن ما يحدث لي عدل”.
” في اللحظة التي بدأ فيها (اغتصابي) سمعت آيات القرآن الكريم. تصورت أولا أني أتخيل ذلك. لكن لا. كانوا قد شغلوا آيات معينة. آيات من سور النساء والإسراء والنور. جمعت مع بعضها في تسجيل واحد ظل يتكرر بصوت مرتفع، بصوت مقرئ يعرفون أني أحب صوته، لأن تسجيلاته موجودة على هاتفي الذي بحوزتهم. لا أريد أن أذكر اسم المقرئ، لا ذنب له في الأمر، لكني لم أعد قادرة على سماع صوته.
سماع القرآن في أثناء اغتصابي كان عذابًا موازيًا لعذاب الاغتصاب.لم أستطع أن أمنع نفسي من الأسئلة. كيف يحدث كل هذا؟ كنت أحفظ أجزاء من هذه السور، وضمنها هذه الآيات. تمنيت لو أني لم أكن حفظتها، أو أني لا أعرفها. كان وقعها علي سيكون أسهل”.
“بعد أسبوعين تقريبًا من تكرار كل شيء بالتفصيل، أصبحت مقتنعة بما يقولونه لي. أنا زانية. أستحق كل ما يحدث لي. الله عادل وما حدث لي كان بأمره. الله تخلى عني لأني زانية. تخلى عنا جميعا لأن ما قمنا به كان باطلا.
أفهم الآن أني تعرضت لعملية غسيل مخ مبرمجة، لكني لم أكن قادرة على التمييز آنذاك. لم أكن قادرة على التفكير أصلا”.
” كنت في كل مرة، يعيدونني فيها بعد الاغتصاب، أكتب على الجدار (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). كل مرة. وعندما تركت المعتقل، كانت الآية مكتوبة 19 مرة على الجدار “.
” عندما أفرجوا عني أعادوا لي هويتي. نظرت إليها ولم أفهم لم أعطوني هذه الهوية.شعرت بأني فتاة أخرى لا علاقة لها بالفتاة التي اسمها وصورتها على الهوية”.
” بعد أكثر من خمس سنوات، ما أزال أعيش على الأدوية النفسية والمهدئات، وجلسات العلاج النفسي. في الظاهر أبدو بخير. لست كذلك. الحمدلله. أنا أفضل بكثير الآن. لكني لا أزال أعاني”.
الشهادة الثانية: الأسيرة هدى
قالت هدى: “كنت من ضمن عشرات الفتيات الفلسطينيات المعتقلات عند النظام. اعتُقلت من قبل عناصر الجبهة الشعبية ثم سلّمت لعناصر الأمن.”
“عُلّقت في المروحة لساعات، ثم قطعوا الحبل فسقطت على الأرض، عندها اغتصبوني.. كنت منهكة من التعليق وعندي آلام بسبب السقوط.. لم أقو على المقاومة.”
” لمدة 15 يوما تعرضت للاغتصاب، في يوم واحد اغتُصِبت عشر مرات!”.
” كانت إحدى المعتقلات قد حبلت جراء الاغتصاب ثم أنجبت في الزنازنة طفلا خديجًا غير مكتمل النمو، ربما كان ابن ستة أشهر.. أطلق السجّانون النار عليه أمامها بعد أن وضعته.. وتناثر رأسه عليها، أُصيبت الفتاة بالجنون، وقتلوها لاحقًا للتخلص منها”.
” أسوأ ما حدث لي بعد خروجي كان موقف الناس مني. كنت مخطوبة عندما اعتُقلت، خطيبي فسخ الخطبة، سألني إن كنت قد تعرضت لشيء من هذا عند اعتقالي. ما كان من الممكن أن أنكر. انتشر الخبر في كل مكان. من سيتقدم للزواج من فتاة تعرضت للاغتصاب – الله وحده يعلم كم مرة؟ “.
الشهادة الثالثة: الأسيرة فاطمة
قالت فاطمة:”جارتنا امرأة خمسينية تقريبًا بقيت هناك 6 أيام يدخل إليها الضابط كل ليلة ويضع حذاءه على رقبتها ويشد حتى تشعر بانقطاع انفاسها ويسألها عن قاتل شخص منهم اسمه غدير وبقيت علامات الضرب على ظهرها حتى ماتت منذ سنتين”.
لقد حرصنا على نقل لقطات محدودة من واقع دامي تعيشه الأسيرات المسلمات في سجون النصيرية في سوريا، لم يفرق فيه أئمة الإجرام بين صغير أو كبير، امرأة أو رجل.. هذه هي سجون الأسد التي يغفل عن وحشيتها الكثيرون. وما زالت أساليب التعذيب كثيرة ومتنوعة ولكن بالنسبة للنساء فإن الاغتصاب هو أسوأ ما قد يواجهنه لأنه يفسد عليهن حتى مستقبلهن بعد الخروج من السجون.
إن أقل ما نفعله تجاه هؤلاء الأسرى هو نقل أصواتهم وتذكير العالم بهم والدعاء لهم. والتحذير من أئمة الإجرام وأساليبهم والتحريض على دفع عدوانهم ونصرة المستضعفين وتحرير الأسرى.
اترك تعليقاً