صرخات السجينة 650 في سجن باغرام المروع، الذي لم يتحمل أهواله الرجال!

IMG 20231016 212520 604
صرخات السجينة e1516974088351.jpg

الإرهاب الأمريكي

حين نستمع لخطابات أوباما وساسة البيت الأبيض وهم يحاضرون في الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والحضارة الغربية التي تسابق الأمم في احترام القانون، وقرارت مجلس الأمن، واتفاقيات دولية كاتفاقيات جنيف عن الأسرى. حين يعيبون على الأنظمة العربية الدكتاتورية، والقهر وانتهاك حقوق شعوبهم، فينبزونا بالتخلف والرجعية والتأخر، لا يمكننا أن نتصور إلى أي درجة بشعة وصل إليها الإرهاب الأمريكي في الانتقام من امرأة مسلمة واحدة جربوا عليها جميع وسائل التعذيب والإذلال التي لا تخطر على قلب بشر لتهمة غامضة ولأدلة واهية ولشهادات خصوم! إنها عافية صديقي.

الدكتورة عافية صديقي

الدكتورة عافية صديقي منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة وهي محط الانتقام الأمريكي اللامنتهي. قصتها تُلخِّص حكاية الإرهاب الأمريكي الذي فاق كل أنواع الإرهاب في العالم. منذ اللحظة الأولى التي اختطفتها فيها أجهزة الاستخبارات الأمريكية مع أولادها الثلاث في 2003 إلى سنوات من التغييب والتعذيب وممارسة نظريات الانتقام الرهيبة في حق امرأة لا تملك إلا جسدًا هزيلًا نازًفا وقلبًا مفجوعًا مؤمناً، في غياهب باغرام ذلك السجن سيء السمعة شمال كابول.

تاريخ عافية مع الاختفاء والاعتقال

  • الظهور الأول 2008

قبعت عافية 5 سنوات بدون أي محاكمة ولا حتى تهمة محددة! لتظهر مرة أولى في 2008 خلال الحادث الذي كاد يودي بحياتها واتهمت على إثره بجريمة الشروع في قتل جنود أمريكيين.

  • الظهور الثاني 2010

ثم ظهرت مرة أخرى في 2010 في محكمة أمريكية إرهابية، حكمت عليها بالسجن 86 سنة كاملة، ضاربة بعرض الحائط إرهاب الاختطاف والسجن السري اللاقانوني في باغرام، وسنوات التعذيب المستمر بل وبجميع الأعراف الدولية لحقوق الأسرى –زعموا-أنهم تعاهدوا عليها. معتمدة على دليل واحد سخيف لا يتعدى شهادة جنود كانوا يأسرونها!

لتسجن مرة أخرى وليفتح الباب هذه المرة على مصراعيه للإرهابيين الأمريكيين لتعذيب هذه المرأة بكل أصناف العذاب حتى فقدت الذاكرة وأسقطت من الاغتصاب ونزفت الدم القاني، وأصبحت نموذجا بشريًا لتجربة نظريات البحث العلمي، والأدوية واستئصال الأعضاء، وإحداث الأمراض المزمنة المستعصية!

  • أوائل نوفمبر 2011:

 تلقت عائلة عافية تقارير مقلقة بأن ابنتهم حملت في سجن كارسويل الأمريكي، وأنها خضعت لعملية إجهاض قسري، وأنها نزفت بغزارة نتيجة لذلك. وتبين من خلال رسالة من السجن وصلت عائلتها أنها تعاني من سرطان خبيث.

أما اليوم فقد اختفى لعافية كل أثر وقد أكد محاميها أنه لم يعد يسمع لها خبرًا ولم تتواصل معه أو مع أي شخص آخر منذ أكثر من سنة. وتساءل ما إذا كانت عافية ما زالت على قيد الحياة! في حين ترددت أخبار تقول إن عافية قضت نحبها وهي تتجرع سوء العذاب على أيد سجانيها!

الإرهاب الأمريكي يطال الأطفال الثلاث:

بعد اختطاف عافية من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية والباكستانية وهي في سيارة أجرة مع أطفالها الثلاث في طريقها إلى المطار، لم يراع الإرهاب الأمريكي أدنى حق لهؤلاء الأطفال الثلاث، قالت شقيقتها فوزية:

“بعد مغادرة عافية بنحو ساعتين، دق الباب. وتوجهت أمي إلى الباب وسألت عن الطارق الذي قال إذا قلتم أي شيء أو أبلغتم الشرطة، سنقتل الأربعة”!

وهكذا اختفى كل أثر للأطفال الثلاث ليظهر أكبرهم، أحمد الذي لم يتجاوز 11 عامًا–في 2008-حين تم إرساله جوا من أفغانستان (التي اختطف إليها مع أمه لتسجن)، إلى باكستان ليعيش مع خالته فوزية بشرط عدم التحدث إلى الصحافة. بينما مصير أخته مريم، وأخوه الرضيع سليمان الذي كان عمره ستة أشهر، بقيت ظروفهما أكثر غموضا.

  • تفاصيل الاختطاف على لسان أحمد

في وقت لاحق قص أحمد تفاصيل اختطافهم في طريقهم إلى المطار، وقال إنه تم اعتقالهم بواسطة 15 أو20 شخصا بينهم سيدة بيضاء، التي صفعت عافية على وجهها، ورأى أحمد أخاه الرضيع سليمان يقع على الأرض، هذا كل ما يتذكره قبل أن يُفصل عن أمه وإخوته باستنشاق مادة أفقدته الوعي.

  • ظهور مريم في 2010

ظهرت مريم الابنة الوسطى وحول رقبتها ورقة مكتوب عليها عنوان جدتها، كانت تتحدث الإنجليزية فقط بلكنة أمريكية، أما الابن الأصغر سليمان فلم تصل أي معلومات عنه وهناك أصوات تقول إنه مات.

وهكذا طالت يد الإرهاب الأمريكي حتى أطفال عافية!

كيف عُرفت قصتها؟

لم يكن أحد ليعلم مصير عافية، لولا مشيئة الله أن يقاسمها السجن في باغرام مسلمون أسروا على أيد الأمريكيين، من بينهم معظم بيك الذي اختطف من قبل الأمريكيين عدوانًا وظلمًا أيضًا، وكان يسمع صرخاتها المؤلمة وأنينها في كل يوم وليلة.

امرأة وحيدة تسام سوء العذاب وأنواع الإهانة بلا أدنى رحمة في سجن لا يضم إلا الرجال ولا يعاملها فيه إلا الرجال بل وحوش الرجال، كانت بحق سبب تأثر جيرانها المأسورين لدرجة أنستهم مآسيهم وجراحاتهم فاستنكروا هذا الفعل اللاإنساني البشع المشين بما تبقى لهم من فتات الطاقة وأعلنوا الإضراب عن الطعام حتى يفك أسر هذه المسلمة المستضعفة ولكن دون جدوى!

  • Enemy Combatant

 نقل معظم بيك إلى غوانتنامو وفارق مأساة باغرام إلى مأساة جديدة إلا أن صرخات عافية لم تفارقه وبقيت تتردد في أذنيه حتى أُفرج عنه، فألف كتابًا ذكر فيه حقائق مروعة عاشها في هذه السجون ولم ينس بكل تأكيد تلك الصرخات الصديقية التي دونها في كتابه (Enemy Combatant) بكل أسى وألم.

إنها صرخات السجينة 650 في سجن باغرام المروع، الذي لم يتحمل أهواله الرجال، هكذا كانت تسمى عافية.

  • ايفون ريدلي

وصل الكتاب إلى يد الصحفية البريطانية ايفون ريدلي فشد انتباهها قصة السجينة 650 فبادرت بالبحث عن هوية هذه المغيّبة، فتوصلت إلى أن السجينة 650 هي الدكتورة عافية صديقي! بعد ذلك فضح الله الإرهاب الأمريكي وخُدعاهم وعدوانهم، وتأكدت أنها تعرضت لشتى أنواع العذاب بما فيه الاعتداء الجنسي المتكرر من قبل الأمريكيين وأيضًا استأصلت بعض أعضائها واستمر يعانقها العذاب حتى أُصيبت بأمراض نفسية خطيرة فقدت على إثرها الذاكرة.

وكيف لا تنهار المسلمة وهي تجبر على المشي حافية القدمين على صفحات من المصحف الكريم ممزقة وملقاة على الأرض لتدنيسها وشفاء غليل سجانيها الكافرين؟!.

ايفون ريدلي الصحافية التي اعتنقت الإسلام أكدت بأن عافية صديقة هي سيدة باغرام رقم 650، وأنها تعرضت لأهوال لا توصف لدرجة كانت تبقي السجناء مستيقظين بسبب تنهداتها المؤرقة وصرخاتها المؤثرة. وبالنسبة لريدلي، أصبحت عافية صديقي رمزًا للممارسات الأمريكية الإرهابية مثل الاختطاف والترحيل السري والتعذيب. وقالت ريدلي:

“إن صديقي رمز في العالم الإسلامي. وإن الناس غاضبون من الإمبريالية والهيمنة الأمريكية “.

صمتٌ مُعتاد

صمتُ العالم إزاء هذا الإرهاب الأمريكي، والانتهاك الفاضح لحقوق امرأة مسلمة وتخدير الشعوب التي استنكرت هذه الفظاعة الأمريكية، أعطى الفرصة أكثر للإرهاب الأمريكي للتمادي، وليتجلى هذا الإرهاب في صورة أكثر وضوحا في إحدى محاكم الظلم والغطرسة الأمريكية في ( نيويورك ) حيث وقفت المسلمة المستضعفة الهزيلة تنزف دماً لا تستطيع الوقوف أمام جلاديها؛ الأمر الذي دفع فوزية أخت عافية-وهي خريجة جامعة هارفارد في تخصص الأعصاب- لاتهام الولايات المتحدة الأمريكية بإساءة معاملة شقيقتها في باغرام وتقديمها للمحاكمة في إطار يفتقد لأدنى عدالة. وقالت:

“أنا قلقة من هذه المحاكمة لأنها مجرد دراما كبيرة، فقد كتبوا السيناريو الذي يريدونه. “

إرهاب المحكمة الأمريكية

مَثُلَت عافية أمام محكمة في الولايات المتحدة، وحكم عليها بعد مماطلة وتسويف، في 2010 بالسجن 86 عامًا بتهمة الشروع في القتل، وليس للاشتباه بعلاقتها بتنظيم القاعدة المصنف في لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل الأمريكيين. وهكذا كانت التهمة الوحيدة التي حوكمت عليها عافية وفبركت لها الدلائل وزورت لها الشهادات تهمة الشروع بالقتل لا الإرهاب، ليتضح الدجل الأمريكي في تصنيفها كأخطر امرأة في الإرهاب وسيدة القاعدة الأولى.

ولم تتناول المحكمة أي حديث عن قضية الاختطاف والسجن السري والتعذيب الذي تجرعته عافية في سجن باغرام في أفغانستان، وقد أقر قاضي المحكمة الأميركية ريتشارد بيرمان في حكمه أنه:

“لم يتحدد مطلقًا سبب تواجد صديقي وابنها في أفغانستان”.

  • فريق دفاع ذي أصول يهودية

وأثناء محاكمتها في نيويورك في 2010 – وهي المحاكمة الوحيدة التي شهدتها منذ 2003 -احتجت عافية على تعيين فريق دفاع ذي أصول يهودية، وأعلنت مرارًا قدرتها على إثبات براءتها إذا تغيرت الدائرة القضائية التي تحاكمها، ومشددة على أنه تم تعذيبها لفترة طويلة في سجون سرية. وبينما أعلن محاميها أنها تعاني مشكلات عقلية، خلصت المحكمة إلى أن وضعها العقلي يسمح بمحاكمتها مع إخضاعها لعلاج نفسي، ولذلك أودعت بسجن تكساس، وفقا لصحيفة «جارديان» البريطانية.

  • خذوني فأنا لن أعود

عافية أعلنت في المحكمة أنها غير مذنبة وأصرت على أنها لم تلمس بندقية الجندي الذي اتهمت باستعمالها والشروع في قتل الجنود الأمريكيين. وبعد أشهر من الجلسات السقيمة وخلال جلسة عاصفة، قاطعت عافية القاضي، ووبخت محاميها وأطلقت نداءات صاخبة في قاعة المحكمة، حيث قالت:

“أنا أقاطع هذه المحاكمة وأنا بريئة من كل التهم الموجهة إلي وأستطيع إثبات ذلك، لكنني لن أفعل ذلك في هذه المحكمة”

وعلى الرغم من أنها طُردت من قاعة المحكمة لكنها قالت وبإدراك لحقيقة المؤامرة:

“خذوني فأنا لن أعود”.

وكيف لها أن تدافع عن نفسها حين يكون الجلاد هو القاضي! ويكون الجلاد هو الشاهد!

  • محاكمة بدون محامٍ

لم يسمح لعافية اختيار محامي يدافع عنها، ورغم أنها لم تتهم بالإرهاب إلا أن المدعي أصر باستمرار على إثارة موضوع الإرهاب وحين رأت عافية هذا الإصرار الذي يتضارب وموضوع المحاكمة، وأن القوم يسعون لتصويرها كمصنعة قنابل وإرهابية، هتفت في أوجههم:

لا يمكنكم بناء قضية على الكراهية. القضايا تبنى على الحقائق!

تأخرت المحاكمة أشهرًا وخضعت عافية لاختبار نفسي بناء على طلب من ادعاءات الدفاع التي ذهبت إلى القول إن عافية أصيبت “بالجنون”. في حين قضى القاضي ريتشارد بأن عافية:

“قد تكون لها بعض المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية لكنها لائقة لحضور المحاكمة”.

تساؤلات أخيرة

واقتصرت القضية على الجدل الدائر حول ما إذا قامت عافية بإطلاق النار على الجنود في مركز للشرطة الأفغانية. وتجاهل القاضي الإرهابي جميع الأسئلة الخطيرة منذ اختطافها في عام 2003، بما فيها مصير طفليها اللذين كانا في عداد المفقودين. ويبقى السؤال الأهم: إذا كانت عافية صديقي تلك الإرهابية الخطيرة منذ خمس سنوات، إذن لماذا لم يتم توجيه تهمة واحدة لها على الأقل تتعلق بالإرهاب؟!

ثم لماذا كل هذا العذاب ليشفي الأمريكيون غليلهم من امرأة فرضنا جدلًا أنها حاولت قتل جنود لهم رغم ركاكة الرواية التي لا يقبلها عاقل! فإن كانت كذلك أو يكون هذا الثمن المبالغ فيه، لجرم لم يبلغ نصاب الانتقام. فكيف لو أنها بحق قتلت هؤلاء الجنود؟!

آخر كلمات عافية وهي توجهها للقاضي بعد أن حكم عليها بقضاء بقية عمرها في سجن فيدرالي كانت:

 اسمح لي أن اختلف معك، مصيري إلى الله وقدري مع ربي مصيري بيد الله وليس بيدك.

أُرسِلت عافية لسجن كارسويل الذي لا يقل سوء عن سابقيه، ومنعت عدوانًا من أي زيارات، في الوقت الذي واجهت عائلتها عدة مضايقات بما فيها محاولات لخطف أولادها، فضلًا عن تهديدات بالقتل تلقتها والدتها في عدة مناسبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا