رسالة بن لادن تضع المجتمع الأمريكي في مواجهة نفسه

F CVfAvXcAABaYb

الأسبوع الماضي بدا وكأن الزمان قد استدار كهيئته صبيحة الأربعاء الموافق الثاني عشر من سبتمبر 2001م (رجب 1422هـ).

فقد كان الشيخ أسامة بن لادن الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة حديث الساعة، بعدما بدأت رسالته المعنونة بـ “رسالة إلى أمريكا” في الرواج بين مستخدمي التيكتوك.

رسالة بن لادن، التي يعود تاريخ كتابتها ونشرها إلى أواخر عام ( 2002م) (1423هـ)، هي في الأصل إجابة على تساؤلات طرحها عدد من الكتاب الأمريكيين حول أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن. 

ويبدو أنه بعد مضي أكثر من عشرين عاماً، وجد بالفعل قطاع من الأمريكيين فيها إجابات على الكثير من تساؤلاتهم.

الآلاف من مستخدمي التيكتوك وثقوا صدمتهم بعد قراءة محتوى الرسالة – والتي كانت قد ترجمتها إلى الإنجليزية ونشرتها صحيفة الجارديان البريطانية في 2002م (1423هـ)، واحتوت على أسباب قيام التنظيم بهجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، والتي كان أبرزها دعم الولايات المتحدة اللامحدود لإسرائيل.

وفي ظل حالة الانقسام الشديد الذي تشهده الولايات المتحدة حول عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، حظيت فقرات الرسالة التي تشير إلى مأساة فلسطين والدور الأمريكي في استدامتها باهتمام كبير بين قراءها.

وقد أشار بن لادن في رسالته إلى السيطرة اليهودية على اقتصاد البلاد ووسائل الإعلام، وإلى كون دافعي الضرائب الأمريكيين متواطئين في تمويل الحروب على المسلمين.

محاولة فاشلة للحد من الأضرار

عقب رواج الرسالة والارتفاع الصاروخي لعدد قراءها على موقع الجارديان، قامت الجريدة بحذف الرسالة من على موقعها.

وهو ما استفز مستخدمي وسائل التواصل الذين عدوا حذف الرسالة دليلاً على مساعي وسائل الإعلام لإخفاء الحقائق عنهم، كما أكسب عملية البحث عن نص الرسالة المزيد من الزخم؛ فقد أصبحت الصفحة البديلة التي تخبر القراء بأن الرسالة تمت إزالتها إحدى أكثر الصفحات مشاهدة على موقع الجريدة.

موقف تيكتوك يزداد تأزماً

تأتي هذه الواقعة في ظل مواجهة تيكتوك لانتقادات حادة في الولايات المتحدة، ودعوات لحجب التطبيق، نتيجة للرواج الكبير للمقاطع الداعمة لفلسطين مقارنة بالمحتوى الداعم لـ”إسرائيل”.

وقال أليكس هوريك، المتحدث بإسم تيكتوك، أن المنصة تقوم بإزالة المقاطع المروجة للرسالة “بشراسة” لانتهاكها قواعد المنصة التي تحظر ما وصفه بـ “دعم أي شكل من أشكال الإرهاب” وأنها تقوم بتقصي الكيفية التي وجدت من خلالها تلك المقاطع طريقها إلى المنصة.

إرهاصات الرواج

الزعم بأن النقاش حول “رسالة إلى أمريكا” كانت بدايته على التيكتوك حصراً تكذبه بيانات جوجل، التي تُظهر أن البحث بعبارة “رسالة بن لادن” بدأ يكتسب زخماً يسيراً الأسبوع الماضي، قبل أن يصبح رائجاً على تيكتوك.

انتشار العدوى عبر وسائل التواصل

كما شهدت الرسالة رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى؛ كان البحث عن “letter to America” على انستغرام يظهر بجانبه تصنيف “popular” أي رائج.

وحصد أحد المنشورات وهو عبارة عن لقطات شاشة للرسالة أكثر من 10،000 إعجاب بحلول مساء الخميس الماضي.

كما كانت الرسالة واسم بن لادن ترند على منصة “إكس” (تويتر سابقا).

وحصلت إحدى التغريدات المنشورة يوم الأربعاء، والتي قال فيها صاحبها أن قراءة الرسالة كان “بمثابة تهشم حائط زجاجي” وتسائل إذا كان هذا هو شعور الاستبصار الذي يعقب التعرض لعملية غسيل مخ، على 3 ملايين مشاهدة.

الخاتمة

لقد ختم بن لادن رسالته بتوقعات حول مستقبل الولايات المتحدة نراها الآن ماثلة أمامنا، ولربما كانت من أكثر من عشرين عاماً يُنظر إليها باعتبارها أحلام رجل مؤدلج.

قال في رسالته الرائجة: “وإذا لم يستجب الأمريكيون فإن مصيرهم سيكون مصير السوفييت الذين فروا من أفغانستان للتعامل مع هزيمتهم العسكرية، وتفككهم السياسي، وسقوطهم الإيديولوجي، وإفلاسهم الاقتصادي”.

منيت أمريكا بأكثر من هزيمة عسكرية في خلال العقدين الماضيين – ولم تكن أيا منها في حرب متكافئة! فلا هي استطاعت تجاوز فشلها في فيتنام، ولا حققت مكسباً يُذكر في حربها الصليبية ضد “الإرهاب”.

أما السقوط الأيديولوجي، فأي سقوط بعد تلعثم قضاة ومفكرين -وأطباء- عند مباغتتهم بسؤال “ما هي المرأة؟”، واعتبارهم إياه فخاً!

وليس هذا إلا قمة جبل الانقسام الفكري الحاد الذي تشهده أمريكا اليوم.

ولا يحتاج المرء أكثر من المتابعة السطحية لما يسمونه بـ “الحروب الثقافية” (Culture Wars) للتيقن من أن هذا مجتمع لا يكاد يتفق على شيء.

وليس أبأس من المشهد السياسي الأمريكي الخارجي، إلا المشهد الداخلي.

فمؤسسات الدولة صارت أضحوكة.

لا تزال أمريكا تلملم ما تهشم من صورة ديمقراطيتها نتيجة لاقتحام مؤيدي ترامب لمبنى الكونجرس في واقعة السادس من يناير الشهيرة؛ وبعد أن ظن الديمقراطيون أن انتخاب بايدن سيكون كفيلاً بطي سجل فترة ترامب وما تعلق بها من صعود لليمين المتطرف واستئساده إذ به يعود للمشهد الانتخابي مرة أخرى.

وحتى المحكمة العليا (Supreme Court) التي كان يُنظر إليها باعتبارها رمزاً للحياد القضائي وكانت تحتفظ إلى وقت غير بعيد بمكانة أدبية في الوعي الجمعي الأمريكي، كشفت استطلاعات رأي حديثة عن انخفاض غير مسبوق في معدلات الثقة فيها.

وهو ما لا يعد مفاجئاً بعد صدور تقارير صحفية تفيد تسلم بعض قضاتها لهدايا واستغلالهم مناصبهم للانتفاع المادي بعدة صور.

وطبعاً حدث ولا حرج عن التدهور في قدرات بايدن الذهنية وسقطاته – الحرفية – في المحافل.

لقد سقطت على مر العصور أمم أشد من أمريكا قوة لم يجتمع عليها عشر معشار عوامل الانهيار التي اجتمعت على أمريكا؛ فهي مسألة وقت ليس إلا.

لم ينته التاريخ بعد، غداً يرث الأرض عباد الله الصالحون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا