جمعة، رجل من دارفور، يعيش في مأوى متواضع في بلدة حدودية مزدحمة باللاجئين شرق تشاد التي نزح إليها مع أطفاله، بعد أن قُتلت زوجته على يد ميليشيا متحالفة مع قوات الدعم السريع على الطريق من “الجنينة” إلى “أدري”.
اضطر زوجها إلى حملها على ظهره وهي مصابة حتى ماتت، فاضطر حينئذ إلى تركها على قارعة الطريق.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها جمعة في الحصول على المساعدات له ولأبنائه، إلا أن وضعه يعد نموذجيًا إذا قورن بأوضاع أكثر من نصف مليون من سكان دارفور الذين ألجأتهم قوات الدعم السريع إلى الفرار إلى تشاد المجاورة.
لقد أدت الحرب منذ اندلاعها إلى نزوح ثمانية ملايين سوداني في المجمل.
وبوجه خاص، فقد تم تهجير نصف مليون من سكان دارفور إلى تشاد من قبل قوات الدعم السريع، حيث لا يوجد إلا القليل من الطعام، والملاجئ والأدوية لا تسد الحاجة.
ضحايا الاغتصاب لا يحصلن على مساعدة تُذكر
من النساء والفتيات من تعرضن للاغتصاب في دارفور على يد مقاتلي قوات الدعم السريع، ومنهن من يلدن الآن في المخيمات.
وأخريات تعرضن لاعتداءات جنسية مروعة منذ عبورهن إلى تشاد، ولكنهن لم يتلقين أية مساعدة تقريبًا.
اليأس إحدى الراحتين
حافظ هارون، صحفي استقصائي قام بأكثر من زيارة لـ”أدري”، قال: “لقد كان توثيق هذا الإهمال كصحفي سوداني من دارفور أمرًا صعبًا”.
“أفكر في حالات مثل أوكرانيا، حيث تم توفير الطعام والمأوى للاجئين. لماذا في هذه الحالة يُترك السودانيون ليموتوا، ويُعاملون وكأنهم ليسوا بشراً أصلاً؟”.
وأضاف حافظ: “هذا الإهمال شكل دافعاً لدى العديد من اللاجئين إلى التوقف عن الاعتماد على المجتمع الدولي؛ ويشمل ذلك جماعات الإغاثة، ووسائل الإعلام التي بالكاد تغطي الأزمة، والمؤسسات الدولية التي خذلت أهل دارفور لعقود من الزمن”.
“وبدلاً من ذلك، بدأ اللاجئون في إنشاء شبكات للمساعدة. فمن المعلمين الدارفوريين من أنشأوا مدارس في تشاد، وهناك أطباء افتتحوا عيادات، ومن الأشخاص ذوي العقلية التجارية من يقومون ببناء المطاعم في المخيمات”.
“ومع ذلك، لا يوجد مستقبل للاجئين في تشاد، حتى لو أصبح لدى المنظمات الإنسانية فجأة المزيد من الأموال لإنفاقها. إن ما يحتاجه أهل دارفور وكل السودانيين هو القدرة على العودة إلى ديارنا التي افتقدناها بشدة”.
“الجميع لديه سلاح والميليشيات في كل مكان”
معظم اللاجئين في تشاد هم من ولاية غرب دارفور وينتمون إلى مجموعة المساليت العرقية، ولهم تاريخ طويل من استهدافهم من قبل قوات الدعم السريع، التي تطورت من ميليشيات الجنجويد في دارفور، وتأسست في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
في العام الماضي، بدأ مقاتلو قوات الدعم السريع بمهاجمة مناطق المساليت في “الجنينة”، عاصمة غرب دارفور، وورد أن نحو 15 ألف مدني قُتلوا بين رمضان 1444هـ (إبريل 2023م) وربيع ثاني/ جمادى الأولى 1445هـ (نوفمبر 2023م). وفر معظم اللاجئين من “الجنينة” إلى بلدة ”أدري” الحدودية التشادية، حيث كان من المفترض أن يحصلوا على بطاقات تسجيل اللاجئين وينتقلوا إلى المخيمات المشيدة حديثاً أو إلى المستوطنات القديمة التي بنيت خلال الصراع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن قدرة هذه المخيمات محدودة، ويتعين على اللاجئين المحاولة لأسابيع أو حتى أشهر حتى يحصلوا على بطاقاتهم. ولذلك لا يزال الكثيرون عالقين في “أدري”، حيث يموت الأطفال بسبب سوء التغذية، ويموت البالغون بسبب أمراض يمكن علاجها، ويصطف الناس لمدة يوم بأكمله للحصول على الغذاء من وكالات الإغاثة.
ووفق قادة المجتمع المحلي فإن آلاف اللاجئين لم يتلقوا أي مساعدة، في حين أن أولئك الذين تلقوا المساعدات بالفعل كان نصيبهم منها زهيداً جداً.
وفي الوقت نفسه، تمنع السلطات المحلية اللاجئين غير المسجلين من السفر خارج “أدري” دون دفع رسوم.
وهذا يمنع الناس من مقابلة أقاربهم وأصدقائهم، ويعوق قدرتهم على العثور على عمل، أو الذهاب للعلاج في مستشفيات خارج المدينة.
لقد بلغ الوضع درجة من السوء جعلت بعض العائلات تحاول العودة إلى “الجنينة”، إما لجمع المحاصيل من مزارعهم أو لمعرفة ما إذا كان الوضع قد تحسن.
لكن الكثيرون ممن عادوا إلى “الجنينة”، لم يلبثوا فيها طويلاً.
إحدى النساء عادت مع عائلتها ثم غادرت بسرعة، بعد أن حاولت قوات الدعم السريع تجنيد ابنها.
قالت: “الجميع لديه سلاح والميليشيات في كل مكان”.
“لم تعد “الجنينة” هي “الجنينة”، أصبحت مدينة أخرى؛ لا يمكننا العودة إلى هناك.”
“لقد دمروا ابنتي”
وعلى الرغم من أنه يتم منح أولئك الذين تمكنوا من مغادرة “أدري” إلى المخيمات المبنية حديثاً، قطعاً من الأرض وملاجيء أفضل، لكنها مستوطنات معزولة، وليس لديها اتصال بالإنترنت والهاتف، وتفتقر إلى البنية التحتية الأساسية.
كما يقول السكان إنهم غير آمنين.
في مخيم “أورانغ” الذي تم افتتاحه مؤخراً، قال مسؤولو المستشفى أنهم سجلوا 14 حالة اغتصاب ارتكبت ضد النساء والفتيات اللاجئات على يد رجال محليين بين محرم/صفر 1445هـ (أغسطس 2023م) وجمادى الأولى 1445هـ (ديسمبر 2023م).
إحداهن يبلغ عمرها 13 عاماً، وقال والدها أنها كانت تعمل في كشك شاي في المخيم، عندما هاجمها ثلاثة من السكان المحليين وسحبوها على دراجة نارية.
وأضاف أن أحد الجناة ابن زعيم محلي، وأن الشرطة ألقت القبض عليه بعد الهجوم، لكن تم إطلاق سراحه بعد أن دفع غرامة قدرها 100 دولار تقريبًا.
قال الأب: “لقد دمروا ابنتي؛ لم يعد بإمكاننا البقاء هنا لأن بناتنا يواجهن هذه المخاطر المستمرة التي تهدد حياتهن”.
وكالات الأنباء
اترك تعليقاً