جمال البس: شبح صيدنايا.. شاهد على الجحيم لكنه لا يذكره!

79a0ef30953327fa4cc572db96b56711

في أحد أسرّة الإسعاف بمشفى المجتهد بدمشق، وتحديدًا في قسم المراقبة، يرقد جمال حاج علي، المعروف باسم جمال البس، ضحية أخرى خرجت من جحيم صيدنايا، بجسد متهالك وذاكرة محطّمة. التقت به زمان الوصل داخل المشفى، ووثّقت حالته المأساوية التي تعكس جانبًا من واقع المعتقلين الناجين من قبضة الموت، ولكن بعد أن خسروا كل شيء.

من الحجر الأسود إلى صيدنايا… ثم العدم

جمال، ابن مدينة الحجر الأسود جنوبي دمشق، اختفى منذ 1439هـ (أواخر 2018م) بعد أن طُرد مع آلاف المدنيين في سياق حملات التهجير القسري جنوب العاصمة، التي جرت بضمانات روسية تقضي بعدم المساس بالمدنيين. إلا أن تلك الضمانات ما لبثت أن خُرقت، ليقع جمال في قبضة الأجهزة الأمنية، وينتهي به المطاف في سجن صيدنايا، حيث أمضى سنواته الست الأخيرة في عزلة مطلقة وتعذيب ممنهج.

شاهد على الجحيم… لكنه لا يذكره

لم يخرج جمال من صيدنايا كحرّ، بل كجسد شبه ميت. بعد سقوط النظام، لجأ إلى محرس أمني مهجور قرب حي التضامن، وعاش فيه كالأشباح، لا يعرف أن البلاد تغيّرت وأن الأسد سقط. عقله لم يحتمل ما مرّ به، فقطع الصلة بالعالم. أمضى قرابة أربعة أشهر في تلك العزلة، فاقدًا للوعي الزمني والمكاني.

٢٠٢٥٠٤٠٩ ٢٣٣٧٣٣

عودة إلى الضوء عبر الألم

مؤخراً، أُسعف جمال إلى مشفى المجتهد بسبب أزمة صحية حادة، كشفت النقاب عن قصته. بحسب الكادر الطبي، يعاني جمال من فشل شبه كامل في وظائفه الحيوية، والكليتان شبه متوقفتين عن العمل، إضافة إلى انسدادات حادة في مجاري البول نتيجة الحصى. كما يعاني من فقدان حاد للذاكرة وحالة نفسية حرجة. تعرفت عليه عائلته من ملامحه وصور قديمة، لكنه لم يتعرف على أحد. زارته إحدى قريباته لمرة واحدة ولمدة ساعة، لتخرج منهارة من هول ما رأت.

عناية مستحقة… وإن أتت متأخرة

في مشفى المجتهد، لقي جمال شيئًا من العناية الإنسانية التي افتقدها لسنوات. اعتنى به بعض أفراد الكادر الطبي بجهدٍ شخصي؛ حلقوا شعر رأسه ولحيته، وأشرفوا على تنظيفه بعناية واهتمام واضح، في محاولة لإعادة شيء من كرامته المهدورة.

هذا ليس إنقاذًا… بل تأجيل للوداع

جمال، الذي كان يومًا ما شابًا من أبناء الحجر الأسود، يقضي الآن أيامه الأخيرة بين الأجهزة الطبية، بعدما قضت آلة النظام على ما تبقّى منه: الذاكرة، الجسد، والكرامة.

قصته لا تحتاج تعليقًا… بل محاكمة.

نقلا عن جريدة “زمان الوصل”.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا