خرج مراسلنا عبد الله ورفيقاه أحمد وعمر في رحلة طويلة من العاصمة البنغلاديشية دكا إلى مخيم كوكس بزار، أكبر مخيم للاجئين الروهينجا في البلاد، حيث استغرقت الرحلة نحو 10 ساعات، عاشها الثلاثة بمشاعر شوق لتفقد حال إخوانهم المسلمين في المخيم.
لقد كان هدف عبد الله ورفيقيه هو تقصي حال الأطفال ومدارس التعليم في مخيم اللاجئين وتفقد احتياجاتهم.
كانت الرحلة ليلا وقد تمكنوا من أخذ استراحات قصيرة في الطريق وفور وصولهم صباحا إلى المخيم، انطلقوا في رحلة استكشافية بين مرافقه المختلفة.
الإبادة العرقية دفعتهم إلى كوكس بزار
يقول عبد الله: “لقد جاء الروهينجا إلى أوخيا وتكناف في منطقة كوكس بازار للنجاة بحياتهم من الموت الذي كان يطاردهم في ميانمار على إثر الإبادة العرقية التي عرفتها البلاد عام 1445هـ (2017م)”.
وقال:”إنهم يعيشون في المخيم الكبير الذي يحتضن أكثر من مليون و100 لاجئ روهينجي يتحدثون اللغة البورمية، ويمكن للكثيرين منهم التحدث بمزيج من اللغات العربية والأردية والبنغالية”.
المدارس المحلية للتعليم
زار عبد الله المدارس المحلية في المخيم، ويقول في تقييمه العام للمستوى الدراسي للأطفال: “لقد وجدنا الأطفال بمستويات متباينة، ويمكنهم القراءة والكتابة، ولديهم مستوى معرفي مقبول ولكن لا يزال هناك الكثير من الأطفال لم يلتحقوا بمقاعد التعليم”.
وأضاف:” البعض يدرس في المدارس الإسلامية التي تتوفر بشكل كبير هنا، والبعض يدرس في المدارس الرسمية ولكنها لا تلبي حاجات الروهينجا التعليمية”،” وفي الواقع “فأغلبهم في حالة عجز وضعف دراسي”.
وقال عبد الله لقد وفرت المدارس الإسلامية الحد الأدنى الواجب من التعليم بتلقين القرآن الكريم والتربية الإسلامية اللازمة للأجيال، ومع أن جهود المعلمين كبيرة في هذا الشأن إلا أن أكبر عقبة أمامها هي قلة ذات اليد.
إن دعم المدارس الإسلامية الروهينجية يشكل أحد الأسباب الأهم في إنقاذ الأطفال من الجهل والأمية وصياغتهم كجيل مسلم قادر على تحمل أعباء الحياة ومخاطرها.
لاحظ عبد الله سعادة الأطفال بقدوم زائر مسلم يتفقد مدرستهم، لقد كانت ابتساماتهم تملأ وجوههم، وكانت أعينهم تبرق فرحا بالاهتمام الذي كانوا بحاجة له.
كما لاحظ عبد الله أن الفتيات الروهينجيات يرتدين جميعا الحجاب وقال:”خلال زيارتنا لم نر النساء خارج المنازل، وأكثر من شاهدنا كان الأطفال”.
وعن واقع أسرهن قال عبد الله:” أغلب الأسر هنا تحتضن من 6 إلى 7 أطفال”.
واقع لا يزال بحاجة لدعم
وعن واقع الدعوة في المخيم، قال عبد الله:”يجد اللاجئون الروهينجيون العديد من الدعاة المحليين الذي يوفرون لهم الدروس الدعوية، على الرغم من وجود عدد قليل من المساجد”. وهم بحاجة لدعمهم من حيث زيارة الدعاة من الخارج وتوفير البرامج والمواد والكتب الإسلامية.
وبالموازاة مع قلة المساجد وضعف بنائها، فإن وضع المساكن في أكبر مخيم للاجئين في بنغلاديش ليس مبشرا، قال عبد الله:” تقع العديد من خيام الروهينجا على الجبل والمناطق المرتفعة وهي خيام صغيرة تعيش فيها أسر مكونة من عدد يناهز العشرة أفراد”.
يهدد هذه البيوت الهشة التقلبات الجوية من رياح وأمطار غزيرة وسيول جارفة.
وهي بيوت مصنوعة من الخيزران والأقمشة والبلاستك والمواد البدائية.
قال عبد الله:”البيوت في المخيم صغيرة مصنوعة من القصدير والبولي ايثيلين. وهي مزدحمة من حيث عدد ساكينها، فبعض العائلات تعيش مع أصهارها”.
وأضاف:” مساحة البيت هي الداخلية فقط فلا يوجد ساحة خارجية للبيت ولا حوله، إنما تتجاور البيوت، فبجانب كل بيت بيت آخر ملتصق به، أما نظام الصرف الصحي فهو مؤسف وسيء”.
لقد كانت بيوت الروهينجا قبل 20 سنة أفضل من هذه. كما يقول الروهينجا.
المنظمات الدولية في كوكس بزار
تنشط في المخيم أكثر من 100 منظمة إنسانية في محاولة لتقديم خدمات للروهينجا ومن بينها منظمات إسلامية. لكن خدماتها لا تزال محدودة وبالكاد تلبي الاحتياجات الأساسية للاجئين خاصة بعد خفض المساعدات الدولية للمخيمات بسبب نقص التمويل الذي أعقب الأزمة الاقتصادية العالمية وتغير أولويات النظام الدولي مع استمرار الصراعات.
موقع جغرافي سياحي
زار عبد الله ورفيقاه عدة أماكن في المنطقة منها شاطئ كوكس بازار، وجزر سانت مارتن، ونهر ناف، وخليج البنغال وهي منطقة تتميز بطبيعة جميلة ومناظرة خلابة.
ويبلغ طول شاطئ كوكس بازار 120 كيلومترًا، وهو أطول شاطئ طبيعي متواصل في العالم.
ومما يميز هذا الشاطئ أنه بأكمله رملي ويحتوي على أنواع الشعاب المرجانية الغنية بالقواقع والمحار.
أما جزيرة سانت مارتن فهي جزيرة مرجانية صغيرة لا تتجاوز مساحتها 8 كيلومترات مربعة فقط وهي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من خليج البنغال في أقصى جنوب بنغلاديش. تقع على بعد حوالي 9 كم جنوب تكناف في منطقة كوكس بازار و8 كم غرب ساحل ميانمار عند مصب نهر ناف.
يُطلق عليه محليًا أيضًا اسم جوز الهند جينجيرا بسبب وفرة جوز الهند فيها.
قال عبد الله:”تتوفر العديد من المزارع السمكية في سانت مارتن. والكثير من الأسواق البحرية”.
أما نهر ناف هو نهر في منطقة كوكس بازار في المنطقة الجبلية الشرقية من بنغلاديش. ويبلغ طول النهر 63 كم، ومتوسط عرضه 1364م، وهو متعرج بطبيعته.
يبلغ متوسط عمق نهر ناف 128 قدمًا (39 مترًا)، ويبلغ أقصى عمق له 400 قدم (120 مترًا).
ومن خلال هذا النهر وصلت جموع اللاجئين الروهينجا الفارين بحياتهم من ميانيمار إلى بنغلاديش.
ثم خليج البنغال وهو أكبر خليج في العالم. وهو خليج مثلث الشكل تقريبًا يقع في الجزء الشمالي من المحيط الهندي. وتقع الهند وسريلانكا على الجانب الغربي من هذا الخليج، وتقع الهند وبنغلاديش على الجانب الشمالي، وميانمار وتايلاند على الجانب الشرقي. وفي منتصف خليج البنغال تقع جزر أندامان ونيكوبار التابعة للهند.
تنضم عدة أنهار كبيرة إلى هذا الخليج. ومن أبرزها نهر الجانج وروافده الرئيسية بادما وهوغلي، وبراهمابوترا وروافده يامونا وميجنا، وإيراوادي، وجودافاري، وماهانادي، وكريشنا، وسوبارناريكا، وكافيري وغيرها.
ومن الموانئ الهامة القريبة من خليج البنغال ميناء تشيناي، ميناء شيتاغونغ، ميناء بايرا، وكولكاتا، وهالديا، ومانغالا، وباراديب، وتوتيكورين، وفيساكاباتنام ويانغون.
قال عبد الله:”تستغرق الرحلة من دكا إلى أوخيا 11 ساعة. ويستغرق السفر من دكا إلى تكناف 13 ساعة و16 ساعة للسفر من دكا إلى سانت مارتن. يستغرق السفر من دكا إلى كوكس بازار 10 ساعات”.
احتياجات المسلمين الروهينجا في كوكس بزار
خلال حديثه مع الروهينجا في مخيم كوكس بزار لاحظ عبد الله أنهم بحاجة لمستلزمات العيد المختلفة من ثياب وأحذية ومواد غذائية لمناسبة الأعياد كي يستشعروا أنها بالفعل أعياد تختلف عن بقية الأيام. فما لدى الأسر لا يكفي الاحتياجات الأساسية في أيام السنة فكيف بحال الأعياد.
كما أن لديهم حاجة للمساعدة في توفير الإفطارات الرمضانية، حيث يوجد الكثير من الأيتام والأرامل والأسر المعدمة، التي تعيش على الإفطارات الجماعية والتي يتم تمويلها من التبرعات التي تصل المخيم وهي لا تزال قليلة.
ولعل أكثر ما تحتاجه الأسر الروهينجية، توفير فرص عمل للفتيات الأكبر سنا مثل توفير آلات الخياطة، للحياكة وكل فكرة اكتفاء ذاتي لتوفير مصدر دخل يغطي الاحتياجات الأساسية.
إضافة إلى دعم المدارس المحلية وتوفير حاجيات الأطفال المدرسية من الكتب والدفاتر والمصاحف والملابس وتأمين الطعام للمدارس بشكل مستمر.
الصور الثلاثة أعلاه من عدسة المصور الأركاني عبد الله
يقول عبد الله أن الروهينجا مثل البنغلاديشيين محافظون على زيهم الإسلامي فتجد الرجال يلبسون الإزار والبنجابي والنساء الحجاب الشرعي الذي لم يتخلين عنه حتى في أصعب الرحلات في البحر التي تطول أسابيع وأشهرا.
ما الذي يجعل نساء الروهينجا المسلمات بهذا الحرص على لبس الحجاب والستر رغم مصابهن الجلل وحجم النازلة التي ابتلين بها!
إنها الفطرة السليمة والقلوب التي لم تتلوث بدعوات الغرب وخداعه.
نساء الروهينجا الأبيّات حجة على ملايين النساء المضيعات لفريضة الحجاب في زماننا. فرج الله عنهن وثبتهن.
ليلى حمدان
ويفتقد الروهينجا لمد الجسور مع المسلمين في بقية العالم للتخفيف من أزمتهم وشد أزرهم وتلبية احتياجاتهم المصيرية التي في مقدمتها يأتي التعليم.
فالبرامج الدولية للتعليم تهمل التربية الإسلامية وتعمل على صياغة جيل علماني منفك عن دينه، بينما المدارس الإسلامية تسعى لسد الفجوة والاستغناء عن المناهج الدولية غير الإسلامية بإمكانياتها الضعيفة ما يوجب دعمها من المسلمين في بقية العالم، دعما مؤسساتيا يسمح بتأمين تعليم كفؤ مستمر يخرج لنا أجيال مسلمة قوية.
ويمكن لأجل ذلك إرسال معلمين متطوعين خلال العطل، وتدريب معلمين من الروهينجا في بعثات دراسية وأيضا توفير الكتب والمواد الدراسية وإرسالها إلى المدارس المعنية.
انتهت رحلة عبد الله بين المدارس والخيام في كوكس بزار إلى الشاطئ وتأمل طبيعة البلاد والتخطيط لرحلة جديدة لمتابعة تطورات الحياة في هذا المخيم لإيصال صوت المسلمين فيه للعالم لعل في ذلك استجابة لائقة لأمة تأخذ بوصية نبيها صلى الله عليه وسلم:” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
لقد اعتنى هذا التقرير بجانب محدود من واقع واحتياجات الروهينجا التي هي حتما أكبر من حجم التقرير، وستواصل “وصل” التغطية بما يسمح بتقديم الحلول ومد الجسور مع المسلمين في كل أنحاء العالم.
اترك تعليقاً