كثيرًا ما يُنظر إلى الروهينجا كمسألة ثنائية بين ميانمار وبنغلاديش. ويُظهر تقرير حديث صادر عن منظمة “أطباء بلا حدود” بعنوان “ما وراء الأسلاك” أن هناك 2.8 مليون من الروهينجا حول العالم، لا يتجاوز عدد الذين بقوا في ميانمار منهم نسبة 23%، في تذكير صارخ بفعالية عقود من القمع والتمييز. وبالإضافة إلى ميانمار، تستضيف أربع دول العدد الأكبر من الروهينجا: بنغلاديش بمليون و100 ألف، وباكستان بـ400 ألف، والسعودية بـ340 ألف، وماليزيا بـ210 ألف.
تختلف أوضاع الروهينجا في هذه الدول. ففي السعودية وباكستان، على سبيل المثال، وصل معظم الروهينجا منذ عقود، ولم يشهد أطفالهم وطن أجدادهم قط. وتبين لمنظمة “أطباء بلا حدود” أن 76% من الروهينجا الذين فروا خلال السنوات الخمس الماضية يرغبون في العودة إلى ميانمار، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 28% فقط بين أولئك الذين أمضوا أكثر من 20 عامًا في المنفى. وهذا يشير إلى أن الحلول يجب أن تُصمم خصيصًا لتلائم الظروف، مسترشدة بأهداف الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين لعام 1439هـ (2018م)، بما في ذلك تخفيف الضغوط على دول الاستضافة، وتعزيز اعتماد اللاجئين على أنفسهم، وتوسيع فرص الوصول إلى حلول في بلدان أخرى، ودعم ظروف العودة الآمنة والكريمة في الدول الأصلية.
نظرًا للعدد الكبير من الروهينجا في بنغلاديش، وحقيقة أن معظمهم غادروا ميانمار بين عامي 1437-1438هـ (2016 و2017م)، فإن تركيز دكا في بنغلاديش على إعادة التوطين في راخين كحل أساسي للأزمة يبدو منطقيًا. كما أن تجديد جهودها لبدء عودة اللاجئين يمكن فهمه. إلا أن التجارب أثبتت أن الضغط للإسراع قد يؤدي إلى استمرار ظاهرة “الباب الدوار” التي شوهدت منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تتبع الهروب من ميانمار العودة من بنغلاديش قبل أن تتكرر الدائرة مرة أخرى. وإذا لم تُعالج الأسباب الجذرية لأزمة الروهينجا، سيظل التقدم والاستقرار المنشودان بعيدَي المنال، مما يؤدي إلى تزايد الآثار السلبية على المنطقة بأسرها.
الانتقال من النهج المركزي للدولة
تعكس المناقشات والقرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة نهجًا تقليديًا يركز على الدولة، يقوم على افتراض أن حكومة مركزية في ميانمار قادرة على تشكيل الحياة السياسية في جميع أجزائها. إلا أن الإشارات المتكررة إلى “ميانمار” تبدو أنها تُحصر في النظام العسكري فقط، في وقت فقد فيه مجلس إدارة الدولة (SAC) السيطرة على معظم البلاد. وفي راخين، بالكاد يحتفظ بوجود رمزي يقتصر على العاصمة سيتوي، وجزيرة موناونغ، وأجزاء صغيرة من بلدات كياوكفيو وغوا، مع توقع سقوط الأخيرة قريبًا.
لكن حتى قبل صعود جيش أراكان كقوة رئيسية، فشل النهج المركزي بالفعل. فمنذ عام 1438هـ (2017م)، حاولت الصين مرارًا التوسط لبدء إعادة توطين الروهينجا بين بنغلاديش وسلطات ميانمار، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل إلى حد كبير بسبب استبعاد كل من الروهينجا وشعب راخين، الأغلبية في الولاية. وبعد الانقلاب العسكري في عام 1442هـ (2021م)، كانت المحاولات لاستئناف إعادة التوطين أقل نجاحًا. وإذا لم يعترف المجتمع الدولي بسيطرة جيش أراكان الفعلية على الأرض، سيظل التقدم في قضايا إعادة التوطين وغيرها من المسائل العاجلة المتعلقة بالروهينجا مجرد سراب.
هناك حاجة إلى نهج أكثر براغماتية. بالنسبة لمنظمي مؤتمرات الروهينجا، يعني هذا ضرورة التواصل مع جيش أراكان. لكن بنغلاديش لا تزال مترددة في التعامل مع كيان غير حكومي، حتى عندما يكون من الواضح أنه السلطة الفعلية في راخين.
ورغم أن الاعتراف الكامل بجيش أراكان قد يكون بعيد المنال، إلا أن التعاون في مجالات المصالح المشتركة يخدم مصلحة الطرفين. يمكن أن يشمل ذلك إنشاء ممر إنساني إلى راخين لتقديم المساعدات الإنسانية لجميع المجتمعات المحتاجة، والتصدي للجرائم عبر الحدود، واستئناف التجارة الثنائية. وفي هذا الصدد، يمكن لدكا أن تستفيد من تجارب جيران ميانمار الآخرين، مثل الصين وتايلاند، في التعامل مع الكيانات غير الحكومية على طول حدودهم المشتركة.
في الوقت الراهن، يبقى من غير الواضح شكل الدولة التي ستنشأ في راخين لتحل محل النظام السابق. وقد أوضحت قيادة جيش أراكان رفضها للماضي السياسي القريب، الذي ركز السلطة في العاصمة نايبيداو، وأحيانًا تقترح هيكلًا كونفدراليًا دون استبعاد خيارات أخرى. وخلال السنوات القليلة الماضية، وسّعت “رابطة أراكان المتحدة”، الجناح المدني لجيش أراكان، من خدماتها الإدارية والقضائية في أجزاء من راخين، وبدأت في تدريب المزيد من الكوادر المدنية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوات لا تعدو كونها بداية نحو بناء قدر أكبر من الحكم الذاتي.

لاجئ من الروهينجا يحمل طفله وهو يحمل مواد إغاثة في مخيم في أوخيا ببنغلاديش.
المصدر: Frontier Myanmar
اترك تعليقاً