خلَّف الانسحاب للقوات العسكرية الأمريكية – والذي سينتهي بحلول منتصف سبتمبر المقبل – وانسحاب القوات العسكرية الفرنسية في جمادى الآخرة 1445 هـ (ديسمبر 2023)، من النيجر، فراغًا كبيرًا في منطقة الساحل في إفريقيا.
وهو ما يوفر فرصًا ضخمة لجهات فاعلة مثل الصين، والتي يتزايد نفوذها في النيجر بشكل مطرد.
إن الانسحاب العسكري من النيجر من قِبل القوات الأمريكية والفرنسية يفتح فرصة متعددة الجوانب أمام الصين للاستثمار في النيجر، عوضًا عن الاقتصار على التعاون الاقتصادي، والانتقال إلى جهود التعاون العسكري الثنائي المحتملة مستقبلاً.
في 8 محرم 1445 هـ (26 يوليو 2023) ، قامت عدة فصائل من القوات المسلحة النيجرية بالوصول إلى السلطة من خلال انقلاب، واعتقلت الرئيس آنذاك، محمد بازوم، ونصبت الجنرال عبد الرحمن تياني، قائد الحرس الرئاسي النيجري، رئيسًا جديدًا للدولة.
وبينما نددت الولايات المتحدة وفرنسا وعدة دول أخرى بالحدث، تجنبت الصين أي تصريحات “مثيرة للجدل”، ورفضت تسمية ما وقع “انقلابًا” وعبرت عن أملها في “حل سياسي”.
كان التزام الصين بسياسة عدم التدخل في هذا الموقف، مما مكنها من توسيع مدى نفوذها في المنطقة.
كما لعبت الصين دورًا مهمًا في تطوير البنية التحتية في النيجر، مع التركيز بشكل كبير على استخلاص الموارد الطبيعية في البلاد، وفي الصدارة منها النفط واليورانيوم.
وتعود قوة قطاعات صناعة النفط وتكرير البترول في النيجر إلى استثمارات شركة بتروتشاينا، الذراع التجارية لمؤسسة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة الصينية (CNPC)، في البنية التحتية.
كما استثمرت شركة بتروتشاينا في مصفاة سوراز (SORAZ)، التي تم افتتاحها في 1432 هـ (2011).
يعود تاريخ بتروتشاينا الطويل في النيجر إلى عام 1429 هـ (2008)، عندما قامت الشركة بتعزيز شراكاتها في المنطقة، في وقت تخلت فيه الغالبية عنها بسبب زيادة الصراعات المسلحة في البلاد.
وتجدر الإشارة بأن النيجر موطن لرواسب اليورانيوم الكبيرة التي تشكل تقريبًا %5 من مخرجات التعدين العالمي .
الشركات المملوكة للدولة الصينية – المؤسسة الوطنية النووية الصينية (CNNC)، وشركة الصين النووية الدولية لليورانيوم (SinoU)، بالإضافة إلى شركة (SOMINA) – هي من بين أكبر الشركات غير النيجرية، إن لم تكن أكبرها، والتي تعمل حاليًا في صناعة اليورانيوم في البلاد.
كما قدم بنك إكسيم (Eximbank)، المملوك للدولة الصينية أيضًا، قرضًا بقيمة تزيد عن 90 مليون دولار للحكومة النيجرية لتطوير مشروع منجم أزيليك لليورانيوم في 1430 هـ (2009) ، مما عزز من قدرة الصين على تأمين مخزونات اليورانيوم في النيجر.
وفي ذو الحجة 1445 هـ (يونيو 2024)، تم طرد شركة التعدين الفرنسية المملوكة للدولة الفرنسية، أورانو (أريفا سابقًا)، من النيجر.
وكانت أورانو سابقًا، تحتكر بحكم الأمر الواقع، استخراج اليورانيوم في المنطقة حتى عام 1428 هـ (2007).
وكانت الصين أيضًا وراء مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق الأخرى في النيجر، بما في ذلك خط السكك الحديدية بين مارادي في النيجر وكانو في نيجيريا؛ والذي بلغت قيمته 1.3 مليار دولار، ومشروع سد كانداجي للطاقة الكهرومائية بقيمة 800 مليون دولار .
انسحاب القوات الأميركية والفرنسية من النيجر يتسبب في تغيير كبير في المشهد الأمني الإقليمي
لقد أصبحت أمام الصين فرصة أكبر لتوسيع وجودها العسكري في النيجر.
ورغم أنه من غير المرجح أن تحل الصين محل الوجود العسكري الغربي بشكل مباشر، فإنها قد تقدم المساعدة الأمنية في شكل مبيعات المعدات.
وتوجد سابقة لهذا بالفعل، حيث تستخدم النيجر ناقلات الجنود المدرعة الصينية من طراز WZ551، من بين أنواع أخرى من المعدات.
كما تستطيع الصين أن تزيد من مشاركتها العسكرية مع الجيش النيجري من خلال التدريبات الثنائية، والتبادلات العسكرية مع الجيش النيجري.
الصين استخدمت مثل هذه السياسات بالفعل في – على سبيل المثال لا الحصر – تعزيز التعاون الثنائي مع جيران النيجر، والمشاركة في التدريبات المشتركة مع البحرية النيجيرية، والحفاظ على وجود مستمر لما تُسمى بقوات حفظ السلام الصينية في مالي.
كما توجد بلدان أخرى في غرب إفريقيا قد تحذو حذو النيجر، مثل تشاد المجاورة، والتي هددت بإخراج القوات الأميركية من أراضيها.
إن توسع الوجود العسكري الصيني في النيجر وإفريقيا أمر يجب مراقبته عن كثب في السنوات القادمة بحسب المراقبين الأمريكيين. وهو بالضبط ما تعتزم الولايات المتحدة فعله.
ترقب أمريكي
ففي حوار أدلى به قائد القوات الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM)، مايكل لانغلي، إلى منصة فوكس نيوز ديجيتال، عبر مايكل عن القلق الأمريكي من التحركات الصينية في إفريقيا.
قال مايكل أنه “في بعض الأحيان تكون لديهم تطلعات تتعلق بالقدرات والإمكانات العسكرية”.
“لديهم بالفعل قاعدة في جيبوتي. وسيتبين مع الوقت مدى تطلعاتهم … نحن نراقب طوال الوقت ما هي النوايا العالمية الشاملة لجمهورية الصين الشعبية في المجال الاستراتيجي”.
اترك تعليقاً