في الخامس من شهر رمضان الحالي (16 مارس)، خرج المتحدث باسم الجيش المالي على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن أن الجيش نفذ غارة في المنطقة استهدفت “المقاتلين الإسلاميين”.
كان ذلك بعد ساعات قليلة من سقوط قنبلتين على بلدة أماسراكاد في مالي؛ حيث انفجرت القنبلة الأولى على بعد مسافة يسيرة من عيادة صحية بالقرية – مما أدى إلى فرار الناس والحيوانات – وأصابت القنبلة الثانية سقيفة مجاورة.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فقد أدت تلك غارات والتي تم شنها بواسطة طائرات بدون طيار، إلى مقتل طفل و13 امرأة بالإضافة إلى إصابة عشرات الأشخاص.
بلدة أماسراكاد والتي تقع على بعد 160كم شمال شرق مدينة جاو
في اليوم التالي، أدى هجوم آخر بواسطة طائرة بدون طيار على الجانب الآخر من القارة في الصومال إلى مقتل أكثر من 20 مدنيًا، وهو ما يشير إلى كيفية تغيير الطائرات بدون طيار القتالية الأجنبية الصنع لأسلوب الحرب في جميع أنحاء أفريقيا – من الحرب الأهلية في إثيوبيا وصراع الجيش وقوات الدعم السريع السودان، إلى محاربة حركات التمرد الإسلامية في نيجيريا، والصومال، ومنطقة الساحل.
الاتفاقيات الأمنية وإهدار أمن الأبرياء
على مدى السنوات الخمس الماضية، لجأت الحكومات الأفريقية – التي تعاني من نقص الموارد المالية وسوء تجهيز جيوشها – إلى الحصول على طائرات بدون طيار من شركات مثل شركة بايكار التركية، وشركة صناعة الطيران (Aviation Industry Corp) الصينية والتي تعود ملكيتها لبكين.
وغالبًا يتم الحصول على مثل هذه الطائرات كجزء من اتفاقيات أمنية ثنائية، وتكون تكلفة الحصول عليها أقل بكثير من الطائرات المقاتلة التقليدية.
صورة لهالوك بيرقدار، للرئيس التنفيذي لشركة بايكار التركية أثناء تكريمه في القصر الرئاسي بمالي
في الوقت نفسه، ارتفع عدد الوفيات بين المدنيين بسبب الغارات الجوية والطائرات بدون طيار في أفريقيا إلى 1418 في عام 1444هـ (2023م) من 149 في عام 1441هـ (2020م)، وفقًا لـ “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها”.
وقالت كورين دوفكا، المحللة المستقلة لشؤون منطقة الساحل والمديرة السابقة لبرنامج غرب أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن الفشل في التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية كان منذ فترة طويلة سمة من سمات العمليات البرية”.
“إن مقتل العشرات من المدنيين خلال هجمات الطائرات بدون طيار على الأسواق المزدحمة والجنازات، وخاصة في بوركينا فاسو، يشير إلى أن الشيء نفسه يمكن أن يحدث بسبب العمليات الجوية.”
وقال ناثان ألين، الأستاذ المشارك في مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية: “نرى نمطًا من استخدام التكنولوجيا بطرق تسبب قدرًا هائلاً من الضرر للمدنيين”.
وينبع ذلك من قضية أوسع تواجه الدول الأفريقية، ففي العديد منها، تشيع وفيات المدنيين أثناء العمليات العسكرية، وخاصة تلك التي تواجه حركات تمرد مسلحة، بسبب ضعف تدريب الجيوش أو القادة الذين لا يهتمون كثيرًا بتلك الأمور.
خيار أرخص
وفي بحث صدر عام 1443/1444 هـ (2022م)، وجد ناثان أن أكثر من ثلث الدول الأفريقية حصلت على طائرات بدون طيار.
وهو يعتقد الآن أن الغالبية العظمى – وربما كل الجيوش الأفريقية – تمتلك التكنولوجيا، سواء للمراقبة أو العمليات القتالية.
أنواع الطائرات بدون طيار المصممة لأغراض قتالية والتي تستخدمها معظم الحكومات الأفريقية – والتي تكلف حسب بعض التقديرات مئات الآلاف من الدولارات لطائرة شاهد الإيرانية، وما بين مليون إلى مليوني دولار لطائرات بدون طيار من طراز Wing Loong II، وما يصل إلى 6 ملايين دولار لطائرة Bayraktar TB2 – تعتبر تكلفتها يسيرة جداً مقارنة بتكلفة الطائرات المقاتلة التقليدية.
وتسببت بوركينا فاسو في زيادة عدد القتلى المدنيين في السنوات الأخيرة إلى جانب الحرب في السودان، والمعركة المستمرة ضد المتمردين الإسلاميين في نيجيريا، وفي مالي،
حيث استهدفت ثلثا ضربات الطائرات بدون طيار في عام 1445/1444 هـ (2023م) المدنيين، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
وثقت هيومن رايتس ووتش ثلاث غارات بطائرات بدون طيار منذ شهر محرم الماضي (أغسطس 2023) في بوركينا فاسو، أدت إلى مقتل 60 مدنيا على الأقل في أسواق مزدحمة.
صورة لطائرة بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 تركية الصنع والتي يستخدمها جيش بوركينا فاسو
وفي جمادى الأولى 1445 هـ (ديسمبر 2023م)، اتخذ الجيش النيجيري خطوة غير عادية بالاعتذار عن غارة بطائرة بدون طيار أسفرت عن مقتل 85 شخصًا على الأقل.
وفي إثيوبيا، كانت طائرات TB2 بدون طيار، التي تم الحصول عليها من خلال اتفاقية ثنائية مع تركيا محرم 1443هـ (أغسطس 2021م)، حاسمة في انتصار الجيش على متمردي تيغراي.
وفي الأشهر الأخيرة، استخدمت الحكومة الإثيوبية طائراتها بدون طيار لسحق التمرد في منطقتي أوروميا وأمهرة.
وفي السودان، تستخدم ميليشيا قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش من أجل السيطرة على البلاد أسلحة أكثر تطوراً: طائرات بدون طيار مقاتلة مقدمة من الإمارات، وفقاً لمحققي الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه، يستخدم الجيش السوداني، طائرات بدون طيار إيرانية من طراز “مهاجر”.
كما حصلت مالي، حيث استولى المجلس العسكري على السلطة قبل ثلاث سنوات، على نحو اثنتي عشرة طائرة بدون طيار من طراز بيرقدار منذ عام 1443/1444 هـ (2022م)، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية ووزارة الدفاع في مالي.
وقال فيلسان أندلهي، الوزير الإثيوبي السابق الذي استقال معارضاً لحرب الحكومة في تيغراي: “لقد شهدنا في أجزاء كثيرة من أفريقيا انتشاراً للطائرات بدون طيار من قبل الحكومات في سعيها للحفاظ على قبضتها على السلطة”.
“لقد شهدنا استخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار داخل المجتمعات التي لا تعرف هذه التكنولوجيا على الإطلاق.”
“الحكومة تهاجم المستشفيات والمدارس والأسواق، وهو أمر غير مقبول البتة”.
اترك تعليقاً