يعيش في الهند حوالي مائتي مليون مسلم، وهو عدد يجعل من المسلمين في الهند أحد أكبر تجمعات المسلمين في العالم.غير أنهم، في الهند ذات الأغلبية الهندوسية حيث يشكل الهندوس 80% من السكان، لا يزالون أقلية.
منذ استقلال الهند، واجه المسلمون الاضطهاد والعنف في كثير من الأحيان، على الرغم من الحماية الدستورية.
وتحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا (Bharatiya Janata أو ال BJP) الحاكم، الذي اتبع أجندة قومية هندوسية منذ وصوله للسلطة في عام 1435 هـ (2014)، تأججت المشاعر المعادية للمسلمين وأصبح العنف ضد المسلمين أكثر شيوعاً.
ومنذ إعادة انتخاب مودي في عام 1440 هـ (2019م)، تبنت الحكومة سياسات تتجاهل حقوق ملايين المسلمين وتهدف إلى حرمانهم منها.وهو الأمر الذي أثار تظاهرات واحتجاجات في الهند، وكان محل إدانة دولية.
ويُخشى من أنه إذا تم إعادة انتخاب مودي في عام 1445 هـ (2024م)، أن تشهد البلاد المزيد من الاضطرابات الناتجة عن سياساته وخطاب حزبه المعاد للمسلمين.
كيف أثر تقسيم الهند على الأوضاع بين المسلمين و الهندوس؟
يقول الباحثون أن بعض جذور التوتر بين الهندوس والمسلمين في الهند يمكن إرجاعها إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية وما تلاها من تقسيم الهند البريطانية في عام 1366 هـ (1947م).
بعد أن استنزفتهم الحرب العالمية الثانية، كان يفتقر البريطانيون إلى الموارد الاقتصادية اللازمة للحفاظ على إمبراطوريتهم واضطروا لمغادرة شبه القارة الهندية.
في السنوات التي سبقت التقسيم، طالب حزب المؤتمر الهندي، تحت قيادة غاندي وجواهر لال نهرو، بالاستقلال، وحشدوا للعصيان المدني والاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكم البريطاني.
وفي الوقت نفسه، دعا حزب الرابطة الإسلامية لعموم الهند بقيادة محمد علي جناح، إلى إنشاء دولة منفصلة للمسلمين.
وفي عام 1366 هـ (1947م)، أصدر قاض بريطاني على عجل قرار ترسيم الحدود بين الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة (بما في ذلك ما يعرف اليوم ببنغلاديش).
وكان من نتائج قرار التقسيم أحداث واشتباكات دامية بين المسلمين والهندوس، وهجرة المسلمين الجماعية إلى باكستان، والهندوس والسيخ إلى الهند؛ كما بقي حوالي خمسة وثلاثين مليون مسلم في الهند بعد التقسيم.
كانت القطارات التي تقل اللاجئين ملطخة بالدماء، وتم إحراق مدن بأكملها، وألقيت الجثث في الشوارع.
ويقدر المؤرخون أن العدد الإجمالي للقتلى يتراوح بين مائتي ألف ومليوني شخص.
كيف وصل القوميون الهندوس إلى السلطة؟
يعود تاريخ القومية الهندوسية إلى بعض كتابات الهنود في حقبة الاحتلال البريطاني، والتي من أبرزها كتاب المؤلف والسياسي ڤي دي سافاركار، (هندوتفا: من هو الهندوسي؟).
ويعتقد القوميون الهندوس أن الهندوس هم “أبناء الأرض الحقيقيون” لأن أراضيهم المقدسة تقع في الهند، في حين تقع الأراضي المقدسة الإسلامية خارجها، وهم يؤيدون بشكل عام السياسات التي تهدف إلى جعل الهند دولة هندوسية.
وينظر الكثيرون منهم إلى المسلمين الهنود كأجانب ينبغي التوجس من وجودهم، على الرغم من أن معظم مسلمي الهند ينحدرون من نسل هندوس اعتنقوا الإسلام.
كما يعتبر القوميون الهندوس تقسيم الهند وتأسيس دولة باكستان أظهر صور انعدام ولاء المسلمين للهند.
وبعد تعرضها لهزيمة انتخابية في عام 1397 هـ (1977م)، استغلت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي التوترات بين المسلمين والهندوس لمساعدتها في إعادة حزب المؤتمر الهندي إلى السلطة. تم إغتيال إنديرا غاندي على أيدي حراس شخصيين من السيخ في عام 1405 هـ (1984م)، وخلفها ابنها راجيف، الذي كان يفضل الهندوس أيضًا.
تأسيس حزب بهاراتيا جاناتا
تأسس حزب بهاراتيا جاناتا في عام 1400 هـ (1980م)، ويعود أصوله إلى الجناح السياسي لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، وهي مجموعة تطوعية شبه عسكرية هندوسية قومية.
ووصل الحزب إلى السلطة بحكومة ائتلافية في الانتخابات الوطنية التي جرت في الهند في شوال 1418 هـ (فبراير 1998م).
وقام الحزب حينها بتنحية أهدافه الأكثر راديكالية جانباً من أجل الحفاظ على تماسك الائتلاف الذي قاده حتى عام 1425 هـ (2004م) عندما استعاد حزب المؤتمر السلطة.
وتضمنت هذه الأهداف إنهاء الوضع الخاص لكشمير، وهي منطقة متنازع عليها ذات أغلبية مسلمة؛ وبناء معبد هندوسي في مدينة أيودهيا الشمالية؛ وإنشاء قانون مدني موحد بحيث يكون لجميع المواطنين نفس قوانين الأحوال الشخصية.
في عام 1435 هـ (2014م)، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بأغلبية حزب واحد لأول مرة في لوك سابها – مجلس النواب في البرلمان والهيئة السياسية الأكثر نفوذا في الهند – مما جعل زعيم الحزب ناريندرا مودي رئيسا للوزراء.
وحصل الحزب مرة أخرى على الأغلبية في عام 1440 هـ (2019م) بعد حملة استقطابية مليئة بالرسائل المناهضة للمسلمين.
وعلى الرغم من أن حزب بهاراتيا جاناتا يواجه معارضة في المناطق الجنوبية والشرقية من الهند، فقد فاز الحزب بثلاثة انتخابات حاسمة للولايات الناطقة باللغة الهندية في جمادى الأول 1445 هـ (ديسمبر 2023م)، والتي يقول المحللون إنها قد تشير إلى فترة ولاية أخرى لمودي في انتخابات 1445 هـ (2024م).
ما هي أنواع الاضطهاد التي يواجهها مسلمو الهند؟
يعانى المسلمون من الاضطهاد في مجالات تشمل التوظيف والتعليم والإسكان.
ويواجه العديد منهم حواجز تحول دون تحقيق الثروة، كما يفتقرون إلى الرعاية الصحية والخدمات الأساسية.
علاوة على ذلك، فإنهم غالباً ما يكافحون من أجل الحصول على العدالة بعد تعرضهم للاضطهاد.
ووجد تقرير صدر عام 1441 هـ (2019م) عن منظمة Common Cause غير الحكومية، ومقرها الهند، أن نصف رجال الشرطة الذين شملهم الاستطلاع أظهروا تحيزًا ضد المسلمين، مما يجعلهم أقل احتمالية للتدخل لوقف الجرائم ضد المسلمين.
كما لاحظ المحللون انتشار الإفلات من العقاب على نطاق واسع لأولئك الذين يهاجمون المسلمين.
وفي السنوات الأخيرة، ألغت محاكم الولايات والمحاكم الوطنية والهيئات الحكومية أحيانًا أحكامًا بالإدانة أو سحبت قضايا اتهمت الهندوس بالتورط في أعمال عنف ضد المسلمين.
كما أصدر عدد من الولايات الهندية قوانين تقيد ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين، بما في ذلك قوانين مكافحة تغيير الديانة وحظر ارتداء الحجاب في المدارس.
بالإضافة إلى ذلك، لجأت السلطات إلى وسائل خارج نطاق القضاء لمعاقبة المسلمين، من خلال ممارسة يطلق عليها النقاد “عدالة الجرافات”.
وفي عام 1444/1443 هـ (2022م)، دمرت السلطات في عدة ولايات منازل الناس، بدعوى أن المباني المهدمة كانت تفتقر إلى التصاريح المناسبة.
ومع ذلك، قال المنتقدون إنهم استهدفوا في المقام الأول المسلمين، الذين شارك بعضهم مؤخرًا في الاحتجاجات.
أكبر موجات العنف
أحداث مسجد بابري، 1413 هـ (1992م)
يزعم الهندوس أن أحد جنرالات الإمبراطورية المغولية المسلمة بنى مسجد بابري على موقع مسقط رأس الإله الهندوسي رام في مدينة أيوديا الشمالية خلال القرن السادس عشر – وشر البلية ما يُضحك!
وفي عام 1413 هـ (1992م)، قام مسلحون هندوس بتدمير المسجد.ولقي ما يقدر بنحو ثلاثة آلاف شخص، معظمهم من المسلمين، حتفهم في الاشتباكات التي دارت بعد ذلك.
وتعد الاشتباكات التي تلت تدمير مسجد بابري هي الأكثر دموية من جميع الاشتباكات التي حدثت بين المسلمين والهندوس منذ التقسيم.
وفي عام 1441 هـ (2020م)، وضع مودي حجر الأساس لمعبد هندوسي جديد في موقع مسجد بابري بموافقة المحكمة العليا.وفي رجب 1445 هـ (يناير 2024م)، قبل أشهر من الانتخابات العامة، افتتح مودي المعبد على الرغم من كون البناء لم يكتمل بعد.
أعمال الشغب في ولاية غوجارات، 1422هـ (2002م)
اندلعت اشتباكات على مستوى البلاد بعد أن اشتعلت النيران في قطار يقل “حجاجًا” هندوسًا كانوا عائدين من أيوديا عبر ولاية غوجارات الغربية، مما أسفر عن مقتل العشرات.
اتُهم المسلمون بإشعال الحريق، وعلى إثر ذلك قتل الغوغاء الهندوس مئات المسلمين في جميع أنحاء ولاية غوجارات، واغتصبوا نساء مسلمات، ودمروا التجارات التي تعود ملكيتها لمسلمين.
كان ناريندرا مودي آنذاك رئيس وزراء ولاية غوجارات؛ وتعرض للانتقادات هو وحزب بهاراتيا جاناتا لعدم قيامهم بما يكفي لمنع العنف، بل وتشجيعهم له في بعض الحالات.
فرق “حماية البقر”
لقد أصبحت هجمات الغوغاء الهندوس من الشيوع بمكان في السنوات الأخيرة، حتى أن المحكمة العليا في الهند حذرت من أنها قد تصبح “الوضع الطبيعي الجديد”.
أحد أكثر أشكال العنف ضد المسلمين انتشارًا، هو قيام مجموعات أهلية بمهاجمة الأشخاص الذين يشاع أنهم يتاجرون بالأبقار أو يذبحونها، والتي يقدسها الكثير من الهندوس.
ووفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش لعام 1440 هـ (2019م)، فقد قُتل ما لا يقل عن أربعة وأربعين شخصًا، معظمهم من المسلمين، على يد ما يسمى بمجموعات حماية البقر.
كما تعرض رجال مسلمون للهجوم بعد اتهامهم بـ “جهاد الحب”، وهو مصطلح تستخدمه الجماعات الهندوسية لوصف إغواء الرجال المسلمين المزعوم للهندوسيات بغرض الزواج وحثهن على اعتناق الإسلام.
وتم القبض على مئات الرجال المسلمين بتهمة انتهاك قوانين مكافحة تغيير الديانة التي أقرتها العديد من الولايات التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا.
اشتباكات نيودلهي، 1441هـ (2020م). اندلعت أعمال العنف عندما احتج المسلمون وغيرهم على تعديل قانون المواطنة في نيودلهي.
وقُتل نحو خمسين شخصاً، معظمهم من المسلمين.
وساعد بعض السياسيين في حزب بهاراتيا جاناتا في التحريض على العنف، وورد أن الشرطة لم تتدخل لمنع الغوغاء الهندوس من مهاجمة المسلمين.
وخلص تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 1442/ 1443 هـ (2021م) إلى أن السلطات لم تحقق في تواطؤ الشرطة، بينما وجهت الاتهامات إلى أكثر من عشرة متظاهرين.
الاحتجاجات على خطاب الإسلاموفوبيا، 1443 هـ (2022م).
أدلى اثنان من مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا بتعليقات بذيئة حول النبي صلى الله عليه وسلم إلى اندلاع احتجاجات دامية في جميع أنحاء الهند وإدانات من الدول ذات الأغلبية المسلمة.
الأعمال العدائية في معبد رام ماندير، 1445 هـ (2024م).
قبل الانتخابات العامة في الهند، قاد مودي حفل افتتاح المعبد الهندوسي الجديد في أيوديا، الذي تم بناؤه فوق موقع مسجد بابري الذي تم هدمه قبل واحد وثلاثين عامًا.
وعلى الرغم من أن المعبد لن يكتمل حتى نهاية العام، إلا أن أنصار حزب بهاراتيا جاناتا والغوغاء الهندوس خرجوا إلى الشوارع لدعم بناء المعبد، واندلعت أعمال عنف واشتباكات بعد ذلك بوقت قصير في شمال شرق الهند.
اترك تعليقاً