نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا تطالب فيه بالتحقيق في ملابسات غارتين أسفرتا عن مقتل 23 شخصًا من عوام المسلمين خلال العمليات العسكرية الصومالية المدعومة بطائرات بدون طيار تركية، باعتبارهما جرائم حرب.
وبلغ عدد القتلى 23 قتيلاً؛ منهم خمس نساء، و14 طفلًا، وأربعة رجال.
كما نتج عن الغارات إصابة 11 طفلاً، وأربعة رجال، وامرأتين، وجميعهم ينتمي إلى عشيرة جورجارتي.
أصابت الضربات مزرعة جافي، على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات غرب قرية بغداد في منطقة شبيلي السفلى، بين الساعة 8 مساءًا و8:30 مساءًا.
وقال الضحايا وغيرهم من السكان لمنظمة العفو الدولية إن ضربات الطائرات بدون طيار جاءت في أعقاب قتال بري عنيف بدأ في وقت سابق من ذلك اليوم بين مقاتلي “حركة الشباب المجاهدين” وقوات الأمن الصومالية بالقرب من قريتي جامبالول وبغداد.
وقال تيجير شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب إفريقيا “لا ينبغي التغاضي عن هذه الوفيات المروعة؛ الناجون وعائلاتهم يستحقون الحقيقة والعدالة والتعويضات”.
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات عن بعد مع 12 شخصاً، من بينهم أربعة ضحايا وشهود عيان، وأربعة من أفراد عائلات الضحايا.
كما قام الباحثون أيضًا بمراجعة صور الأقمار الصناعية والتقارير الطبية، وقاموا بتحليل صور الضحايا وشظايا الأسلحة، ومقاطع الفيديو المحددة جغرافيًا من مكان الهجمات وعمليات الطائرات بدون طيار التركية في مطار مقديشو الدولي.
واستنادًا إلى صور الخردة المعدنية للذخائر، تمكن محقق الأسلحة التابع لمنظمة العفو الدولية من تأكيد أن الغارة نُفذت بقنابل MAM-L الانزلاقية، التي أسقطتها طائرات بدون طيار من طراز TB-2؛ كلاهما يتم تصنيعهما بواسطة تركيا.
شظايا قنبلة MAM-L التركية الصنع التي أصابت مزرعة جافي.
تسلسل الأحداث
وبحسب شاهد عيان أجرت منظمة العفو الدولية مقابلة معه، أصابت غارة أولية شُنت بواسطة طائرة بدون طيار مسجدًا في الجانب الشرقي من قرية بغداد حوالي الساعة 7:30 مساءًا، مما أدى إلى تدمير المبنى وإلحاق أضرار بالمنازل المجاورة.
وفي أعقاب هذا الهجوم، قال شهود عيان إن العديد من الأشخاص فروا إلى مزرعة جافي بحثًا عن ملجأ.
وأسفرت الغارة الأولى على المزرعة عن مقتل وجرح عددًا من المسلمين.
وأدى هجوم ثان، بعد حوالي 30 دقيقة، إلى مقتل وإصابة المزيد من الأشخاص الذين جاءوا من قريتي عليفو وجالجوبي المجاورتين في محاولة منهم لإنقاذ الناجين من الضربة الأولى.
“بالتنسيق مع شركاء دوليين”
وفي 8 رمضان 1445 هـ (19 مارس 2024)، أصدرت وزارة الإعلام الصومالية بيانًا قالت فيه إنها قتلت أكثر من 30 من مقاتلي حركة الشباب في قريتي بغداد وبالدوسكا بالتنسيق مع “شركاء دوليين”.
بيان وزارة الإعلام الصومالية، الذي ادعت فيه أنها قتلت 30 عنصرًا من حركة الشباب، والمنشور بتاريخ 9 رمضان 1445هـ (19 مارس 2024م)
من غير الواضح ما إذا كانت القوات التركية أو الصومالية كانت تسيطر على الطائرة بدون طيار TB-2 وقت الغارات على مزرعة جافي.
وأفاد أحد المصادر في الحكومة الصومالية لمنظمة العفو الدولية إن أعضاء في وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية يطيرون بطائرات TB-2 خلال العمليات القتالية.
ومع ذلك، في عام 1444 هـ (2022)، أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالصومال أنه وفقًا للحكومة التركية، لم تنقل تركيا الطائرات بدون طيار إلى الصومال في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، بل تقوم بتشغيل الطائرات بدون طيار بنفسها فيما يسمونه بـ”الحرب ضد الإرهاب”.
وفي عام 1444هـ (2022) أيضًا، ورد أن أحمد معلم فقي، وزير الداخلية الصومالي آنذاك والذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية، قال أنه بينما تقوم القوات التركية بتشغيل الطائرات بدون طيار، فإن القادة الصوماليين يزودونهم بالأهداف.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو التي حددها مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية طائرات بدون طيار تركية من طراز TB-2 على المدرج في مطار مقديشو الدولي في وقت مبكر من 15 صفر 1444 هـ (12 سبتمبر 2022).
يذكر أن البلدان قاما بتوقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي في 27 رجب 1445 هـ (8 فبراير 2024)، وذلك بعد سنوات من تدريب تركيا لقوات فرقة جورجور الخاصة التابعة للقوات المسلحة الصومالية في معسكر تركسوم الذي أنشأته تركيا في مقديشو.
وفي 25 رمضان 1445هـ (5 أبريل 2024م)، أرسلت منظمة العفو الدولية رسائل إلى حكومتي الصومال وتركيا، تطلب فيها تفاصيل حول عملية 7 رمضان 1445هـ (18 مارس 2024م)، بما في ذلك أي القوات العسكرية التي كانت تسيطر على الطائرة بدون طيار وقت الضربات، وإلى وقت نشر التقرير، لم تكن أي من الحكومتين قد ردت.
تغريدة نشرها حساب السفارة التركية بالصومال على منصة “X” – تويتر سابقًا – لحث الرجال والنساء في الصومال على الالتحاق بمدرسة تركسوم العسكرية.
“الدماء والجثث في كل مكان”
وتوصلت منظمة العفو الدولية إلى أن ما مجموعه خمس عائلات تنتمي إلى عشيرة جورجارتي قد تأثرت بالضربتين على مزرعة جافي.
معلم عدن حسين حسن أدو، مزارع يبلغ من العمر 49 عامًا، فقد زوجته أسلي بول حسن، 40 عامًا؛ وابنه ضاهر معلم عدن، 14 عامًا؛ وابنتاه إشواق معلم عدن، سبعة أعوام، وأسماء معلم عدن، ستة أعوام. كما قُتل ابنا أخيه عبدي إبراهيم دقو، سبعة أعوام، وصلاح إبراهيم دقو، تسعة أعوام. وأصيبت شقيقته فاطومو حسين حسن أدو، البالغة من العمر 30 عامًا، بإصابة في الرأس وتوفيت لاحقاً في مستشفى دغفير في مقديشو.
وقال معلم عدن حسين حسن أدو إنه لا يستطيع أن يفهم سبب استهداف عائلته.
وقال لمنظمة العفو الدولية: “لقد قُتلت زوجتي وأطفالي الثلاثة واثنين من أبناء أخي في الضربة الأولى التي ضربت المزرعة. كنت في أفجوي في ذلك الوقت.
تلقيت على الفور مكالمة هاتفية من أقاربي. ولم يكن من الممكن السفر ليلاً لأسباب أمنية. سافرت إلى قرية بغداد في صباح اليوم التالي”.
“لقد تعرفت على جثث زوجتي وأطفالي في مكان الحادث. تم دفن زوجتي وأطفالي في مقبرة جماعية واحدة في قرية جالجوبي، بينما دُفن أبناء أخي في قرية عليفو. لا أعرف لماذا تم استهداف عائلتي خلال شهر رمضان المبارك. حرق قلبي.”
كما قُتل أيضاً إسماعيل علي ديري، وهو مزارع يبلغ من العمر 37 عامًا، وابنه صدام إسماعيل علي ديري، البالغ من العمر تسع سنوات. وأصيبت زوجته وابنتاه وولديه وابن أخيه، وتلقوا الرعاية في مستشفيات مقديشو.
وقال محمد علي ديري، الأخ الأكبر لإسماعيل، لمنظمة العفو الدولية: “كنت في قرية عليفو. سمعنا انفجارًا مدويًا. وبعد فترة وجيزة، تلقيت أخبارًا مفادها أن أخي إسماعيل قد تعرض لهجوم طائرة بدون طيار”.
“أسرعت أنا وابني إلى المزرعة. عند وصولنا إلى المزرعة، استهدفنا [انفجار] آخر”.
“كان المشهد فوضويًا. كان هناك صراخ ودماء وجثث في كل مكان على الأرض. نجوت، لكن ابني علي محمد علي ديري، البالغ من العمر 22 عامًا، والذي كان معي، أصيب بجروح خطيرة في ظهره… وقُتل أخي إسماعيل وابنه بطريقة وحشية”.
وقال أحد أقارب عائلة أخرى فقدت ستة أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال: “أشعر بالرعب مما حدث لأقاربي… هذه مجزرة”.
وقال أحد شيوخ عشيرة جورجارتي: “نشعر بالإهمال وعدم وجود من يسمعنا، ولا أحد يدافع عنا أو يحاورنا. لم يتم تقديم أي تفسير للإجراءات المتخذة ضد شعبي، ولم يتم إجراء تحقيقات للمتابعة، ولم يتم تقديم أي عرض للتعاطف”.
أولويتنا هي الحصول على معلومات حول سبب وقوع هذا الحدث المأساوي. نحن بحاجة أيضًا إلى تعويض عن الخسائر التي تكبدناها”.
اترك تعليقاً