على الرغم من كون حال الروهينجا لا يختلف كثيرا عن حال الأويغور ، إلا أن الولايات المتحدة قد أعلنت عن الإبادة العرقية في الصين ولم تعلنها في ميانمار (بورما) وقد تساءل الدكتور عظيم إبراهيم، وهو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجيات والسياسات في العاصمة الأمريكية واشنطن ومؤلف كتاب “الروهينجا: داخل الإبادة الجماعية في ميانمار” في مقالة له على موقع صحيفة “عرب نيوز”: لماذا لا تطلق الولايات المتحدة اسم الإبادة العرقية مع الروهينجا؟
وبحسب الكاتب فإنه من المؤكد أن الأزمتين غير متطابقتين.كلاهما يؤثر على الأقليات المسلمة في المناطق الحدودية الغربية لبلديهما وأعدادهما متقاربة، ولكن بعد ذلك يختلف نهج الدولتين تجاه هذه الشعوب المضطهدة اختلافًا كبيرًا، فالصين تريد الاحتفاظ بأفراد من الأويغور داخل البلاد، لكنها تمحو هويتهم الأويغورية وتصنفهم في الأغلبية الصينية الهانية. بل إنها تحتجز الأفراد لمنعهم من الفرار من البلاد ومن معسكرات ما يسمى إعادة التأهيل التابعة للحزب الشيوعي. في المقابل، قامت ميانمار بالفعل بإجلاء غالبية الروهينجا من البلاد بالقوة وليس لديها نية لاستيعاب أي من أولئك الذين بقوا في مخيمات اللاجئين الداخلية في المجتمع البورمي الأوسع.
وواصل الكاتب:”يمكن للمرء أن يجادل في أن النهج الصيني أكثر دقة، وبالنظر إلى الموارد التي تضخها الدولة الصينية في المشروع، فربما يكون من المرجح أن ينجح على المدى الطويل. لكن لا أحد يستطيع أن يجادل في أن النهج الذي تتبعه ميانمار ليس أكثر عنفًا بكثير. حيث يتمتع الأويغور بخيار الامتثال أو التظاهر بالامتثال للقيود المجنونة التي فرضها عليهم الحزب الشيوعي. لكن في الجهة المقابلة لم يتم منح عشرات الآلاف من الروهينجا مثل هذا الخيار. لقد تعرضوا للتعذيب الوحشي والاغتصاب والقتل من أجل تخويف بقية أفراد شعبهم ودفعهم إلى الفرار من البلاد”.
وقال الكاتب:”فلماذا أعلنت الولايات المتحدة أن وضع الأويغور إبادة جماعية! ولم تعلن وضع الروهينجا كذلك؟ إن التناقض في الوقت الحالي ليس له علاقة بالوقائع ذات الصلة في الحالتين وكل ما له علاقة بالسياسة. بناءً على الأدلة المتاحة، فإن ما يفعله الحزب الشيوعي الصيني تجاه الأويغور هو حالة كتابية عن الإبادة الجماعية – وهذا استنتاج توصلت إليه دول أخرى والعديد من المراقبين الدوليين المستقلين. ويبدو أن احتجاجات بكين على أن إعلان الإبادة الجماعية في كانون الثاني (يناير) الماضي كان بمثابة ضربة سياسية ساخرة من قبل إدارة منتهية ولايتها تهدف إلى تسميم العلاقات الأمريكية الصينية قبل تولي جو بايدن منصبه. لكن هذا لا يغير حقيقة أن الصين كانت ولا تزال ترتكب إبادة جماعية ضد إحدى أقلياتها العرقية”. وأضاف:”إن تحديد الإبادة الجماعية التي تلوثت بالسياسة أمر مؤسف، لكن هذا لا يجعلها أقل صلاحية أو مصداقية”.
من جانبها أيدت إدارة بايدن قرار الإبادة الجماعية ضد الصين بسبب معاملتها لللإيغور وكان من الصواب فعل ذلك. لكن السؤال المطروح الآن هو لماذا تقاوم الولايات المتحدة، حتى في عهد الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكين، الدعوات لاتخاذ نفس القرار ضد ميانمار بسبب معاملتها للروهينجا؟ تساءل الكاتب مرة أخرى.
في السابق، ربما كانوا يخشون أن يؤدي اتخاذ مثل هذا القرار إلى تقويض الحكومة المدنية لأونغ سان سو كي تمامًا كما كانت تتصارع من أجل السيطرة مع جيش البلاد، الذي كان ينفذ الإبادة الجماعية من تلقاء نفسه على حد تعبير الكاتب. ولكن منذ الانقلاب العسكري في ميانمار في فبراير، قام نفس الأشخاص الذين نفذوا “عمليات التطهير” ضد الروهينجا في 2016-2017 بتولي زمام الحكومة بالقوة، واعتقلوا قادة الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطياً، وشنوا حربًا على جميع السكان المدنيين تقريبًا لفرض مطالبتهم بالمناصب السياسية. ولا يوجد أي مبرر تقني أو واقعي أو سياسي لإدارة مكرسة صراحة لحقوق الإنسان والقانون الدولي للتقاعس عن هذه القضية. يجب على الولايات المتحدة أن تعلن أن وضع الروهينجا إبادة جماعية، وفقًا للوقائع. بحسبما خلص الكاتب.
معاناة لا تزال مستمرة
وفي هذه الأثناء تستمر معاناة اللاجئين الروهينجا بلا وطن بلا اعتراف بحقوقهم، ومن آخر حلقات مآسيهم تلك الحادثة الأليمة التي انتهت بإنقاذ قارب يحمل لاجئين من الروهينجا بعد 18 ساعة من الصراع لإنقاذهم بسبب الأمطار الغزيرة والأمواج العالية. ونُقل اللاجئون – ومعظمهم من النساء والأطفال – إلى الشاطئ في لوكسيوماوي في مقاطعة أتشيه شمال غرب إندونيسيا في الساعات الأولى من يوم الجمعة (أول أسبوع من السنة الميلادية 2022م).. وهكذا انتهت عملية الإنقاذ على يد البحرية الأندونيسية بعد أن رصد صيادون السفينة الخشبية المنكوبة، التي كانت تقل أكثر من 100 لاجئ من الروهينجا، وهي تتمايل في المياه قبالة سواحل أتشيه حيث تم إنقاذها بعد منتصف الليل بقليل. بعد أن رفضت السلطات الإندونيسية بداية الأمر إنقاذهم. مما أثار موجة غضب من المنظمات غير الحكومية، واحتجاجات محلية فاضطر الضغط السلطات الإندونيسية إلى التراجع وإنقاذ اللاجئين.
وقال مسلح ويجايا المسؤول بوزارة الأمن الإندونيسية في بيان بعد ذلك: “قررت الحكومة الإندونيسية، باسم الإنسانية، منح اللجوء للاجئين الروهينجا الذين يعيشون حاليا على متن قارب بالقرب من منطقة بيريون في آتشيه”. بحسب ما رصدت الجزيرة.
وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الروهينجا لخطر الموت غرقا في البحر فقد رويت قصص قاسية جدا لقوارب اللاجئين الفارين من الموت، التي بقيت لمدة سبعة أشهر، بعد أن رُفض مرارًا وتكرارًا السماح لهم بالهبوط في ماليزيا. وقد استُنفدت بشدة إمدادات الطعام والمياه مما أدى إلى وفاة عدد من اللاجئين بمن فيهم الأطفال. وقد تمكن بعضهم من التسلل إلى أندونيسيا حيث لم يتم رصد قواربهم من قبل السلطات.
وفي الماضي، لم تسمح تايلاند وماليزيا للاجئين الروهينجا بالهبوط ودفعتهم للعودة إلى البحر. كما حاولت إندونيسيا مرارًا وتكرارًا رفض حق اللاجئين في الرسو على الأرض، وهو أمر فيه انتهاك للقانون الإندونيسي. بحسب بعض اللاجئين الروهينجا.
وتنص المادة 9 من المرسوم الرئاسي الإندونيسي 125/2016 على أنه ينبغي منح اللاجئين، الذين يتم العثور عليهم في حالة طوارئ في البحر، مساعدات طارئة والسماح لهم بالهبوط على الأراضي الإندونيسية إذا كانوا في خطر.
وبحسب ناصر حسين، مخرج الأفلام الوثائقية المقيم في أتشيه: “تحاول السلطات دائمًا إعادة اللاجئين، إلا إذا كان هناك ضغط من المنظمات غير الحكومية أو السكان المحليين أو وسائل الإعلام”.
وفي السابق، كان اللاجئون بإمكانهم النزول في أتشيه بعد تدخلات السكان، بما في ذلك الصيادون – وهو ما حدث مرة أخرى هذه المرة.
وفي بنغلاديش أيضا تستمر معاناة الروهينجا، فقد دعت السلطان البنغلاداشية إلى العودة المبكرة والطوعية والمستمرة للروهينجا الذين تم إيوائهم مؤقتًا في بنغلاديش.
وتستضيف بنغلاديش الآن أكثر من 1.1 مليون من الروهينجا في منطقة كوكس بازار وجزيرة باسان شار في نواكالي.
ويعتبر الروهينجا من أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم وقد واجهوا عمليات قتل جماعي في ميانمار منذ عقود، مما تسبب في فرار الآلاف إلى مخيمات اللاجئين في بنغلاديش أو دول أخرى مثل ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا.
وحين نتحدث عن إبادة عرقية لأمة مسلمة فلابد من تقديم كافة أنواع الدعم لهذه الأمة، والدعم الإعلامي هو أضعف الإيمان أما الإهمال فأخشى أن يصبح شراكة في الجريمة.
اترك تعليقاً