الدعم الدولي للروهينجا يتآكل في صمت

11 2

أجبرت حملة ممنهجة من العنف والقمع العرقي أكثر من مليون من الروهينجا المسلمين على الخروج من ميانمار والتوجه إلى مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة، وعلى رأسها بنغلاديش. ومع عدم قدرتهم على العودة إلى ديارهم وعدم حصولهم على حق العمل في بنغلاديش، يعتمد الروهينجا على المساعدات الدولية والدعم من أجل البقاء.
وأعلن (برنامج الغذاء العالم) (WFP) التابع للأمم المتحدة، -وهو مصدر دولي لمساعدات القسائم الغذائية-، مؤخرًا عن تخفيضات في تمويل مخيمات اللاجئين في بنغلاديش. وتشكل هذه التخفيضات جزءاً من اتجاه أوسع لتخفيض الدعم للأزمات الإنسانية التي طال أمدها في الجنوب العالمي في خضم ارتفاع تكاليف الغذاء العالمية، وزيادة عدد الأزمات الجيوسياسية، وميزانيات المساعدات الإنسانية الدولية المنهكة.

قطع المساعدات “مسألة حياة أو موت”

وأشار برنامج (الغذاء العالمي) إلى أن نقص قدره 125 مليون دولار أمريكي في تمويل المانحين الدوليين يُعتبر السبب الرئيس لقراره خفض دعم الحصص الغذائية للاجئين الروهينجا من 12 دولارًا أمريكيًا إلى 10 دولارات أمريكية للشخص الواحد شهريًا في مارس، كما أدى عجز آخر قدره 56 مليون دولار إلى انخفاض 8 دولارات للشخص الواحد شهريًا في يونيو الماضي. بالنسبة للأشخاص الذين يقيمون في مخيمات اللاجئين، والممنوعين من مزاولة العمل، فإن قسائم (برنامج الغذاء العالمي) مصدرهم الرئيس لشراء الغذاء. وكان مبلغ 12 دولارًا أمريكيًا شهريًا كافيًا لتوفير حوالي 13 كجم من الأرز، و500 جرام من الحمص، و250 جرامًا من الدقيق، وخمس بيضات وبعض مستلزمات الطبخ الأساسية الأخرى لشخص واحد لمدة شهر كامل. ولكن تخفيض المبلغ إلى 8 دولارات شهريًا يؤدي إلى تقليل القسائم إلى ما يعادل حوالي 0.27 دولارًا في اليوم. وفي ظل الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية في بنغلاديش، ستؤدي هذه التخفيضات إلى مزيد من التقليل لكميات الطعام المحدودة بالفعل.
ووصف توم أندروز المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار وعدد من الخبراء، تخفيضات التمويل بأنها “مسألة حياة أو موت لعائلات الروهينجا”، داعين إلى التراجع عنها.
كما حذر (برنامج الغذاء العالمي) من أن هذه التخفيضات الجديدة من المرجح أن تؤدي إلى زيادة معدلات سوء التغذية بين السكان حيث يعاني أكثر من ثلث الأطفال من التقزم ونقص الوزن ويعاني 12% من سوء التغذية الحاد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 876 مليون دولار أمريكي من الجهات المانحة حتى تتمكن من ضمان توصيل ما يكفي من الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والحماية والموارد الحيوية الأخرى.

أين ذهبت الأموال؟


ومع أنه قد يبدو معقولاً أن نستنتج أن تخفيضات (برنامج الغذاء العالمي) تشكل جزءاً من الاتجاه العام لتخفيض مساعدات التنمية العالمية – ولكن الحقيقة هي أن تمويل المساعدات الدولية لم يكن في الواقع أعلى من أي وقت مضى. أفادت (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) أن المساعدات الخارجية للمساعدات الإنسانية واستضافة اللاجئين ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، بزيادة 13.6% عن الفترة 2021-2022م. وكانت هذه الزيادة في التمويل الدولي استجابة لعدد متزايد من الأزمات العالمية التي تغذيها التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، وتأثير حالات الطوارئ المناخية المتزايدة، والصراعات الجديدة. كما أن العدد التقديري للاجئين على مستوى العالم ارتفع من 27.1 مليون في عام 2020م إلى أكثر من 32 مليون بحلول نهاية عام 2022م. ويأتي ما يقرب من ثلاثة أرباع هؤلاء اللاجئين من أفغانستان وميانمار وجنوب السودان وسوريا وأوكرانيا، والتي شهدت جميعها أزمات إنسانية متفاقمة في عام 2020م والسنوات الأخيرة بسبب الصراعات والكوارث.

على الرغم من الزيادة في إجمالي التمويل، فقد أدى الصراع في أوكرانيا وتفاقم الأزمات العالمية الأخرى إلى تمدد المساعدات الدولية وسط عدد متزايد من الأزمات وإعادة ترتيب أولوياتها بعيدًا عن الجنوب العالمي . فقد شهد التمويل من الولايات المتحدة والجهات المانحة الأوروبية الرئيسية للأزمات المطولة في أماكن مثل أفغانستان واليمن وبنجلاديش تراجعاً ، في حين كانت التزامات المساعدات لأوكرانيا في تزايد مضطرد. إن الجمع بين الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وارتفاع تكلفة السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء، وتحويل الأموال باتجاه أوكرانيا، يؤدي إلى اتساع الفجوة في الأموال المطلوبة لأزمات الجنوب العالمية.

لا يوجد مكان يمكن الذهاب إليه


القيود المفروضة على الروهينجا في مخيمات بنغلاديش تفاقم من أزمتهم. فبالإضافة إلى منعهم من العمل فقد أصبح الروهينجا فعلياً عديمي الجنسية من قِبل سلطات ميانمار، كما أن حركتهم محدودة بحدود المخيمات. كما تجعل كل هذه العوامل حصول الروهينجا على الرعاية الصحية والتعليم وإنتاجهم للغذاء من المستحيلات.


الدعم الدولي يركز إلى حد كبير على تقديم الإغاثة الفورية ولا يعالج الاحتياجات التنموية على المدى الطويل.وقد وجدت منظمة (أطباء بلا حدود) أن سياسة الاحتواء التي ينتهجها المجتمع الدولي تؤدي إلى تطويل أمد القضايا القائمة وتضر بشدة بإحساس الروهينجا بالأمل في المستقبل. وقد دعت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول أكثر استدامة منها زيادة إعادة توطين اللاجئين الروهينجا في بلدان ثالثة.
وقد ساهمت أستراليا في سياسة الاحتواء هذه على الرغم من دعوات السلطات البنغلاديشية ومجموعات المناصرة الدولية لزيادة معدلات إعادة توطين اللاجئين وزيادة الدعم لإعادة التوطين في بلدان أخرى. وعلى سبيل المقارنة، منحت أستراليا 470 تأشيرة إنسانية للاجئين الروهينجا منذ عام 2008م، في حين تم منح أكثر من 10000 تأشيرة للمواطنين الأوكران منذ فبراير 2022م.
إن مثال أوكرانيا ينبغي أن يصبح نموذجاً للاستجابة الدولية لجميع الأزمات الإنسانية على مستوى العالم. وعلى القوى الإقليمية – مثل أستراليا – أن تتجنب إعادة توجيه مسارات المساعدات بعيداً عن أزمات الجنوب العالمية التي طال أمدها، فإن هذا يُجرِّيء اسائر أعضاء المجتمع الدولي على القيام بنفس الشيء.
إن نسيان أزمة الروهينجا لا ينبغي أن تصبح خياراً متاحاً. وبالإضافة إلى توفير التمويل للخدمات الأساسية، فيجب زيادة الجهود أيضًا لتوفير مسار آمن لإعادة توطين المزيد من اللاجئين الروهينجا وإعطاء الأولوية للحلول طويلة المدى للحد من معاناتهم.


المعلومات الواردة في هذا المقال ترجمة لمقال نشر على موقع devpolicy.org
بعنوان The silent decay of international aid to Rohingya refugees

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا