غيّر الجيش السوداني تكتيكاته في معركة العاصمة، حيث سعى إلى تطويق ميليشيات الدعم السريع في شمال المدينة. وتأتي هذه الاستراتيجية الجديدة في أعقاب تقدمه مؤخرًا في حي السامراب في الخرطوم بحري، متجنبًا شن هجوم مباشر محفوف بالمخاطر على معقل ميليشيات الدعم السريع في منطقة شمبات.
وبعد ستة أسابيع من الجمود، تمكن الجيش المتمركز في حلفايا منذ أواخر سبتمبر من تحقيق مكاسب في الخرطوم بحري بالاستيلاء على مناطق رئيسية في منطقة السامراب شرقي حلفايا. وتؤمن هذه الخطوة الجناح الخلفي للجيش، وتحميه من الهجمات المضادة لميليشيات الدعم السريع وتحركاتها من مواقعها شرقي نهر النيل.
ومع ذلك، لا تزال المعارك العنيفة مستمرة في منطقة المقرن بوسط الخرطوم، دون أن يحقق أي من الجانبين تقدما واضحا. وفي حين لم يتمكن الجيش من تكرار نجاحه في منطقة السامراب في الخرطوم بحري، فإنه صامد في مواجهة مقاومة شرسة من جانب قوات الدعم السريع في هذه المنطقة الحيوية استراتيجيا، حيث تعتمد القوة شبه العسكرية بشكل كبير على نيران القناصة.
شن الجيش هجومًا بريًا كبيرًا في 26 سبتمبر لاستعادة العاصمة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في 1444هـ (15 أبريل 2023م). وسبق هذا الهجوم، وهو الأول من نوعه في الصراع، حملة جوية مكثفة. ونفذ الجيش 1158 غارة جوية خلال الأشهر التسعة الماضية، بمعدل 12.8 غارة يوميًا، وبلغت ذروتها في أغسطس بعد الحصول على طائرات مقاتلة روسية وذخيرة وطائرات بدون طيار إيرانية.
وفي الوقت نفسه، استهدفت ميليشيات الدعم السريع 157 موقعًا، وفقًا لمصادر عسكرية تحدثت إلى سودان تربيون. وكانت معظم الضربات في شمال دارفور، وخاصة الفاشر، وكذلك في الخرطوم وأجزاء من ولاية سنار.
ومنذ بدء الحرب، نشرت ميليشيات الدعم السريع طائرات بدون طيار بفعالية، وضربت أهدافًا في الخرطوم ودارفور والجزيرة وسنار. واعتمد الجيش في البداية على الطائرات الحربية لكسر حصار قواعده، وخاصة في الخرطوم، لكنه حصل لاحقًا على طائرات بدون طيار إيرانية من طراز “مهاجر” بعد استئناف العلاقات بين البلدين في 1445هـ (أكتوبر 2023م).
وقالت مصادر لسودان تريبيون إن الجيش ينشر الآن طائرات بدون طيار من طراز CH-3، التي تبلغ سرعتها القصوى 160 ميلاً في الساعة، ومدى يصل إلى حوالي 1860 ميلاً، ومدة طيران تصل إلى 12 ساعة، وحمولة تبلغ 400 رطل من الصواريخ أرض – جو.
ورغم تصاعد سباق التسلح، فقد هدأت حدة القتال في الخرطوم خلال الأسبوعين الماضيين، مع تراجع حدة الهجوم البري الذي يشنه الجيش. ومنذ بدء العملية في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول، تمكنت قوات الجيش المتقدمة من أم درمان من عبور جسر السيلة الطبية في الجنوب وجسر الحلفاية في الشمال، وهما ساحتا معركة رئيسيتان.
وقال خبير عسكري تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لسودان تربيون إن تباطؤ الهجوم متوقع في حرب المدن، حيث يتعين على القوات التقدم بحذر. ومع ذلك، حذر من أن الخمول المطول قد يسمح لميليشيات الدعم السريع بإعادة تجميع قواتها وتجديدها.
وأشار تقرير ميداني صادر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، اطلعت عليه سودان تربيون، إلى ضعف وجود ميليشيات الدعم السريع في عدة أحياء بالخرطوم بحري، بما في ذلك السبابي، وشمبات، والصافية، والشعبية. وعزا التقرير ذلك إلى نقص الإمدادات ورحيل “المرتزقة من جنوب السودان”، وأوصى الجيش بنشر كل القوات المتاحة عبر جميع محاور الخرطوم.
وتساءل مصدر عسكري عن توصيات التقرير، وقال إن القوات تنتظر أوامر من القادة الذين لديهم رؤية شاملة لساحة المعركة. وأضاف المصدر: “في حين أن الجيش في حلفايا قد يرى ضرورة التقدم على جميع الجبهات، فقد تكون هناك معلومات استخباراتية من مناطق أخرى تتطلب التركيز على كافوري أو شرق النيل على سبيل المثال”.
وكشفت مصادر عسكرية أن ميليشيات الدعم السريع تمتلك وحدات خاصة عالية التدريب متمركزة في قاعدة المظليين بالخرطوم بحري، وتعمل هذه الوحدات بين الكباري، وأعاقت تقدم الجيش مرارا وتكرارا.
ويهدف الجيش إلى ربط قواته في حلفايا بقاعدة سلاح الإشارة جنوب المدينة، وهو ما يسمح للجيش بالوصول إلى مقره في القيادة العامة ومن ثم التوغل داخل مركز المدينة بالتنسيق مع القوات في المقرن. وبحسب مصدر عسكري فإن الهدف الأساسي للعملية البرية في الخرطوم هو فك الحصار عن القيادة العامة.
سودان تربيون.
اترك تعليقاً