العملية التي نفذها أحد الفلسطينيين مساء 18 أغسطس الجاري في تل أبيب أعادت للواجهة نهج سير العمليات الاستشهادية التي أرقت كيان الاحتلال الإسرائيلي .
ما هي إلا ساعات و خرج قائد الشرطة في تل أبيب قائلا أن منفذ التفجير وصل من مدينة نابلس أي اجتاز العديد من الحواجز الأمنية المشددة ليصل إلى عاصمة كيان الاحتلال الإسرائيلي “تل أبيب” وفجر نفسه في شاحنة مخلفا قتيلا وعددا من الجرحى ولتصبح الشاحنة دون سقف وتعود للذاكرة العمليات الاستشهادية التي هندسها الشهيد المهندس يحيى عياش -كما نحسبه- وتبدأ المعركة تأخذ شكلا جديدا بإعلان كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس أنها المسؤولة عن العملية و مؤكدة أن العمليات الاستشهادية بالداخل المحتل ستعود ما دامت مجازر الاحتلال وسياسة الاغتيالات متواصلة .
بيان القسام يؤكد أن هذه العملية لن تكون الأخيرة بعد أن وجدت القسام كل الأبواب أمامها قد أغلقت فكل المفاوضات لوقف الحرب يفشلها نتنياهو بشهادة الإعلام العبري والشارع اليهودي نفسه . كما أن الرد الإيراني لم يأت رغم أن التهديد مستمر على اغتيال رئيس حركة المقاومة الفلسطينية حماس، إسماعيل هنية في أرضها واعتبرته طهران انتهاكا لسيادتها، لكن يبدو أنها اختارت تأخير الرد لأجل غير مسمى حتى تحقق مصالحها أو ليكون ردا منسق مسبقا ومحدودا كالرد السابق بحيث لا تذهب بعده لحرب إقليمية.
وتستمر إيران كداعم للمقاومة الفلسطينية دون الخوض في حرب حقيقية ومباشرة وتستمر جبهات ما اصطلح على تسميته بمحور المقاومة كجبهة إسناد غير مشاركة لتجد نفسها فصائل المقاومة وحيدة في مقاومة ترسانة عسكرية أمريكية داعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي ووسط صمت عربي أحيانا ودعم عربي صامت أحيانا أخرى.
كل هذه المعطيات جعلت حماس تستخدم ورقة العمليات الاستشهادية وتفتح النار على الاحتلال الإسرائيلي من الجبهة الأشد حساسية بالنسبة له وهي العمليات العسكرية في وسط تل أبيب والقادمة من مدن الضفة الغربية وخاصة مخيماتها التي بدأ الاحتلال بشن عمليات عسكرية مكثفة داخلها واستخدم الطيران لإضعاف المقاومة. لكنه كلما ظن أنها جبهة تمكن من السيطرة عليها إلا وتخرج المقاومة منها أشد قوة من الأول وكأنها تخبر الاحتلال أن حتى تل أبيب مهددة بالعمليات الاستشهادية .
قال الخبير العسكري فايز الدويري في تدوينة عبر منصة “إكس” : “تهديد الفصائل الفلسطينية بعودة العمليات الاستشهادية سيعيد خلط الأوراق ويصبح الأمن الفردي والجماعي في مهب الريح”. وأكد المحلل السياسي سعيد زياد على قناة الجزيرة قائلا: ” عملية تل أبيب، التي تمثل انعطافه خطيرة في أمن الكيان، كل ذلك يجعل إسرائيل دولة غير صالحة للنصر ولا الحسن ولا الردع ولا حتى صالحة للبقاء.”
كما كتب سعيد زياد على حسابه في “أكس”: “دار الزمان على إسرائيل دورتين في تاريخها، الأشد خطرا كانت يوم الطوفان، والثانية كانت في ذروة العمليات الاستشهادية في العمق في مطلع انتفاضة الأقصى. هذه العملية تمثل هزيمة لجهد عسكري وأمني استمر لعشرين عاما، وتمثل نجاحا كبيرا على صعيد التوقيت والمكان وتجاوز المنظومة الأمنية المعقدة.”
الجدير بالذكر أن آخر عملية استشهادية قامت بها المقاومة في تل أبيب منذ 11 عاما أي في عام 1434هـ (2013م) عندما فجر أربعة شبان من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حافلة في مناطق الاحتلال الإسرائيلي مخلفا العديد من القتلى في صفوف المستوطنين الإسرائيليين وتوقفت العمليات الاستشهادية بعدها رغم تنفيذ عدة عمليات إطلاق نار ودهس أوقعت قتلى من المستوطنين .
المهندس يحيى عياش
ويعد يحيى عياش أول من فكر بهذا النوع من العمليات وكان هذا عام 1414هـ (1993م) ليفتح بهذا الباب أمام العمليات المختلفة التي سببت العديد من المشاكل في داخل الاحتلال الإسرائيلي وجعلت منه المطلوب الأول في كيان الاحتلال حيث هندس لـ 22 عملية خلفت العديد من القتلى في أوساط المستوطنين قبل أن يغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 1417هـ (1996م) ويحتفل الاحتلال باغتياله بعد أن ساعدها على اغتياله عميل فلسطيني .
ورغم هذا استمرت العمليات الاستشهادية التفجيرية متحدية ازدياد التشديد الأمني من قبل سلطة الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية ثم توقفت لمدة 11 عاما لأسباب مختلفة، واليوم عادت كورقة ضغط جديدة وسلاح جديد للمقاومة ورفع صوت الحق الفلسطيني المنسي منذ أعوام وسط تخاذل دولي وعربي ثم يقين المقاومة أن الأرض لن يحررها إلا أهلها بقوة السلاح وأن بؤرة الصراع هي الضفة الغربية والقدس المحتلة .
اترك تعليقاً