في جميع أنحاء العالم، كان الخطاب الخطير الذي يستهدف الجماعات الدينية والأقليات والمهاجرين واللاجئين والمعارضين السياسيين وأي جماعة يُنظر إليها على أنها “الآخر” يتجذر بشكل منهجي وتغذيه وسائل التواصل الاجتماعي على نحو متزايد بتعصب.
لم تكن إندونيسيا في مأمن من هذه الظاهرة العالمية، فحسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي تابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تنشر معلومات مضللة، وسيل من رسائل الكراهية ضد اللاجئين الروهينجا؛ انتفاضة محلية ضد اللاجئين الذين يصلون إلى مقاطعة آتشيه في أقصى غرب إندونيسيا.
كانت هذه هي الحقيقة التي عرفتها إندونيسيا، في جمادى الأولى 1445هـ (منتصف نوفمبر من العام الماضي)، عندما بدأت القوارب المتهالكة المليئة باللاجئين الروهينجا الفارين من انعدام الأمن والاكتظاظ في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش في الوصول إلى شواطئ إندونيسيا.
لا يزال الروهينجا من بين المجموعات العرقية الأكثر ضعفًا في العالم: حيث تم تجريدهم من جنسيتهم في ميانمار وإجبارهم على الانتقال وطلب اللجوء في العديد من بلدان المنطقة حيث يتعرضون لمزيد من الرفض.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المفوضية لشؤون اللاجئين لمثل هذا الهجوم في أي مكان في العالم. وكانت هذه أيضًا المرة الأولى التي يرى فيها المنسق المقيم للأمم المتحدة، في إندونيسيا كيف تكافح المفوضية للتصدي لمثل هذه المستويات من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية.
وقاد مكتب المنسق المقيم الجهود المبذولة لمكافحة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية بحسب مقال له، وتعاون مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، ووزارة الإتصالات والمعلومات، ووسائل الإعلام، والأوساط الأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني.
وقال:”لقد استفدنا إلى أقصى حد من خبراتنا الداخلية في المفوضية والمنظمة الدولية للهجرة ومركز الأمم المتحدة للإعلام في استراتيجية مشتركة لمعالجة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والحد من تأثيرها على طريقة تعامل اللاجئين، والغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال، تنظر إليهم المجتمعات المحلية والدولة على نطاق أوسع”.
التحول في النظرة إلى اللاجئين
بالنسبة للمفوضية، فإن وصول بضع مئات من اللاجئين كل أسبوع يمثل عدداً ضئيلاً. ومع ذلك، فقد شوهت موجة من الانتقادات اللاذعة والمعلومات المضللة هذا الرقم لتصوير وجود اللاجئين في بلد يزيد عدد سكانه عن 270 مليون نسمة على أنه “فيضان”.
في السنوات السابقة، عندما وصل اللاجئون الروهينجا خلال ما يعرف باسم “موسم الإبحار” ذو الرياح المواتية للقيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، تم الترحيب بهم من قبل السكان المحليين. لكن ليس هذه المرة، كان الكثير من التغيير في المشاعر مدفوعًا بالمعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، والذي تم بثه على التيك توك والإنستغرام و إكس (تويتر سابقاً) كجزء من حملة منظمة.
تم تنظيم الغوغاء، وتم إبعاد القوارب أثناء محاولتها الهبوط وتوفي لاجئون، بينهم أم وطفل.
“دق ناقوس الخطر”
وبحسب المنسق، من خلال تحليل النص والبحث، يمكننا أن نثبت أن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي كانت جزءًا من حملة منظمة وليست ضجة شعبية عفوية ضد اللاجئين. وقد أبلغ المنسق المقيم شركات التواصل الاجتماعي ووزارة الاتصالات والمعلومات بهذه النتائج، التي أصدرت بياناتها الخاصة التي وصفت العديد من المنشورات بأنها “خدعة”. وتمت فيما بعد إزالة بعض المنشورات الأكثر إساءة وحذف الحسابات المزيفة.
ونبه المنسق وسائل الإعلام التقليدية إلى النتائج التي توصلوا إليها حول خطاب الكراهية عبر الإنترنت، وقاموا بإجراء تحقيقاتهم الخاصة، وتوصلوا إلى الاستنتاجات نفسها.
وكشف مقال في الصحيفة الأسبوعية الأكثر نفوذاً في إندونيسيا عن الحساب الذي كان مصدر رسائل الكراهية. وببطء ولكن بثبات، تم فضح حملة التضليل وإظهارها على حقيقتها: “هجوم شرس ومنظم ضد اللاجئين العاجزين والأمم المتحدة”.
“فضح الأكاذيب”
قدم المنسق المقيم المعلومات لوسائل الإعلام وتواصل مباشرة عبر قنوات التواصل الاجتماعي التابعة للأمم المتحدة، وشارك الحقائق حول اللاجئين ومحنتهم، وقام أيضًا بتشغيل مقاطع فيديو للتعريف بهم. لقد أظهرت المقاطع أن اللاجئين ليسوا وحوشًا، بل نساء ورجال عاديين، أزواج وزوجات، أمهات وآباء، فتيات وفتيان.
وعرضت المقاطع لاجئا يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وهو إنجاز ذو معنى لشعب أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم. وشخص آخر كان رسام كاريكاتير بارع، وتحدثت أم لأربعة أطفال وأوضحت أن كل ما تريده هو حياة أفضل لأطفالها من تلك التي عاشتها حتى الآن.
كما حصل الأكاديميون والمنظمات غير الحكومية الذين نظموا فعاليات للتعبير عن التضامن مع اللاجئين. حصلوا على الدعم بتقديم معلومات أساسية عن اللاجئين وحياتهم في بنغلاديش وحقائق حول التعايش المتناغم بين السكان المحليين واللاجئين الذين وصلوا في السنوات السابقة بحسب المنسق المقيم.
وفي حين أن التحديات لا تزال هائلة، إلا أن المد بدأ يتحول ببطء. لقد تحدثت المزيد والمزيد من الأصوات المتعاطفة والقادة المحليين والشخصيات الدينية ومنظمات حقوق الإنسان.
وقال المنسق:”التقيت بمنظمة مؤثرة من أبناء آتشيه في الشتات الذين يعيشون في جاكرتا وأماكن أخرى من البلاد، والذين كتبوا بعد ذلك رسالة إلى الرئيس يطلبون فيها حماية اللاجئين”.
وعندما اقتحم حشد من الطلاب ملجأً للاجئين في أواخر جمادى الآخرة (ديسمبر/كانون الأول) وألقوا الأطفال الباكين في شاحنات لإبعادهم، تحدث المزيد من الإندونيسيين ضد مثل هذا العمل الفظيع ودعموا اللاجئين.
وكشف تحقيق إعلامي أن هذا لم يكن احتجاجًا عفويًا وأن الطلاب قد حصلوا على أموال مقابل اقتحام الملجأ.
كما وصلت أخبار العنف في إندونيسيا إلى المخيمات في بنغلاديش، مما حطم آمال العديد من اللاجئين الروهينجا في حياة أفضل ولم تصل أي قوارب خلال الشهر الماضي.
ومع استمرار الرحلة ضد المعلومات المضللة، فإن الأمل الجماعي هو أن تسود رواية أكثر تعاطفاً واستنارة، أكثر إنصافا وإنسانية لاستيعاب محنة الروهينجا.
اترك تعليقاً