وقعت الحكومة الأمريكية مذكرة تفاهم مع الحكومة الصومالية في 5 شعبان 1445 هـ (15 فبراير 2024)، لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية للجيش الوطني الصومالي بهدف تعزيز قدرات الجيش في القتال المستمر ضد جماعة حركة الشباب المجاهدين التي تقود تمردًا إسلاميا ضد الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.
وتأتي هذه الخطوة مصحوبة باحتمال تفاقم المنافسات الجيوسياسية، على حساب احتياجات ومصالح المسلمين في الصومال.
في البداية كانت تحصل الوحدة على تمويلها من وزارة الخارجية الأمريكية التي تعاقدت مع شركة الأمن الخاصة، “بانكروفت جلوبال”، لتدريب الوحدة وتقديم المشورة لها.
وفقًا لتصريحات المسؤولين الأمريكيين، فإن القواعد مخصصة لوحدة داناب (Danab Forces)، وهي وحدة عمليات خاصة صومالية ترعاها الولايات المتحدة وتم تأسيسها في عام 1435 هـ (2014).
ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الوحدة تتلقى التمويل والمعدات والتدريب من وزارة الدفاع الأمريكية.
وكلاء محليون وقيادة أمريكية
إن ما يجعل هذا النوع من الدعم الأمريكي ممكنًا هو برنامج 127e ، والذي يتمكن البنتاغون بموجب المادة المُقننة له من تجاوز إشراف الكونجرس، والسماح لقوات العمليات الخاصة الأمريكية باستخدام وحدات عسكرية أجنبية كبديل عنها في مهام “مكافحة الإرهاب”.
كما تقوم وزارة الدفاع الأمريكية تحت مظلة 127e بتقديم الدعم المادي والعسكري والتدريب لداعمي قوات العمليات الخاصة الأمريكية في حروبها المزعومة ضد “الإرهاب”، سواء كانوا قوات نظامية أجنبية أو قوات غير نظامية أو جماعات أو أفراد.
ويستند هذا المشروع إلى القسم 127e من الباب 10 من ((قانون الولايات المتحدة)) (U.S. Code).
وقد وثق موقع “ذا انترسبت” عمليات مماثلة تتم تحت مظلة برنامج 127e في العديد من البلدان الإفريقية، خاصة في الأماكن التي لا تعترف بها حكومة الولايات المتحدة رسميًا كساحات قتال، ولكن تتواجد فيها قوات القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” (AFRICOM) على الأرض.
مؤشر واضح على تزايد الأهمية الجيوسياسية للقرن الأفريقي
تتعلق مذكرة التفاهم هذه بما هو أكثر بكثير من مجرد التزام الحكومة الأمريكية المعلن بمساعدة الحكومة على قتال حركة الشباب المجاهدين.
فهي مؤشر واضح على الأهمية الجيوسياسية المتزايدة للقرن الأفريقي، وتأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن تأمين تدفق التجارة الدولية عبر البحر الاحمر.
كما يتزامن ذلك مع تنامي الإدراك الأمريكي بأن التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، قد تجبر الولايات المتحدة على الخروج من العراق.
إن خطة الحكومة الأمريكية لتدريب قوات الأمن الصومالية في القواعد العسكرية المنشأة حديثًا في خمسة أجزاء مختلفة من البلاد (بيدوة، ودوسمريب، وجوهر، وكيسمايو، ومقديشو) هي استراتيجية ملتوية لا فقط لتوسيع نطاق الوجود العسكري الأمريكي في الصومال، ولكن للتموضع بشكل أكثر حزمًا في مواجهة القوى الأخرى في المنطقة.
برنامج 127e ليس السبيل الوحيد الذي تتمكن من خلاله الولايات المتحدة من تدريب وتجهيز القوات الأجنبية كوكلاء: فالقسم 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) لعام /1440/1439 هـ (2018) يوسع من مدى قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب عبر قوات بديلة في الأماكن التي لم يتم إعلان الحرب فيها رسميًا، وذلك بهدف مواجهة نفوذ الخصوم مثل الصين وروسيا.
وعلى الرغم من كثرة التحليلات التي تناولت تنافس القوى في القرن الأفريقي، إلا أن تحركات بعض الدول كتركيا وقطر والإمارات – والتي تحاول كل منها اقتطاع مجال نفوذ خاص بها – لم تحظ بعد بتناول واف.
كما أن هذه المشاركات المتزايدة في المنطقة تشير إلى تعرض قوة الولايات المتحدة إلى الاهتزاز، هذا إن لم تكن في تراجع.
انخراط تركي عميق
تحتفظ تركيا بأكبر وجود عسكري أجنبي لها في مقديشو، وقد قامت بتدريب قوات الأمن الصومالية، وعملت مؤخرًا بشكل وثيق مع الحكومة الصومالية في اتساع دائرة الاحتلال الأمريكي للصومال بين ترسيخ النفوذ و”مكافحة الإرهاب” ضربات بطائرات بدون طيار ضد المتمردين.
وفي تأكيد إضافي على المشاركة التركية العميقة في البلاد، وقعت الصومال وتركيا اتفاقيات دفاعية واقتصادية في وقت سابق من هذا الشهر.
كما قامت كلاً من قطر والإمارات العربية المتحدة بتدريب قوات الأمن المحلية، ومواصلة تدريبها كجزء من استراتيجية أوسع لتأمين الوصول إلى الأسواق الإقليمية وتأكيد سيطرتهما على ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر.
ومع انسحاب ما يُسمى ببعثة “حفظ السلام” التي يرعاها الاتحاد الأفريقي – والتي كانت تُعرف سابقًا باسم “أميصوم” (AMISOM) قبل أن تتم لد تسميتها بـ “أتميس” (ATMIS) في عام 1444/1443 هـ (2022) – أعرب المحللون عن مخاوفهم بشأن الطبيعة التوسعية لتورط الجهات الفاعلة الأجنبية في الصومال، وخطر اندلاع منافسة على نمط الحرب الباردة وما قد يعنيه ذلك من مزيد تقويض لاستقرار الصومال.
انقسامات داخل المؤسسة الأمنية في الصومال
أدى التدريب الذي تم برعاية أجنبية لوحدات “النخبة” المتعددة من الجيش الوطني الصومالي (داناب، وواران، وغاشان) إلى حدوث انقسامات داخلية داخل المؤسسة الأمنية في الصومال، حيث أثار تساؤلات حول التسلسل القيادي وحول ولاء هذه الوحدات.
نظرًا لإمكانية “أن تصبح الوحدات الصومالية المختلفة أكثر ولاءً لراعيها الأجنبي وأكثر اعتماداً عليه” كما قال الخبيران الإقليميان والعسكريان، كولين د. روبنسون وجهارا ماتيسيك.
وأضافا أن هذا الأمر “قد يساهم هذا في تنامي التصور بأن الصومال أصبح ساحة شديدة التنافسية؛ جمهورية الميليشيات إذا صح التعبير”.
أنترسبت ووكالات الأنباء
اترك تعليقاً