فريق التحقيقات في إيكاد حلل حملات الدعم المالي التي تلقاها ترامب وكشف أسرار واحدة من كبار الداعمين وسبب السخاء غير المسبوق الذي قدمته “ميريام أديلسون”. فمن “أديلسون”؟ وما أهدافها من هذا الدعم المالي الهائل؟ وكيف أثرت تبرعاتها على مسار السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل؟
في هذا التحقيق اعتمد إيكاد على وثائق مسربة خاصة حصل عليها الفريق وتقارير متخصصة وتسريبات البرقيات المتداولة من البيت الأبيض، التي رصدها عبر موقع “ويكيليكس”. كما قام بمراجعة أرشيف المقابلات التي أجرتها صحف أجنبية خلال العقدين الماضيين مع عائلة “أديلسون”، وقواعد البيانات المفتوحة للشركات والمؤسسات.
يقول فريق إيكاد: بالبحث في قائمة الممولين لترامب، وجدنا أن من ضمن أكبر 3 متبرعين سيدة أعمال يهودية تُدعى “ميريام أديلسون”. تجاوز حجم ما قدمته 105.8 مليون دولار مخصصة للجان التمويل السياسي للحزب الجمهوري. لذا فهي أكبر متبرع من خلفية يهودية في انتخابات 1445هـ (2024م).
من هي “ميريام أديلسون”؟ وما سر السخاء مع ترامب؟
- سيدة أعمال يهودية أمريكية تحمل الجنسية “الإسرائيلية”.
- تُقدر ثروتها بنحو 37 مليار دولار، بحسب وكالة “بلومبيرغ”.
- ورثت شركات زوجها “شيلدون أديلسون” الذي توفي في 1442هـ (2021م)، وكان يملك: صحيفة “Israel Hayom” “الإسرائيلية” اليمينية. وسلسلة شركات “Las Vegas Sands Corp” التي تتضمن كازينوهات وفنادق في عدة دول.
- وبجانب ذلك، تمتلك عائلة “أديلسون” أيضًا سلسلة منظمات غير ربحية، بينها: مدارس يهودية في لاس فيغاس في أمريكا، ومؤسسة طبية لمعالجة الإدمان، ومؤسسة “Adelson Family Foundation” الخيرية، التي تتم غالبية تبرعات العائلة من خلالها، بحسب ما كشفت عنه قاعدة بيانات “Open Corporates”.
وبالبحث عن أيديولوجية “ميريام أديلسون” وعائلتها، تبيّن أنها:
- ترى الشعب الفلسطيني عقبة أمام قيام “دولة الاحتلال الإسرائيلي”.
- تعارض حل الدولتين وأي مفاوضات مع الفلسطينيين، وتراها بداية نهاية “دولة الاحتلال إسرائيل”.
- تمول برنامج حق الولادة في “إسرائيل”.
- تعد من أبرز داعمي نتنياهو.
- عارضت أوباما عام 1434هـ (2013م) لإبرامه الاتفاق النووي مع إيران “بدلًا من ضربها بقنبلة نووية”.
- استخدمت صحيفة “إسرائيل هيوم” لشن حملات دعائية ضد أوباما لمعارضته سياسة الاستيطان.
- أسست لوبي في أمريكا يسمى “لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل” لشنّ حملات دعائية ضد أوباما والدفاع عن نتنياهو.
وفي سبيل خدمة هذه الأيديولوجية المتطرفة، وجد فريق إيكاد أن “ميريام أديلسون” وعائلتها عكفوا منذ سنوات على دعم الحزب الجمهوري بسخاء، لا سيما في أوقات الانتخابات. ففي انتخابات عام 1433هـ (2012م)، كانت أكبر متبرع للحزب بنحو 100 مليون دولار.
وفي انتخابات عام 1437هـ (2016م): تبرعت بـ133 مليون دولار تقريبًا، ما يشكّل 30.6% من إجمالي التمويل الذي تلقّته الحملة حينها. وفي انتخابات 1441هـ (2020م): بلغت تبرعاتها 173 مليون دولار.
من أهم النقاط التي كشفها فريق إيكاد هنا أن دعم “أديلسون” للجمهوريين يكون بشروط:
فمثلًا في انتخابات 1437هـ (2016م)، ربطت تمويلها مقابل التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بجانب تأييد سياسة الاستيطان في الضفة الغربية. وهي شروط تحققت جميعًا بالفعل خلال ولاية ترامب.
ما أهداف “أديلسون” التي تسعى لتحقيقها خلال ولاية ترامب الحالية؟
وجدت إيكاد تقارير أشارت إلى رهن “أديلسون” تمويلها لحملة ترامب الانتخابية في 1445هـ (2024م) بموافقته على سياسة الاستيطان الكامل في الضفة الغربية التي يتبناها اليمين المتطرف في “إسرائيل”.
وعبر عمليات بحث معمقة وحصر خاص لبيانات التمويل من قِبل إيكاد، وُجد أن توظيف عائلة “أديلسون” ملياراتهم لدعم “إسرائيل” لم يتوقف على تعزيز الميول اليمينية الموالية لها داخل الحزب الجمهوري والبيت الأبيض، بل شملت دعمًا مباشرًا لشبكة منظمات “إسرائيلية” يمينية.
أهم المنظمات اليهودية اليمينية التي دعمتها “أديلسون”
منظمة “HaShomer HaChadash”
على رأس قائمة المنظمات التي دعمتها “إديلسون” كانت منظمة “HaShomer HaChadash”. والتي تعني بالعبرية (الحرس الجديد). تأسست عام 1428هـ (2007م) في “إسرائيل” ويرأسها حاليًا “رام شمويلي” رئيس الاستخبارات السابق في سلاح جو الاحتلال “الإسرائيلي”.
يزيد عدد المتطوعين فيها عن 120 ألف “إسرائيلي”، ووصفتها صحيفة “هآرتس” بـ”أكبر ميليشيا إسرائيلية”. وفي وقت سابق ارتكب متطوعون بها أعمال عنف ضد فلسطينيي الضفة الغربية.
تتبنى المنظمة أيديولوجية يمينة متطرفة، تدعم زيادة المستوطنات. وهي مسؤولة عن تدريب آلاف الشباب على استخدام الأسلحة وحراسة المستوطنات والأراضي بالتنسيق مع جيش الاحتلال “الإسرائيلي”.
تعتمد على التبرعات كمصدر للتمويل؛ حيث تلقّت بين عامي 1440هـ (2019م) و 1442هـ (2021م) دعمًا بقيمة 6 مليون دولار من عائلة “أديلسون”. ويدعمها كذلك سياسيون “إسرائيليون”، منهم وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” “إيتمار بن غفير” ووزيرة الاستيطان “أوريت ستروك”، ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” “بنيامين نتنياهو” الذي حضر إحدى فعالياتها بعد أحداث 7 أكتوبر.
وبتتبُّع نشاط المنظمة بعد معركة “طوفـ.ـان الأقصى”، وجد فريق إيكاد أنها:
تلقت منحة من وزارة الاستيطان “الإسرائيلية” بقيمة 13.5 مليون دولار لحماية الأنشطة الاستيطانية في الضفة والقيام بنوبات الحراسة. كما تعهدت للحكومة “الإسرائيلية” بتأدية 15 ألف نوبة حراسة لحماية مستوطنات الضفة الغربية. وسلّحت آلاف “الإسرائيليين” لتسيير دوريات وتعزيز السيطرة “الإسرائيلية” على جانبي الخط الأخضر.
وأنشأت عام 1445هـ (منتصف 2024م) مدارس صهيونية على حدود قطاع غزة. وبدأت بإعادة بناء مستوطنات غلاف غزة واستصلاح الأراضي الزراعية.
منظمة “Ir David Foundation”
من المنظمات اليمينية التي كشف دعم عائلة “أديلسون” لها كانت منظمة “Ir David Foundation”، المعروفة أيضًا باسم “ELAD”. تأسست عام 1406هـ (1986م) ولا تخضع أنشطتها لرقابة الحكومة “الإسرائيلية” نهائيًا.
عملت منذ تأسيسها على شراء المنازل والعقارات الفلسطينية في القدس الشرقية ومواقع أُخرى عبر التلاعب القانوني أو الابتزاز المالي، بحسب تسريبات “ويكيليكس” التي راجعتها إيكاد. استحوذت عام 1437هـ ( 2016م) على مواقع أثرية في القدس لتديرها نيابةً عن الحكومة “الإسرائيلية”.
تلقت المنظمة 3 ملايين دولار عام 1439هـ (2018م) من عائلة “أديلسون” دعمًا لأنشطتها، التي تبيّن أنها تركز على:
- توطين العائلات اليهودية داخل المدينة القديمة في القدس.
- ترويج السياحة اليهودية في القدس.
- إجراء حفريات وحفر أنفاق قرب الحرم المقدسي للتنقيب عن آثار يهودية.
- وحسب تسريبات حصل عليها الفريق من “ويكيليكس”، قامت المنظمة بالفعل بحفر أنفاق تحت منازل الفلسطينيين ومسجد “مجمع سلوان” في القدس رغم صدور أمر قضائي “إسرائيلي” عام 1429هـ (2008م) بعدم قانونية تلك الأنشطة.
المجلس “الإسرائيلي” الأمريكي “Israeli-American Council”
هذه المنظمة عبارة عن لوبي “إسرائيلي” في أمريكا. أسسها رجال أعمال “إسرائيليون” عام 1428هـ (2007م). تلقّت عام 1439هـ (2018م) من عائلة “أديلسون” منحة مالية بأكثر من 12 مليون دولار.
ومن أهم أنشطة هذا المجلس:
- الضغط على الحكومة الأمريكية لقمع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلـسطين.
- إدارة حملات إعلامية لتعزيز رواية الاحتلال ومكافحة معاداته في الجامعات الأمريكية.
- دعم منظمات تراقب الطلاب المؤيدين لفلسطين والتشهير بهم مثل منظمة “Israel on Campus Coalition ICC” بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية”.
- الضغط القانوني على مجالس الولايات الأمريكية لمنع إصدار قوانين تدعم المقاطعة، والعمل على إيقاف حركة “BDS” الداعية لمقاطعة “إسرائيل” وفرض عقوبات عليها.
منظمة “Birthright Israel Foundation”
تعمق الفريق في تحليل التقرير السنوي المالي لعائلة “أديلسون”، ولفت انتباهنا تقديمها تمويلًا ضخمًا لمنظمة “Birthright Israel Foundation” التي تعني “حق الولادة في إسرائيل”. قيمة التمويل بلغت نصف مليار دولار منذ عام 1427هـ (2006م). وتأسست في 1419هـ (مارس 1999م).
أحد مؤسسيها الملياردير الأمريكي اليهودي “مايكل ستينهاردت” صاحب مقولة “إسرائيل هي الدولة الأكثر أخلاقية على هذا الكوكب”. كما أن قادتها لا يؤمنون بإمكانية تطبيق حل الدولتين.
من أهم أنشطة منظمة “حق الولادة في إسرائيل”:
- دعم وتشجيع هجرة اليهود حول العالم إلى “إسرائيل” وتوفير زيارات مجانية لهم.
- تنظيم رحلات لليهود إلى البلدة القديمة في القدس، وتشجيع بناء المستوطنات فيها.
- دعم حق الولادة ومنح الجنسية في “إسرائيل” لليهود غير “الإسرائيليين”.
وقد تزايد نشاط المنظمة داخل كندا وأمريكا، وافتتحت عشرات الفروع لها خلال العقدين الماضيين، ولا يزال 22 فرعًا منهم نشطًا حتى الآن، وهو ما يعكس تأثر نشاطها بالدعم الذي توفره “أديلسون”.
منظمة أصدقاء “الجيش الإسرائيلي” “The Friends of the Israel Defense Forces – FIDF”
قدّمت عائلة “أديلسون” عام 1441هـ (2020م) منحة مالية بقيمة 11 مليون دولار لمنظمة “أصدقاء الجيش الإسرائيلي”. وهي منظمة “إسرائيلية” أمريكية تأسست عام 1401هـ (1981م). تضم حاخامات وسياسيين ورجال أعمال وعسكريين سابقين. وتقدّم مساعدات مالية لجنود جيش الاحتلال “الإسرائيلي” وعوائلهم والمقاتلين القدامى والجرحى. وتعتمد في تمويلها على جمع التبرعات عبر مكاتبها المنتشرة في أمريكا.
منظمة “One Jerusalem”
تلقّت دعمًا بقيمة مليون دولار بين 1428هـ (2007م) و1432هـ (2011م) من “أديلسون”. وهي منظمة يهودية “إسرائيلية” تأسست عام 1420هـ (2000م)، وتعارض “حل الدولتين”. كما أنها تدعم السيادة “الإسرائيلية” الكاملة على القدس، وتدعو لاتخاذ القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، بجانب تشجيعها على الاستيطان.
ومن أهم قادتها 3 أشخاص ينتمون للجناح اليميني المتطرف، في مقدمتهم رئيس الوزراء “الإسرائيلي” “بنيامين نتنياهو”. والثاني هو “ناتان شارانسكي” مدير المنظمة، ومعروف بتوجهاته اليمينية. كما أنه يعارض أي مفاوضات مع الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، ويرفض فكرة الانسحاب من غزة.
وثالث قادتها هو “رونالد لود” رجل الأعمال “الإسرائيلي” الأمريكي ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي. وهو من أكبر داعمي حزب الليكود “الإسرائيلي”، وتربطه علاقات قوية مع “بنيامين نتنياهو”. كما أنه مُطلق مشروع المساءلة عن معاداة السامية “ASAP” في أمريكا عام 1440هـ (2019م)، الذي يهدف لإسقاط المرشحين الذين يروّجون لمعاداة السامية.
معهد الشرق الأوسط للإعلام والبحوث “MEMRI”
بجانب المنظمات الصهيونية السابقة، دعمت كذلك عائلة “أديلسون” معهد الشرق الأوسط للإعلام والبحوث “MEMRI” بأكثر من مليون دولار عام 1439هـ (2018م). تم تأسس المعهد عام 1418هـ (1998م) على يد ضابط الاستخبارات “الإسرائيلي” السابق “ييجال كارمون”.
يركز على انتقاء ترجمات متحيزة يصدّرها للغرب، تصوّر العرب والإسلام بصورة سلبية وتلصق بهم صفات التطرف، بحسب ما كشفته منظمة “CAIR” الأمريكية.
تمويل حملات مناهضة للإسلام
وبعيدًا عن المؤسسات الصهيونية، قدمت “أديلسون” كذلك تمويلًا لحملات مناهضة للإسلام والمسلمين في الغرب، بحسب تحقيق لـ”نيويورك تايمز” عام 1433هـ (2012م). مثل تمويلها فيلم هوليوود “The Third Jihad” الذي يُصوّر المسلمين كمتطرفين وإرهابيين.
التجسس على مؤسس موقع “ويكيليكس”
لم تتوقف عائلة “أديلسون” على توظيف ثروتها عند التأثير السياسي، بل تعدتها لممارسة أنشطة تجسسية، استهدفت فيها أشخاص يُشكّلون خطرًا على “إسرائيل”، بحسب زعمهم. وحسب ما كشفته وثائق مسربة خاصة اطلعت عليها إيكاد، فقد ضخ “شيلدون أديلسون” زوج “ميريام” ملايين الدولارات للتجسس على “جوليان أسانج” مؤسس موقع “ويكيليكس”، خلال وجوده في سفارة الإكوادور كلاجئ سياسي. وتبيّن أن عملية التجسس تمت بالتنسيق مع وزارة الخارجية البريطانية.
أبرز النتائج التي توصلت لها إيكاد:
“ميريام أديلسون” شخصية محورية في تشكيل السياسة الأمريكية لصالح الاحتلال الإسرائيلي. وقدّمت مئات الملايين لحملات الحزب الجمهوري بشروط تخدم “إسرائيل”. تبرعاتها عادةً ما كانت مشروطة بخطوات جوهرية، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والآن تشترط توسيع الاستيطان.
الدعم المالي لم يقتصر على الحملات الانتخابية فحسب، بل امتد إلى تمويل منظمات يمينية متطرفة. وعائلة “أديلسون” هي المتبرع والداعم الأكثر سخاءً لمجموعة من أكثر المنظمات “الإسرائيلية” تطرفًا. ومنذ عام 1428هـ (2007م) قدمت دعمًا يُقدر بنحو 535 مليون دولار تقريبًا للمنظمات المتطرفة. تلك المنظمات تُعزز الاستيطان وتهجير الفلسطينيين، وتُحكم السيطرة على القدس.
كما أسهمت عائلة” أديلسون” كذلك في حملات إعلامية لشيطنة العرب والمسلمين عبر تعزيز الإسلاموفوبيا. كما شمل دعمها أنشطة تجسسية على معارضي “إسرائيل”، بالتنسيق مع أجهزة استخباراتية.
وهنا يأتي السؤال.. هل أصبحت سياسة واشنطن الخارجية عصا يُحركها ممولو الرئيس؟ وهل يمكن أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه “إسرائيل” إذا توقفت مثل هذه التبرعات المشروطة؟ أم أن هذا التحالف بين المال والسياسة أقوى من أي تغيير؟
إيكاد.
اترك تعليقاً