الأمر التنفيذي الأمريكي ضد بعض فروع جماعة الإخوان: قراءة واقعية في “الجدوى والتأثير” بعيداً عن التهويل

46504

بين فريق يرى في الأمر التنفيذي الأمريكي الأخير ضربة قاضية تنهي وجود جماعة الإخوان المسلمين، وفريق آخر يصور الأمر كحرب وجودية كبرى على الإسلام، يضيع “التحليل الواقعي” للأحداث.

كمتابعين للمشهد، معنيين بلغة الأرقام والآليات لا بالعواطف، نجد أن قراءة متأنية لنصوص القرار ولخريطة انتشار الجماعة عالمياً تقودنا لنتيجة مغايرة تماماً للسرديات المتداولة: نحن أمام قرار “محدود الفعالية”، بل وقد يحمل نتائج عكسية سياسياً بل اراه أكبر هدية للجماعة في الفترة الأخيرة.

وفيما يلي الأسباب التي تجعلني اقول بمحدودية تأثير القرار في نقاط محددة جوهرية:

1- خطأ في التصور، الأصول المالية خارج السيطرة الأمريكية.يعتمد القرار الأمريكي في جوهره على تجميد الأصول والممتلكات. هذه العقوبات تكون فعالة حينما يمتلك الكيان المستهدف أصولاً استراتيجية داخل النظام المالي الأمريكي أو الأوروبي المرتبط به.

ولكن واقع الحال يشير إلى أن فروع الجماعة في الدول المذكورة (مصر، الأردن، لبنان) لا تحتفظ بأي أصول ذات قيمة في الولايات المتحدة.

الحالة المصرية: النظام المصري استنفد بالفعل كافة الإجراءات العقابية (حظر، مصادرة، تجفيف منابع) منذ سنوات وفق القوانين المحلية. بالتالي، القرار الأمريكي لا يقدم أي جديد على الأرض، فهو يعاقب كياناً تم تفكيك بنيته المالية محلياً بالفعل.

العمق الاستراتيجي: الثقل المالي الحقيقي للجماعة لم يعد في المنطقة العربية، بل انتقل منذ عقود إلى ما يمكن تسميته “الملاذات الآمنة” في دول مثل إندونيسيا، ماليزيا، باكستان، وتركيا، بالإضافة إلى شبكة استثمارات في أوروبا تعمل تحت غطاء شركات مساهمة قانونية لا يشملها القرار الحالي ولا يمكن ربطها به بسهولة.

2- إشكالية “السيادة الوطنية” وتعارض القوانينيغفل القرار حقيقة جيوسياسية معقدة، وهي أن وضع الجماعة يختلف من دولة لأخرى.في دول ذات ثقل إسلامي كبير (مثل إندونيسيا، الكويت، المغرب، باكستان)، لا تُصنف فروع الجماعة ككيانات إرهابية أو محظورة، بل هي أحزاب سياسية مرخصة، ولها تمثيل برلماني، وشراكة في الحكومات.

من الناحية القانونية الدولية، لا تملك واشنطن سلطة فرض عقوبات على أحزاب سياسية شرعية في دول ذات سيادة لمجرد صدور قرار تنفيذي داخلي أمريكي. هذا التضارب يحمي “شريان الحياة” الرئيسي للجماعة في آسيا وشمال أفريقيا، ويجعل القرار الأمريكي بلا أنياب خارج حدوده.

3- المرونة التنظيمية والبدائل التكنولوجيةالتعامل مع التنظيمات الفكرية العابرة للحدود بنفس منطق التعامل مع “الشركات التجارية” هو خطأ في التقدير يقع فيه ترامب دائما ويميز حقبته باعتبار انه قادم من بيئة رجال الأعمال، ولكنه يغفل أن هذه الكيانات تمتلك مرونة عالية في التكيف:نقل الأنشطة بين فروع الجماعة: يمكن للجماعة بسهولة نقل الصلاحيات الإدارية والملكية الاسمية من الأفراد المستهدفين في الفروع المعاقبة إلى شخصيات غير معروفة في فروع أخرى (كالفرع التركي أو الماليزي).

التكنولوجيا المالية: في ظل تطور التكنولوجيا المالية (FinTech)، لم تعد التحويلات المالية رهينة النظام البنكي التقليدي (SWIFT). تتوفر الآن بدائل محلية (مثل أنظمة الدفع المحلية في دول مثل تركيا)، والأهم هو وجود “العملات المشفرة” (Crypto) التي توفر قنوات لنقل الأموال عبر الحدود بعيداً عن أعين الرقابة الأمريكية، مما يجعل الحصار المالي شبه مستحيل عملياً.

4- هشاشة (الأمر التنفيذي)يجب الانتباه إلى أن هذا التحرك جاء بصيغة “أمر تنفيذي” رئاسي، وليس قانوناً صادراً عن الكونغرس (تشريع) والفارق كبير؛ فالأمر التنفيذي أداة إدارية هشة مرتبطة بوجود الرئيس في السلطة.مع أي تغير في الإدارة الأمريكية (عودة الديمقراطيين مثلاً)، يمكن إلغاء هذا القرار بجرة قلم، كما حدث في سوابق كثيرة. الجماعة، التي تمتلك نفساً طويلاً يمتد لتسعين عاماً، قادرة على استيعاب هذه “الموجة المؤقتة” والمناورة خلالها بأقل الخسائر.

5- النتائج الإيجابية لقرار ترامب هي أنه أعطى الجماعة هدية مجانية للدعاية السياسية.لعل الجانب الأكثر مفارقة في هذا القرار هو أنه يخدم الجماعة أكثر مما يضرها على المستوى المعنوي والسياسي.

توحيد الصف: الجماعة التي كانت تعاني مؤخراً من تصدعات داخلية وانقسامات حادة، قد تجد في هذا “الخطر الخارجي” فرصة لإعادة رص الصفوف وتأجيل الخلافات تحت شعار مواجهة التحدي المشترك.

استعادة السردية: صدور القرار من إدارة أمريكية منحازة لإسرائيل، وفي ظل أحداث غزة، يمنح الجماعة فرصة ذهبية لتسويق نفسها مجدداً كـ “ضحية” لمواقفها السياسية، وكطرف مستهدف من قبل القوى الدولية.

هذا الخطاب يحشد التعاطف الشعبي في الشارع العربي والإسلامي، ويعيد وضعها في مركز الأحداث، هدية ومكسب رائع بلا شك.

م. خالد فريد سلام

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا