حتما ستزول !!

41479

‏حتما ستزول !!‏..‏يمثل كشف تقرير صحيفة Haaretz الإسرائيلية عن وجود أرشيف ضخم وغير معلَن في جامعة هارفارد يضم ما يقارب مليون مادة مرتبطة بإسرائيل، نقطة انتقال في كيفية قراءة علاقة النخب الأكاديمية الغربية بمستقبل الدولة الإسرائيلية.‏

فالأرشيف نفسه، وفق ما هو منشور، مشروع قديم تراكم عبر عقود، لكن الدلالة التي أُعيد تقديمه بها اليوم مختلفة جذريًا عن سياقه الأصلي. وهنا تكمن أهمية الخبر: ليس في وجود الأرشيف، بل في اللغة الجديدة التي تُستخدم الآن لتفسير وظيفته.‏أصل المشروع يعود إلى نشاط أرشيفي كلاسيكي ضمن مكتبة الشرق الأدنى في هارفارد، جمع فيه أمناء المكتبات موادَّ إعلامية وثقافية إسرائيلية منذ السبعينيات وما بعدها، لا تتوافر مؤشرات على أن عملية الجمع في مراحلها الأولى كانت مدفوعة بفكرة “النسخة الاحتياطية لإسرائيل” هذا تفسير لاحق، ما يلفت النظر الآن هو ظهور خطاب يربط بين الأرشيف وبين احتمال زوال دولة الاحتلال، وهو خطاب لم يكن ممكنًا في السياقات الغربية السائدة خلال العقود الماضية.‏

النقطة الجوهرية أن المعنى تغيّر، لا المشروع، إعادة تأطير الأرشيف بهذه اللغة تعكس تحوّلًا أعمق في البيئة السياسية العالمية بعد حرب ‌غزة⁩ فالارتداد الأخلاقي والسياسي الذي أحدثته العمليات العسكرية الواسعة وما نتج عنها من دمار وخسائر بشرية خلق وضعًا جديدًا في الرأي العام الدولي، وأصبح نقد السياسات الإسرائيلية علنيًا وجذريًا في مؤسسات كانت تُعد سابقًا من أكثر البيئات دعمًا لها، هذا التحول لا يتعلق بالمزاج العابر، بل بتغير بنيوي في الخطاب الحقوقي والإعلامي والأكاديمي.

‏في هذا السياق، يصبح من المفهوم أن يكتسب أرشيف قديم معنى جديدًا، صياغة وظيفته الآن كـ “حفظ لتراث دولة قد تواجه زوالا” ظهرت لأن فكرة زوال إسرائيل، أصبحت قابلة لطرحها في النقاش العام، نتيجة التآكل الواضح في شرعيتها الأخلاقية لدى جزء كبير من العالم، هنا يظهر الأرشيف كرمز: ليس لأن المشرفين عليه خططوا له بهذه النية، بل لأن المناخ الخارجي أعاد تفسيره بهذه الطريقة.‏

يمكن القول إن الخبر يعكس قلقًا استراتيجيًا متناميًا لدى بعض الأوساط الغربية، قلقًا لا يتعلق بالتهديد العسكري المباشر، بل بـ “الشرعية السياسية” الغربية التي بُني عليها المشروع الإسرائيلي منذ عقود، فالدول التي تعتمد على الدعم الدولي قد تواجه أزمات وجودية عندما تتآكل صورتها الأخلاقية، وهذا ما جعل الحديث عن “النسخة الاحتياطية” أكثر قابلية للتداول.‏

باختصار: وجود الأرشيف قديم، لكن معناه اليوم جديد، إعادة قراءته جاءت نتيجة تغيّر اللحظة التاريخية، لا نتيجة تغيّر المشروع نفسه، وبالتالي، فالخبر يلقي الضوء على تحولات أعمق من مجرد كشف أرشيفي،إنه يعكس إعادة تقييم جذرية لموقع إسرائيل في العالم بعد حرب غزة، ويُظهر أن فكرة استقرارها لم تعد مسلَّمة داخل بعض النخب التي كانت تُعد سابقًا من أكثر الحاضنات ثباتًا لها.‏‌

حسن قطامش

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا