المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) يوثق واحدة من أبشع الجرائم التي يمكن أن تُرتكب ضد الإنسان وكرامته في العصر الحديث. ففي الأسابيع الأخيرة، جمع موظفو المركز شهادات جديدة من عدد من الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة الذين أُفرج عنهم مؤخرًا من السجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي. تكشف هذه الشهادات عن ممارسة منظمة ومنهجية للتعذيب الجنسي، تشمل الاغتصاب، والتهشيم القسري للملابس، والتصوير القسري، والاعتداء الجنسي باستخدام الأدوات والكلاب، إلى جانب إذلال نفسي متعمد يهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية ومحو الهوية الفردية بالكامل. ويؤكد المركز أن هذه الشهادات لا تعكس حوادث منفصلة، بل تمثل سياسة منهجية تُمارس في سياق جريمة الإبادة المستمرة بحق أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، بما في ذلك آلاف الأسرى المحتجزين في السجون والمعتقلات العسكرية المغلقة أمام الهيئات الدولية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
تتضمن الشهادات التي وثّقها محامو وباحثو الميدان في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) روايات مروعة تتعلق بحوادث اغتصاب ارتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم النساء، اللواتي جرى اعتقالهن من مناطق مختلفة في قطاع غزة خلال العامين الماضيين. وتشير هذه الشهادات إلى أن عمليات الاعتقال جرت دون أي مبرر قانوني سوى كون الضحايا من سكان قطاع غزة، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وإلحاق أقصى درجات الضرر النفسي والجسدي بهم. وتعد هذه الممارسات جزءًا لا يتجزأ من جريمة الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في القطاع.
شهادة امرأة فلسطينية من غزة، كانت معتقلة سابقا، وثقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR):
السيدة ن.أ، فلسطينية تبلغ من العمر 42 عامًا وأم، تم اعتقالها أثناء مرورها عبر نقطة تفتيش إسرائيلية في شمال غزة في نوفمبر 2024. في شهادتها لموظفي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، سردت ن.أ أشكالًا متعددة من التعذيب والعنف الجنسي، بما في ذلك تعرضها للاغتصاب أربع مرات على يد جنود إسرائيليين، وتعرضها للسب والإهانات الفاحشة المتكررة، وتجريدها من ملابسها وتصويرها عارية، والصعق بالكهرباء، والضرب في جميع أنحاء جسدها. وأخبرت محامي المركز بما يلي:
“في الفجر سمعت الجنود يصرخون، يقولون إن صلاة الصبح ممنوعة، وأعتقد أنه كان اليوم الرابع بعد اعتقالي من غزة. نقلني الجنود إلى مكان لا أعرفه لأن عيني كانت معصوبة، وأمروني بخلع ملابسي، ففعلت. وضعوني على طاولة معدنية، وضغطوا صدري ورأسي عليها، وكبلوا يدي إلى طرف السرير، وجذبوا ساقيّ بقوة. شعرت برجل يعتدي عليّ جنسيًا. بدأت بالصراخ، وانهالوا عليّ ضربًا على ظهري ورأسي بينما كنت معصوبة العينين.
واصلت الصراخ وتلقي الضربات، وكنت أسمع صوت كاميرا—فأعتقد أنهم كانوا يصورونني. استمر الاغتصاب حوالي عشر دقائق. بعد ذلك، تركوني لمدة ساعة في نفس الوضعية، ويدي مكبلتان بالسرير بالأصفاد المعدنية، ووجهي على السرير، وقدماي على الأرض، وكنت عارية تمامًا.
مرّة أخرى، وبعد ساعة، تعرّضتُ لاغتصابٍ كاملٍ في الوضعية ذاتها، وكانوا يضربونني بينما كنت أصرخ. كان هناك عدد من الجنود، سمعت ضحكاتهم وصوت الكاميرا وهي تلتقط الصور. كان هذا الاغتصاب سريعًا جدًا وخلاله، كانوا يضربونني بأيديهم على رأسي وظهري.
لا أستطيع وصف ما شعرت به؛ كنت أتمنى الموت في كل لحظة. بعد أن اغتصبوني، تُركتُ وحدي في الغرفة نفسها، ويداي لا تزالان مقيدتين بالسرير، ومن دون ملابس لساعات طويلة. كنت أسمع الجنود في الخارج يتحدثون بالعبرية ويضحكون. لاحقًا، اغتُصبتُ مرة أخرى. كنت أصرخ، لكنهم كانوا يضربونني كلما حاولت المقاومة. وبعد أكثر من ساعة — لست متأكدة من الوقت — دخل جندي ملثم، أزال العصابة عن عيني، ورفع قناعه عن وجهه؛ كان ذا بشرة بيضاء وطويل القامة. سألني إن كنتُ أتحدث الإنجليزية، فأجبت بالنفي. قال إنه روسي، وأمرني أن أمارس العادة له بيدي. رفضت، فلكمني في وجهي بعد أن اغتصبني.
في ذلك اليوم، اغتُصبت مرتين. تُركت عارية طوال اليوم في الغرفة التي قضيت فيها ثلاثة أيام. في اليوم الأول اغتُصبت مرتين، وفي اليوم الثاني اغتُصبت مرتين أيضًا، أما في اليوم الثالث فبقيت بلا ملابس، بينما كانوا ينظرون إليّ من خلال شق الباب ويصوّرونني. قال أحد الجنود إنهم سينشرون صوري على وسائل التواصل الاجتماعي. وبينما كنت في الغرفة، بدأت دورتي الشهرية، ثم أمروني بارتداء الملابس ونقلوني إلى غرفة أخرى.”
في حادثة أخرى، اعتُقل الفلسطيني أ.أ، البالغ من العمر 35 عامًا وأب لأسرة، أثناء تواجده في مستشفى الشفاء بمدينة غزة في مارس 2024. وروى للباحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تفاصيل التعذيب الوحشي الذي تعرض له خلال 19 شهرًا من الاحتجاز، شمل تجريده قسرًا من ملابسه، وسبًّا وإهانات فاحشة، وتهديدات بالاغتصاب له ولأسرته، حتى وصل به الأمر إلى أن اغتصبه كلب مدرّب داخل معسكر سدي تيمان العسكري. وصرح قائلاً:
“نُقلت إلى قسم لم أكن أعرفه داخل سدي تيمان. خلال الأسابيع الأولى هناك، وسط عمليات القمع المتكررة، نُقلنا أنا ومجموعة من المعتقلين بطريقة مهينة إلى مكان بعيد عن الكاميرات—ممر بين الأقسام. جُردنا بالكامل. أحضر الجنود كلابًا تسلّقت علينا وبولت عليّ. ثم اغتصبني أحد الكلاب—الكلب فعل ذلك عمدًا، وكان يعلم تمامًا ما يفعله، بينما استمر الجنود في ضربنا وتعذيبنا ورش رذاذ الفلفل على وجوهنا. استمر اعتداء الكلب حوالي ثلاث دقائق؛ فيما استمرت عمليات القمع الإجمالية نحو ثلاث ساعات. وبسبب الضرب المبرح، أصبنا جميعًا بإصابات في أجسادنا. تعرضت لانهيار نفسي شديد وإذلال عميق؛ فقدت السيطرة لأنني لم أكن أتصور أن أمر بمثل هذا. بعد ذلك، قام طبيب بخياطة جرح في رأسي ناتج عن التعذيب—سبع غرز دون تخدير. كما تعرضت لكدمات وكسور في أطرافي وكسور في ضلع.”
ت.ق، فلسطيني يبلغ من العمر 41 عامًا وأب، اعتُقل أثناء نزوحه في مستشفى كمال عدوان في ديسمبر 2023. تعرض للتعذيب الجنسي خلال 22 شهرًا من الاحتجاز الإسرائيلي، شمل إهانات فاحشة، وتهديدات بإحضار زوجته إلى مكان الاحتجاز لاغتصابها، والاغتصاب بواسطة أداة خشبية. وفي شهادته للباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حول حادثة الاغتصاب، قال:
“اغتصبني أحد الجنود بإدخال عصا خشبية بعنف في شرجي. بعد نحو دقيقة أخرجها ثم أعاد إدخالها بقوة أكبر بينما كنت أصرخ بصوت عالٍ. وبعد دقيقة أخرى أخرجها ووضعها في فمي. من شدة الألم فقدت وعيي لدقائق، حتى جاءت ضابطة وأجبرتهم على التوقف عن ضربي. فكّت يدي، وأعطتني بدلة بيضاء لأرتديها، وقدمت لي كوب ماء شربته. شعرت بتدفّق الدم من شرجي وطلبت الذهاب إلى الحمام. أعطتني مناديل وذهبت إلى مرحاض بلاستيكي هناك. أزالوا عصابة العينين؛ وعندما مسحت شرجي كان هناك دم. بعد أن أنهيت ووقف النزيف، ارتديت البدلة البيضاء مجددًا. وما إن خرجت، عادت العصابة إلى عيني وربطوا يدي خلف ظهري بأربطة بلاستيكية. ثم نُقلت إلى غرفة احتُجزت فيها مع عدة معتقلين لحوالي ثماني ساعات، خلالها كان الجنود يعودون دوريًا لضربنا وإهانتنا بوحشية.”
كما وثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) شهادة الشاب م.أ، البالغ من العمر 18 عامًا، والذي أُعيد اعتقاله هذا العام قرب نقطة توزيع المساعدات الإنسانية التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في قطاع غزة، بعد أن كان قد اعتُقل سابقًا وأُفرج عنه. وقد روى للباحث الميداني في المركز أنه تعرّض لاعتداء جنسي حين اغتصبه الجنود بإدخال زجاجة قسرًا في شرجه، وهي ممارسة تكررت ضده وضد معتقلين فلسطينيين آخرين. وقال:
“أمرنا الجنود، أنا وستة معتقلين آخرين، بالركوع، واغتصبونا بإدخال زجاجة في الشرج، يدفعونها إلى الداخل ثم يسحبونها. حدث ذلك لي أربع مرات، في كل مرة نحو عشر مرات من الإدخال والإخراج. كنت أصرخ، وكذلك الآخرون معي. من بين المرات الأربع، مرتان كنت فيها وحدي، ومرتان مع آخرين—مرة مع ستة أشخاص ومرة مع اثني عشر شخصًا. رأيت ما كانوا يفعلونه بالآخرين بينما كانوا يفعلونه بي، وأدركت أنها زجاجة. كان هناك أيضًا كلب خلفنا، كما لو كان الكلب يغتصبنا. لقد انتهكوا كرامتنا، وحطموا أرواحنا، وقتلوا فينا الأمل بالحياة. كنت أطمح إلى مواصلة تعليمي، أما الآن فقد تهت وضعت بعد ما جرى لي.”
يشير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) إلى أنه في مايو 2025 أصدر تقريرًا مفصّلًا، استند إلى شهادات مئة من المعتقلين الذين أُفرج عنهم، تناول أساليب التعذيب الوحشي، والمعاملة المهينة، وظروف الاحتجاز اللاإنسانية التي تعرض لها المعتقلون داخل السجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي. وخلص التقرير إلى أن المعاملة التي مارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وجهاز المخابرات، وموظفو مصلحة السجون الإسرائيلية، لا تقتصر على استيفاء عناصر التعذيب وفق القانون الدولي فحسب، بل ترتقي أيضًا إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية، وتحديدًا من خلال الأفعال الإبادة التالية: (1) التسبب بأذى جسدي أو نفسي بالغ لأعضاء المجموعة؛ و(2) فرض ظروف حياة على المجموعة مقصودة لحساب تدميرها الجسدي كليًا أو جزئيًا.
في ضوء هذه الجرائم الجسيمة المرتكبة ضد المعتقلين الفلسطينيين، يدعو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، واتفاقية الأمم المتحدة للوقاية من جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها، والأمين العام للأمم المتحدة، وآليات الأمم المتحدة الخاصة، وجميع المؤسسات الحقوقية والإنسانية المعنية، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد للسياسة المنهجية للتعذيب والاختفاء القسري بحق المعتقلين الفلسطينيين. ويحث المركز على اتخاذ تدابير ملموسة للضغط على إسرائيل للإفراج عن جميع الفلسطينيين المحتجزين تعسفيًا، والكشف عن مصير ومكان جميع المختفين قسرًا، والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول الفوري وغير المحدود إلى كافة مرافق الاحتجاز.
كما يحذر المركز من أن آلاف المعتقلين الفلسطينيين يواجهون خطر الموت المؤكد، إذ صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 3 نوفمبر 2025 على مشروع قانون يتيح تطبيق عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين. ووفقًا لتوثيق المركز، استخرجت إسرائيل العديد من الاعترافات المنتزعة بالإكراه من الأسرى نتيجة التعذيب الوحشي والتهديدات التي تعرضوا لها، ما يعني أن عقوبة الإعدام قد تُطبق على جميع المعتقلين الباقين في السجون والمعتقلات، مما قد يؤدي إلى تنفيذ إعدامات جماعية في انتهاك صارخ للقانونين الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
يدعو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) أيضًا المجتمع الدولي، والسلطة الفلسطينية، والجهات المختصة في قطاع غزة، وجميع المؤسسات الدولية والمحلية، إلى تقديم الحماية الفورية والرعاية النفسية والطبية الشاملة للناجين وضحايا التعذيب، وضمان سرية هوياتهم وسلامتهم.
ويؤكد المركز التزامه بمواصلة توثيق هذه الجرائم، وجمع الأدلة والشهادات، وتقديمها إلى آليات الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من هيئات المساءلة، سعيًا لتحقيق العدالة للضحايا، ومحاسبة الجناة، ووضع حد للإفلات من العقاب.





اترك تعليقاً