نشر الباحث شريف محمد جابر عبر منصة إكس: لا بد من التعليق السياسي الشرعي على دخول سورية في التحالف الدولي ضدّ داعش، وعلى الاهتمام البالغ للحكومة السورية بالعلاقة مع أميركا ووكلائها والترحيب بالاستثمارات الأميركية.
وربما يكون خير معبّر عن هذا التوجّه للحكومة السورية ما جاء في لقاء ليلة 9 نوفمبر في أميركا حيث نُقل عن الرئيس أحمد الشرع أنّه قال في لقائه مع براين ماست: “إن سورية تريد السلام لأهلها والمنطقة، وتريد سورية محاربة التطرّف وإعادة بناء البلد عن طريق الاقتصاد وأنّ الاقتصاد سبيل الاستقرار، كما أنّ سورية تريد للشركات الأميركية أن تكون في سورية وتستثمر في سورية وعند الاستقرار يختفي التطرّف”.
وضعْ خطّا تحت “محاربة التطرّف” وخطّا آخر تحت “سورية تريد للشركات الأميركية أن تكون في سورية وتستثمر في سورية”.
فلدينا تجارب عربية رائدة تخبرنا بنموذج “محاربة التطرف” في كنف أميركا وفتح الاستثمارات الأميركية وفق الاقتصاد الليبرالي الحرّ! من لا يرى هذه التجارب وما آلتْ إليه فهل يعيش معنا في العالم نفسه؟!
لم أقطع الأمل في سورية وأهلها، وما أكتبه من حين لآخر يدل على ثقتي بوجود عقلاء يحولون دون تكرار مسارات فاشلة. فهذا التوجّه يعبّر عن نفق خطير تدخل إليه سورية تدريجيا، خطير شرعيّا وسياسيّا على السواء. أي حتى لو كنت أيها القارئ علمانيّا لا تأبه بالمعيار الشرعي فعليك أن تخشى من هذه الخطوات لأنها ليست في مصلحة “الاستقرار” الموعود، فالاستقرار لا يحدث بمجرّد تحسين الاقتصاد، بل أولى أولويات الاستقرار لشعوبنا هي أن يشعر الإنسان بأنه في أمن وسلام وحرية في بلاده بحيث يمكنه ممارسة حقوقه ودينه وحياته بلا خوف من سلطة مرتهنة للخارج.
ومع الأسف الشديد، التجارب علّمتنا أن الارتهان للخارج في عالمنا العربي يقود تدريجيّا إلى البطش والاستبداد، حتى مع ازدهار الاقتصاد كما يحدث في بعض أنحاء العالم العربي!
علينا أن نعي جدّية اللحظة التي تمرّ فيها سورية، والمؤيّدون للشرع أكثر مَن يدرك الضعف العام والحاجة الماسة التي تعيشها البلاد (يكررون ذلك كثيرا في سياق التسويغ)، لكن ما لا يعملون حسابه هو التجربة التي تكررت مرارا لدولة ضعيفة من العالم الثالث، في سبيل تثبيت سلطتها أمام المناوئين والانفصاليين تسعى إلى تقديم نفسها كضامن لما ترغب به الدول الاستعمارية الكبرى.
فحتى ما قيل من تسويغ الانخراط في التحالف العسكري ضدّ داعش بأنّ هدفه دفع أميركا إلى التخلّي عن قسد، فهو ليس مسوّغًا كافيًا. ولا يخفى على مسلم حرمة موالاة الكافرين على المسلمين وخطورتها على الإيمان، حتى لو كانوا غلاة خوارج، ولا أنّ هذا الحكم الشرعي القرآني ليس عبثيّا بل له حكمة واقعية واضحة (تعالى الله عن العبث سبحانه)، وأنّ التجارب التاريخية والحديثة لكل بلاد المسلمين: من الأندلس إلى الصين تعلّمنا أنّ كل انخراط في تعاون مع الكفار ضدّ المسلمين لأي سبب كان ذلك وتحت أي ظرف كانت نتيجته كارثية على الأمة، خصوصا حين تكون اليد العليا في التحالف للكفار لا للمسلمين.
والعجب ممن يستدل بفتوى بعض علماء السعودية في جواز الاستعانة بالقوات الأميركية ونحن نرى اليوم الثمار النكدة لهذه الفتاوى، وكيف حطّت أميركا بخيلها ورجلها في مستعمراتها الجديدة في الخليج! وأنا لا أزاود على أحد، لكن هناك بديهية يدركها مناصرو الشرع قبل غيرهم: أنه لا شيء يأتي بسهولة في هذا العالم المتوحّش. فحتى حين أرادوا حكاية سردية النصر والتحرير ذكروا جهودًا من الصبر واللأواء والتربية والإعداد لسنوات.. والعجيب أنّ هذه السردية تبخّرت ولم تستمرّ مع تحدّيات ما بعد التحرير، وحلّت مكانها سردية “كلّه بالهداوة”!
ولا شكّ أن القوة الناعمة مطلوبة، والدبلوماسية القوية مطلوبة، وعدم إحداث عداوات جديدة مع النظام الدولي أمر مطلوب. لكن هذا لا يستلزم الدخول في أحلاف للقضاء على عصابة مسلمة مبتدعة يمكن التعامل معها بقوى الأمة (كما قال “الجولاني” ذات يوم!)، أو تقديم أنفسنا كوكلاء جدد للاستعمار الأميركي نتعاون مع أجنداته!
وأخيرا أقول: ينبغي أن يكون النشطاء والسياسيون والفاعلون في سورية على درجة عالية من الانتباه للمسار الذي يجري الآن، وأنا لا أتحدّث هنا عن تخوين بل أنطلق من حرص على شطر من الأمة هم أهلي الذين كنت معهم بعقلي وقلبي منذ عام 2011 بل وقبل ذلك. فالتضييق على بعض المهاجرين المسلمين أو تسليمهم بمختلف الحجج قد لا يثير الآن اعتراضًا عامّا كما لو تم اعتقال ناشط سياسي “سوري”، بسبب ما نعرفه من غلواء النزعة الوطنية في شعوبنا مع الأسف، لكن ينبغي التعامل معه من الآن بمنطق “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”، فالحرية التي أباحها الله للناس ليست حكرًا على شعب دون شعب، والممارسات السلطوية لا تفرّق بين عرق أو لغة أو جنسية لو لم تجد رادعًا، حتى لو كان أصحاب السلطة من خير الناس، فالمعادلة الواقية من الاستبداد السلطوي تحتاج إلى أمة يقظة رقيبة تأطر السلطة على الحقّ في كل حدث ومنحنى، بل هذا من العون لها كما لا يخفى على عاقل، فالرجل الفاضل الخيّر لو وجد التصفيق من حوله والسكوت عن هفواته قد يدفعه ذلك إلى الغرور والاستبداد بالراي!
وفق الله أهلنا في سورية إلى ما يحبّ ويرضى، وإلى إحياء المجتمع الحافظ لكرامة الإنسان المسلم وعزّه ومجده، الأبيّ على أي استحواذ خارجي أو خنوع.




اترك تعليقاً