من زحزحة الهوية إلى الخمول النفسي: خطورة الانزلاق في دوامة التواصل الاجتماعي

22930f84fb570a858a37028e77f709fc

في زمن امتلأت فيه الشاشات بضجيج لا ينتهي، صار الإنسان يفتح هاتفه ليطمئن، فيخرج منه أكثر اضطرابًا. نمرر الشاشة، صورة بعد صورة، حدثًا بعد حدث، حياةً فوق حياة، حتى تتسلل المقارنة إلى قلوبنا دون أن نشعر. يضعنا العالم الرقمي في سباق غير مرئي، نركض فيه دون نهاية، ولا نصل إلى شيء في النهاية إلا التعب والحزن والشعور بالنقص.

هذا الانغماس ليس مجرد عادة وقت فراغ، بل هو استنزاف للروح، وخمول في الفعل، وضعف في الهمة. ويتحول الإنسان شيئًا فشيئًا من فاعل لحياته إلى متفرج على حياة الآخرين.

أولًا: خمول عملي وفقدان المعنى

حين يقضي الشاب أو الفتاة ساعات طويلة يتابع منشورات لا تنتهي، يتعود العقل على الاستقبال فقط، لا الإنتاج. تتراجع قدرته على التركيز، على الإنجاز، على المبادرة.

يتحول الوقت الذي كان يمكن أن يُبنى به مشروعًا أو عادة صالحة أو علمًا نافعًا، إلى وقت مهدور في مقارنة صامتة.

ثانيًا: حزن غير مفسّر

نجد أنفسنا نحزن دون سبب واضح.

لأن النفس لا تستطيع أن ترى آلاف اللحظات السعيدة المصنوعة بعناية على الشاشات دون أن تسأل نفسها: “وأين أنا؟ لماذا لا أعيش مثلهم؟”

وهنا يهمس الشيطان همسة خطيرة: “لن تصل.” “أنت أقل.” “أنت فقير.” “أنت متأخر.”

بينما يقول الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}..

ليس الفقر في المال فقط، بل في الثقة، وفي العزيمة، وفي القدرة على التغيير.

ويقول سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}

يجعلك تخاف أن تبدأ، تخاف أن تتغير، تخاف أن تنهض.

ثالثًا: الغيرة الباردة

ليست غيرة ظاهرة، بل وجع داخلي خفيف يتكرر كل مرة نرى قصة نجاح دون أن نأخذ خطوة واحدة نحو نجاحنا نحن.

هذه الغيرة تسرق الطموح بدل أن تحركه.

رابعًا: مشهد الشباب العربي اليوم

نحن نعيش في زمن أصبح فيه الشاب العربي مشاهدًا محترفًا. يتابع، يعلّق، يناقش، يغضب، يتحمس، ثم… لا شيء!

ظاهرة صوتية لا يتجاوز أثرها حدود الهاتف.

نصرخ بشعارات كبيرة: “الأمة! النهضة! المستقبل!” ثم ننزلق في ثلاث ساعات من التمرير العشوائي على تطبيقات التواصل، ولا نتحرك خطوة واحدة نحو بناء أنفسنا أو أوطاننا.

بينما أمتنا اليوم تحتاج إلى:

  • طبيب يتقن عمله.
  • مهندس يبني.
  • باحث يكتشف.
  • معلّم يُربّي.
  • عامل يتقن
  • وصاحب مشروع يبدأ من الصفر باحترام وعزيمة.

لكن العمر يمضي في المشاهدة. نراقب الأمم وهي تتقدم في التكنولوجيا، والعلوم، والصناعة، والتنظيم، والعمل، والجودة، بينما يضيع شبابنا بين الإحباط والمقارنات والبحث عن المظاهر. يمرّ العمر، ويذهب زمن القوة، وتذبل الهمة، ويخسر الإنسان دينه ودنياه، كما لو أنه عاد بخُفيّ حُنين.

خامسًا: دورنا تجاه قضايا المستضعفين

المتابعة ليست غاية. والغضب دون فعل لا يغيّر شيئًا.

الهدف ليس أن نحزن فقط، بل أن نؤثر.

نعي الحق من الباطل، نثبت قلوب من حولنا، نتبرع ولو بالقليل، ننشر وعيًا لا ضجيجًا، نربي أبناءنا على نصرة العدل، نبني أنفسنا حتى نصبح قوة لا عبئًا.

أمة من المتابعين لا تنتصر.. المنتصر هو من يعمل، لا من يشاهد.

فما العمل؟

  • أوقف التمرير العشوائي وحدد أوقاتًا ثابتة لاستخدام الهاتف.
  • اقرأ كل يوم ولو 10 صفحات.
  • تعلم مهارة عملية واحدة تستطيع أن تبني بها عملًا أو قيمة.
  • سجّل هدفًا يوميًا ونفّذه مهما كان صغيرًا.
  • شارك في عمل نافع: مسجد، جمعية، مبادرة، مشروع، أي أثر حقيقي.

خاتمة

نحن لسنا ضد التكنولوجيا، بل ضد أن تكون هي التي تقود حياتنا.

نحن أمة خُلقت لتحمل رسالة، لا لتكون جمهورًا.

لا تدع الشاشة تسرق هِمتك.. لا تجعل حياتك تعليقًا على حياة الآخرين.. تحرك، وابدأ، ولو بخطوة صغيرة. فالله لا يبارك في المتفرجين، بل في العاملين.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا