في حلقة من بودكاست عربي بوست بعنوان “الصين والصهيونية”، كشفت الدكتورة رزان شوامرة، الأكاديمية الفلسطينية المتخصصة بالشأن الصيني، عن دعم صيني مبكر للحركة الصهيونية، أطلقت عليه “وعد بلفور الصيني”.
يعود هذا المصطلح إلى عام 1920، عندما أرسل عزرا خضوري، رئيس جمعية شنغهاي الصهيونية، رسالة إلى صن يات سين، الرئيس الأول لجمهورية الصين، طالبًا دعمًا لإقامة وطن قومي لليـهود في الأرض المباركة، مستندًا إلى وعد بلفور البريطاني عام 1917.
رد صن يات سين برسالة أكد فيها تعاطفه مع الحركة الصـهيونية، واصفًا إياها بـ”إحدى أعظم الحركات في عصرنا”، مشيدًا بهدفها لاستعادة “أمة يـهودية عريقة” ساهمت في الحضارة العالمية. هذا الموقف يمثل أول تعبير رسمي عن دعم صيني للصهيونية، وهو ما سمته الدكتورة رزان “وعد بلفور الصيني”.
التعاون لم يتوقف عند الرسائل. في العشرينيات، فتحت مكاتب صـهيونية في الصين، وفي الأربعينيات، طلب مردخاي أولمرت، والد رئيس وزراء الكيان الأسبق إيهود أولمرت، دعمًا عسكريًا وماليًا من مسؤولين صينيين لتعزيز الحركة الصـهيونية. بحلول عام 1947، تلقت الحركة أموالاً من الصين، وفي 1948، أُرسل يـهـود مدربون عسكريًا من الصين إلى الأرض المباركة مع أسلحة حصلوا عليها من العسكريين الصينيين، مما ساهم بشكل مباشر في النكبة. هذا الدعم يظهر أن الصين لم تكن مجرد مراقب، بل شريك فعال في الأحداث التي مهدت لتأسيس الكيان.
خلال الحرب الشرسة في غزة، التي تصاعدت بعد 7 أكتوبر 2023، كشفت الدكتورة رزان أن الصين صدرت 19 مليار دولار من الموارد إلى الكيان، متجاوزة الدعم الأمريكي البالغ 9 مليارات دولار. هذا الدعم الاقتصادي يعكس استمرار الصين في تغذية أسواق الكيان أثناء العمليات العسكرية ضد أهل الأرض المباركة، مما يناقض التصور العربي بأن الصين محايدة أو داعمة للقضية.
التعاون بين الصين والكيان يمتد إلى مجالات اقتصادية وسياسية. الصين تستثمر في المستوطنات غير الشرعية، حيث أشار تقرير الأمم المتحدة إلى 10 شركات صينية، ثمانٍ مملوكة للدولة، ضمن 112 شركة تتعامل مع المستوطنات. على سبيل المثال، تمتلك الصين 56% من شركة “تنوفا” التابعة للكيان، التي تبيع 70% من منتجاتها في المستوطنات، وفازت في 2021 بمناقصة لبناء 22 خط مواصلات بين مستوطنات القدس ومدن الكيان، مما يعزز البنية التحتية للاحتلال. كما اشترت شركة صينية خاصة شركة “أهافا” لمستحضرات التجميل في مستوطنة بالأغوار، رغم حملات المقاطعة الدولية. شركة “ها آدما” الصينية المملوكة للدولة قدمت أموالاً لمستوطني غلاف غزة خلال الإبادة، مما يظهر دعمًا مباشرًا لسياسات الاحتلال.
في المجال التكنولوجي، يعتبر الكيان سوقًا استراتيجيًا للصين. يمتلك الكيان خمس ممثليات في الصين وحرمًا جامعيًا مستقلًا، واستحوذت الصين على مراكز أبحاث متقدمة تابعة للكيان، مما يعزز التعاون العلمي والاقتصادي. سياسيًا، تبنت الصين خطابًا يدعم السردية الصهيونية، مثل الإشارة إلى “يـهودية الدولة”. في نوفمبر 2024، كتب السفير الصيني في أم الرشراش المحتلة مقالاً تحدث فيه عن “فصل جديد” في العلاقات الصينية مع الكيان، متجاهلاً الإبادة في غزة، وأدان هجوم المقاومة في 7 أكتوبر دون الإشارة إلى السياق الاستعماري للصراع.
منذ التطبيع في 1992، تتبع الصين استراتيجية “الحياد المنحاز”، كما يتضح من مقترح النقاط الخمس عام 1989، الذي طالب باحترام “المخاوف الأمنية” للكيان، متجاهلاً القانون الدولي الذي يحمل الكيان مسؤولية حماية أهل الأرض المباركة. هذا الخطاب يعكس انحيازًا واضحًا للكيان. الصين تتجنب دعم إيران في مواجهتها مع الكيان خوفًا من مواجه الولايات المتحدة، مما يؤكد أن مصالحها الاستراتيجية تأتي على حساب القضية.
على عكس التصور العربي بأن الصين داعمة للأرض المباركة أو محايدة، فإن الأدلة تثبت أن الصين لعبت دورًا مباشرًا في دعم الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي عبر “وعد بلفور الصيني” والدعم العسكري والمالي في حرب النكبة 1948م. في العصر الحديث، تواصل الصين تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الكيان، مستثمرة في المستوطنات ومتجاهلة جرائم غزة.
خطابها السياسي يدعم الكيان، وتتجنب المواجهة مع أمريكا، مما يكشف أن الصين ليست في صف أهل الأرض المباركة، بل تسعى لتعزيز نفوذها العالمي على حساب العدالة وحقوقهم.
وصدق المثل القائل (ليس في العقارب مسلم).
نقلا عن قناة الشيخ مجدي المغربي.
اترك تعليقاً