«إنّ وضع حقوق الإنسان في ميانمار يهبط إلى دركات سحيقة، حيث يدفع المدنيون في أرجاء البلاد الثمن الأشد قسوة.
فمنذ الانقلاب، قُتل أكثر من سبعة آلاف مدني على يد الجيش، واعتُقل نحو ثلاثين ألف شخص بدواعٍ سياسية. وفي شهر آب وحده، أُفيد بمقتل مئتين وسبعة وسبعين مدنيًا في مختلف أنحاء البلاد. وبعد استئناف عملياته البرية، عاود الجيش إحراق القرى بوتيرة مروعة، إلى جانب خطف المدنيين وتجنيدهم قسرًا.
ورغم أن أنشطة الجماعات المسلحة المناهضة للجيش أقل حجمًا وشدة، فإنها أيضًا ارتكبت عمليات قتل بحق من يُظن ارتباطهم بالمؤسسة العسكرية، وزرعت الألغام الأرضية، وجنّدت مدنيين عنوة.
الوضع الإنساني ما يزال يتدهور على نحو مقلق. فالحصار العسكري أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية، إذ زادت كلفة النظام الغذائي الاعتيادي بنسبة ثلاثين في المئة مقارنة بالعام الماضي، بينما انهارت دخول الأسر انهيارًا حادًا. ويواجه ما يقارب ثلث سكان البلاد، أي نحو خمسة عشر مليونًا ومئتي ألف إنسان، انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي هذا العام، وهو ما يمثل زيادة تقارب مليونَي شخص في غضون عام واحد.
ومنذ تشرين الثاني 2023، نزح ما يقارب ثلاثمئة وخمسين ألف إنسان من ولايتي أراكان وتشين، فيما اضطر نحو مئة وخمسين ألفًا من الروهينجا إلى عبور الحدود نحو بنغلاديش طلبًا للأمان. أما الأرقام المعلنة عن عدد النازحين منذ الانقلاب والتي بلغت 3.3 مليون شخص، فالأرجح أنها أقل من الواقع.
أصحاب المعالي، إن الاضطهاد المتواصل منذ عقود لأقلية الروهينجا المسلمة في ولاية أراكان قد بلغ ذروته.
فخلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، بلغت حدة القتال في أراكان مستويات محمومة، بعدما انضمت “جيش أراكان” وجماعات مسلحة أخرى إلى حملة البطش بالمدنيين. وبعد ثمانية أعوام من ارتكاب الجيش في ميانمار مذابح أودت بعشرات الآلاف من الروهينجا، ومارس خلالها عنفًا جنسيًا واسع النطاق، وتسبب في نزوح سبعمئة ألف إنسان إلى بنغلاديش، بسط “جيش أراكان” سيطرته على معظم أرجاء الولاية. وقد ارتكب عمليات قتل وخطف وتعذيب واعتقال تعسفي وتجنيد قسري بحق الروهينجا، فضلًا عن إحراق القرى والمنازل.
في مثال مروّع وقع في الخامس والسادس من آب 2024، أودت ضربات الطائرات المسيّرة والمدفعية بحياة مئات من المدنيين الروهينجا الذين احتشدوا على ضفاف نهر ناف أو كانوا قد استقلوا القوارب سعيًا للفرار إلى بنغلاديش. وقد عزت الناجون هذه الهجمات إلى “جيش أراكان”.
ومع فقدان الجيش الميانماري لمناطق نفوذه، لجأ على نحو متزايد إلى الهجمات الجوية ضد المدنيين في أرجاء أراكان، مرتكبًا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من قتل للمدنيين، وتدمير للممتلكات، واعتقالات تعسفية، وتعذيب، وتجنيد قسري في صفوفه.
كما ارتكبت جماعات مسلحة من الروهينجا انتهاكات بحق المدنيين، شملت القتل والتجنيد القسري والتهجير.
وتستحضر بعض الصور والمقاطع المصوّرة من شمال أراكان في النصف الثاني من عام 2024 مشاهد مأساوية تذكر بعام 2017.
ورغم غياب الأرقام الموثوقة والشاملة في فترة التقرير، يُعتقد أنّ آلاف المدنيين قد قُتلوا، فيما فر عشرات الآلاف هربًا من العنف.
أما الانتهاكات والفظائع التي ارتكبها كلّ من “جيش أراكان” والجيش، فقد بقيت بلا مساءلة ولا عقاب.
وأفادت تقارير بأن الروهينجا غادروا منازلهم قبل اندلاع المواجهات، أو بسبب استهداف مباشر من “جيش أراكان” الذي هدد أو اعتدى على من رفض مغادرة بيته.
كما أبلغ الروهينجا عن قيود متزايدة ورقابة مشددة على وسائل تواصلهم، من تعطيل الإنترنت إلى مصادرة الهواتف المحمولة، وهو ما حال دون توثيق كامل للانتهاكات المرتكبة.
لقد فرضت الحصارات العسكرية قيودًا خانقة على وصول المساعدات الإنسانية، فبلغ الجوع وسوء التغذية مستويات غير مسبوقة، حيث بات سبعة وخمسون في المئة من الأسر عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وإنني أجدّد ما أكدته رابطة آسيان من أنّ خفض التصعيد وتأمين وصول المساعدات الإنسانية هما السبيل للخروج من هذه الأزمة، لا الانتخابات الصورية.
وأخيرًا، أجدد مناشدتي لجميع الحكومات بأن تبذل قصارى جهدها لحماية الفارين من أتون الصراع في ميانمار، بما في ذلك تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ في البحر، والامتناع عن الإعادة القسرية بأي شكل كانت، بما فيها عمليات الصد والطرد. كما أحثها على إيجاد مسارات آمنة وكريمة للحماية الدولية وإعادة توطين اللاجئين، ولا سيما الروهينجا. إن المؤتمر رفيع المستوى حول الروهينجا، الذي ستعقده الجمعية العامة في وقت لاحق من هذا الشهر، يمثل فرصة للمجتمع الدولي كي يقرن كلمات الدعم بالفعل الملموس.»
اترك تعليقاً