مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقيّة

٢٠٢٥٠٨٢١ ٠٤٢٦٣٤

مرّت اثنا عشر سنة على مجزرة الغوطة الشرقية، واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين الأبرياء، مستخدمًا غاز السارين، أحد أخطر الغازات الكيماوية المحظورة دوليًا.

تمتد الغوطة الشرقية على أطراف العاصمة دمشق، وكانت من أبرز معاقل الحراك الشعبي منذ اندلاع الثورة السورية في 1432هـ (آذار 2011م). خرج سكانها في مظاهرات سلمية مطالبين بالحرية وإسقاط النظام، رافعين شعارات الثورة ضد الحكم الأسدي الذي أذاق الناس الظلم والفساد وضيّق عليهم في حياتهم اليومية.

واجه النظام هذه الاحتجاجات بالقتل والاعتقال والتهجير، دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، ما دفع سكان المنطقة إلى تشكيل فصائل مسلحة من منشقين عن الجيش ومدنيين للدفاع عن أنفسهم وعن مناطقهم المهددة بالإبادة.

بحلول عام 1434هـ (2013م)، أصبحت الغوطة الشرقية أكبر معاقل المعارضة المسلحة، وشهدت مواجهات كرّ وفرّ بين القوات النظامية وفصائل المعارضة. فرض النظام حصارًا خانقًا على المنطقة، واستخدم القصف المكثف وسلاح التجويع لإخضاع السكان، محاولًا اقتحام مدن مثل حرستا ودوما وزملكا.

في صباح الأربعاء، 14 شوال 1434هـ (21 آب 2013م)، ارتكب النظام جريمة مروعة، حين قصفت الغوطة الشرقية بغاز السارين. هذا الغاز الأعصاب شديد السمّية يهاجم الجهاز العصبي بسرعة، مسبّبًا اختناقًا شديدًا وتشنجات عضلية تؤدي إلى شلل كامل في عضلات التنفس، والموت في ثوانٍ.

بدأ الهجوم عند الساعة 2:40 فجرًا على بلدة عين ترما، ثم أُطلقت 18 صاروخًا على مناطق متفرقة منها دوما وزملكا وعربين والمعضمية، ما أسفر عن استشهاد نحو 1500 مدني -كما نحسبهم- وإصابة حوالي 5935 شخصًا بحالات اختناق حادة، بينهم نساء وأطفال.

1000019167

شهادات الناجين

أحد الناجين قال: “استيقظت على أصوات صراخ واختناق رأيت عائلتي تموت أمام عيني ولم أستطع فعل شيء.”

ويروي آخر: “دخلت بيت أخي مسرعًا لأتفقدهم، فرأيت أخي مرميًا على الدرج، وابنته الكبرى على الأرض، وبقية بناته فارقن الحياة مع والدتهن التي حاولت حمايتهن من الاختناق.”

وصف كثير من الناجين الغوطة بعد الهجوم بأنها “مدينة الموت”، حيث رافقت رائحة الغاز والكوابيس حياتهم لفترة طويلة، مع شعور دائم بالخوف والموت المحيط.

مجزرة الغوطة لم تكن الوحيدة في سجل النظام السوري، فقد سبقتها:

  • مجزرة درعا: أكثر من 100 متظاهر سلمي قتلوا بالرصاص الحي.
  • مجزرة الحولة في حمص: مقتل 108 مدنيين بينهم 49 طفلًا، معظمهم ذُبح بالسكاكين.
  • مجزرة داريا: إعدامات ميدانية لأكثر من 500 مدني.
  • مجازر بانياس والبيضا: قتل وحرق عشرات العائلات، بلغ عدد ضحاياها نحو 250 مدنيًا.

لن تُنسى مجزرة الغوطة الشرقية، ولن تمحى من ذاكرة الأمة الإسلامية دماء الأطفال والنساء الذين أزهقت أرواحهم ظلماً وعدواناً. هذه المأساة تذكير لكل مسلم بأن الظلم لا يرحم، وأن دماء الأبرياء ستظل شاهدة على وحشية النظام الذي ارتكب هذه الجرائم بلا رحمة، على مرأى أعين ومسامع العالم.

علينا أن نتذكر أن ما حدث في الغوطة لم يكن حدثًا معزولاً، بل جزء من سلسلة مآسي عاشها المسلمون في سوريا، في العراق، وفي كل بقعة من الأرض شهدت القتل والتهجير والوحشية. كل طفل قتل، وكل امرأة فقدت حياتها، وكل عائلة ممزقة، هي رسالة للأمة بأن الظلم لا يطول دون حساب.

هذه المجازر الدامية قد علمتنا درسًا لن يُمحى: أن صمتنا أو غفلتنا عن دماء إخواننا لن يوقف الظلم، وأن دماء المسلمين الطاهرة تظل صرخة في وجه الظالمين، ونداء حيًّا، تنادي بالقصاص والعدل الإلهي. فلا يجوز لنا أن نغفل عنها، بل يجب أن نخلدها في الذاكرة، ونروي بها قلب كل مؤمن، حتى يعلم كل مسلم حجم ما وقع لأهلنا في الغوطة الشرقية وغيرها من المآسي.

وإن دماء الأطفال والنساء والشيوخ الذين أزهقوا ظلماً لن تضيع هباءً، فهي شهادة حيّة على وحشية الطغاة. وكل دم سُفك ظلماً هو أمانة في أعناقنا أمام الله، يوم يُحاسب فيه الظالمون على كل قطرة دم أراقوها، ولن يضيع حق مظلوم عند العدل الإلهي.

فلنتذكر الغوطة وكل المجازر المروعة التي ارتكبت في سوريا والعراق وغزّة وكل بقعة من الأرض، ولنكن واعين أن القصاص الحقيقي قادم لا محالة، وعدل الله لن يضيّع حق أحد مظلوم.

اللهمّ العن بشار الأسد وأعوانه، وكلّ من سانده في سفكِ دمٍ بريئة، واذقهم بأسك وعقابك على دماء الأطفال والنساء والشيوخ الذين أزهقوا ظلماً وعدوانًا.

✍ بقلم منى.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا