تُتَّهم الصين باحتجاز مئات الآلاف من المسلمين في معسكرات اعتقال تنهض من رمال صحراء تركستان الشرقية، وقد كشف تحليل جنائي لصور الأقمار الصناعية الخاصة بتسعةٍ وثلاثين من هذه المنشآت عن توسّعها المتسارع بوتيرة مقلقة.
اتهمت لجنة تابعة للأمم المتحدة الصين بتحويل إقليمها الغربي النائي، تركستان الشرقية، إلى ما يشبه معسكراً ضخماً للاعتقال تحيط به السرية، وُصف بأنه “منطقة بلا حقوق”. وقدّرت اللجنة أنّ عدد المسلمين المعتقلين هناك قد يصل إلى مليون إنسان.
يروي معتقلون سابقون أنّهم تعرّضوا للتعذيب أثناء الاستجواب، وحُشروا في زنازين مكتظّة، وخضعوا لبرنامج يومي صارم من تلقين الحزب الشيوعي، دفع بعضهم إلى الانتحار. وأغلب من جرى اعتقالهم من الأويغور، وهم أقلية مسلمة يبلغ تعدادها نحو عشرة ملايين نسمة، كما طالت الاعتقالات مسلمين من قوميات أخرى، بينهم الكازاخ.
وتنفي الصين الاتهامات باحتجاز أعداد كبيرة من المسلمين في معسكرات “إعادة التأهيل”، مؤكدة أنّ هذه المنشآت ليست سوى مراكز للتدريب المهني تركّز على “إعادة التأهيل والخلاص”، وتُعد جزءاً من جهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني.
يشمل القمع أيضاً تشديد السيطرة على المعلومات والوصول إلى المنطقة، حتى باتت تركستان الشرقية من أكثر بقاع العالم خضوعاً للرقابة الأمنية، وفقاً لما يقوله الباحثون ومنظمات حقوق الإنسان. وقد جاء ذلك في أعقاب إعلان “حرب شعبية على الإرهاب” عام 1435هـ (2014م)، إثر سلسلة من الهجمات العنيفة في تركستان الشرقية ومناطق أخرى من الصين نسبت السلطات مسؤوليتها إلى متطرفين دينيين.
وعلى الرغم من ادعاء الصين أنّ معسكرات الأويغور مراكز للتدريب المهني، إلا أنها محاطة بحراسة مشددة. ولذا لجأ الباحثون إلى صور الأقمار الصناعية لمتابعة توسّع هذه المنشآت ورصدها.
وقد تعاونت وكالة “رويترز” مع مؤسسة “إرث رايز ميديا”، وهي منظمة غير ربحية مختصة بتحليل صور الأقمار الصناعية، لرسم خريطة بناء وتوسيع تسعةٍ وثلاثين معسكراً، جرى تحديدها أولاً من خلال وثائق عامة مثل عطاءات البناء. وكشف الاستعراض التفصيلي لهذه المنشآت أنّ المساحة المبنية فيها قد تضاعفت ثلاث مرات تقريباً خلال سبعة عشر شهراً بين 1438هـ (إبريل 2017م) و 1440هـ (أغسطس 2018م). وباتت الأجزاء المشيّدة في هذه المعسكرات التسعة والثلاثين تغطي مساحة تقارب حجم مئةٍ وأربعين ملعباً لكرة القدم.

مركز توربان قاوتشانغ للتدريب على المهارات المهنية
أظهرت إعلانات الإنشاء المنشورة على مواقع حكومية محلية، بما في ذلك المناقصات وطلبات التوريد، ملامح عن مواقع العديد من هذه المعسكرات وخصائصها. فقد تضمنت المواصفات التقنية في تلك الوثائق إشارات إلى أبراج حراسة، وأنظمة مراقبة لا تترك “زاوية عمياء”، إضافة إلى أسلحة آلية ومرافق آمنة لتخزينها.
فعلى سبيل المثال، نصّت إحدى المناقصات الخاصة بالمركز في توربان (الموضح أعلاه) على طلب عروض لتشييد نظام اتصالات “تحكمي”، مشيرةً إلى أنّ المنشأة “بحاجة ماسّة لمعرفة محتوى مكالمات المتدربين الهاتفية في الوقت الفعلي”، بما يتيح مقاطعتها قسراً.
وبعد أن حددت وكالة “رويترز” ثمانين منشأة اعتقال من خلال إعلانات البناء، ركزت تحليلها على تسعةٍ وثلاثين منها اتضح وضوحها عبر صور الأقمار الصناعية. وقد قامت مؤسسة “إرث رايز” بدراسة مئات الصور الفضائية التي غطت فترة عامين كاملين.
وقال إدوارد بويدا، الشريك المؤسس لمؤسسة “إرث رايز”: “أدهشني فوراً العدد الكبير من المعسكرات وضخامتها وسرعة توسعها. ففي غضون أشهر قليلة تُشيَّد مبانٍ من خمسة طوابق، أطول من ملاعب كرة القدم، مصطفة في صفوف وسط الصحراء. إن البناء وتنظيم المباني متشابه من موقع لآخر، لا سيما في المواقع الجديدة، ما يدلّ على وجود منهجية وراء ذلك.”
ولم يرد مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني، ولا وزارة الخارجية، ولا حكومة تركستان الشرقية، على أسئلة وكالة “رويترز”.
أبدى الأويغور استياءً شديداً مما وصفوه بالقيود القاسية المفروضة على ثقافتهم ودينهم، إذ واجهوا على مر السنين حملات قمع متكررة، اشتدت وطأتها بعد أحداث الشغب التي اندلعت في العاصمة الإقليمية أورومتشي عام 1430هـ (2009م) وأسفرت عن مقتل ما يقارب مئتي شخص.
وقد أدت التفجيرات التي شهدتها تركستان الشرقية، والهجمات التي نُسبت إلى انفصاليين من الأويغور، ومنها عملية الطعن الجماعي في مدينة كونمينغ بجنوب غرب الصين عام 1435هـ (2014م) التي أودت بحياة واحدٍ وثلاثين شخصاً، إلى فرض مزيد من القيود. وفي السنوات الأخيرة، وتحت إشراف تشن تشوانغو، سكرتير الحزب الشيوعي في تركستان الشرقية والمقرّب من الرئيس شي جين بينغ، شملت الإجراءات ضد الأويغور حظراً على اللحى “غير الاعتيادية” للرجال، وقيوداً على أداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة.
كما أشرف تشن على تركيب منظومة مراقبة شاملة مدعّمة بالتكنولوجيا تغطي أرجاء تركستان الشرقية، وجُنّد عشرات الآلاف من عناصر الأمن لتشغيل مراكز الشرطة ونقاط التفتيش. وتم نشر أجهزة فحص أمني متطورة، منها ماسحات مزوّدة بكاميرات للتعرف على الوجوه، في الأماكن العامة مثل المساجد والفنادق ومراكز النقل.
ولم تتلق وكالة “رويترز” أي رد على أسئلتها الموجهة إلى تشن عبر حكومة تركستان الشرقية.
وزار مراسلو الوكالة مواقع سبعة من المنشآت التي حُددت كمعسكرات اعتقال بناءً على وثائق إنشائية وصور أقمار صناعية. جميعها كانت محاطة بجدران عالية وأبراج حراسة وحراس مسلحين عند المداخل. وقد عُلقت لافتات على منشأتين منها تعرّفهما كمراكز للتدريب المهني. وعندما حاول الصحفيون الاقتراب من تلك المجمعات، اعترضتهم الشرطة وأمرتهم بالمغادرة.

التوسع السريع
يُرجَّح أن يكون نطاق شبكة المعسكرات واسعاً إلى حدٍّ هائل. فقد أُعيد توظيف العديد من المباني الصغيرة مثل المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة لاحتجاز المسلمين، بحسب إفادات سكان في تركستان الشرقية ووثائق خاصة بالبناء والتوريد. وقد تبيّن أن اثنين من المعسكرات الصغيرة التي زارتها وكالة “رويترز” كانا في الأصل مصنعاً ومدرسة تابعة للحزب الشيوعي.
يقدّر أدريان زينز، وهو عالم أنثروبولوجيا تابع توسّع هذه المعسكرات، أنّ عددها قد يصل إلى نحو ألفٍ ومئتين، أي بمعدل معسكر واحد على الأقل في كل مقاطعة وبلدة من تركستان الشرقية. ولا تتوافر سوى معلومات محدودة عن تكاليف الإنشاء، غير أنّ إحدى المناقصات الخاصة بمنشأة تقع خارج مدينة كاشغر قد رصدت ميزانية إجمالية بلغت 45.6 مليون دولار.
ويقول شون زانغ، وهو طالب قانون مقيم في كندا اعتمد على وثائق حكومية وصور أقمار صناعية متاحة للجمهور لتحديد عشرات المعسكرات، إنّ الغالبية العظمى من هذه المنشآت شُيّدت منذ مطلع عام 1438هـ (2017م). وأضاف أنّ الحكومة الصينية توقفت في الآونة الأخيرة عن نشر إعلانات المناقصات، بل أخذت تحذف القديمة منها من شبكة الإنترنت.
وقد بدأ إنشاء مرافق جديدة وتوسعة القائم منها على نحوٍ واسع منذ 1438هـ (إبريل 2017م)، وهو الشهر الذي فرضت فيه بكين لوائح جديدة لمكافحة “التطرف” في تركستان الشرقية، شملت حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة ومنع الأطفال من حضور ما يُسمى بـ”دروس التربية الوطنية”.
أكبر معسكر
يقع هذا المجمع في مدينة كورلا بوسط تركستان الشرقية، وهو الأضخم بين تسعةٍ وثلاثين منشأة حللتها وكالة “رويترز”. وهذه صورته كما بدا في 1439هـ (العاشر من أغسطس عام 2018م).

بحلول أغسطس من هذا العام، تجاوز عدد المباني في هذه المنشآت ضعف ما كان عليه، ليصل إلى 1,129 مبنى، بينما تضاعفت المساحة المبنية قرابة ثلاث مرات لتتجاوز مليون متر مربع، أي ما يعادل مساحة مئةٍ وأربعين ملعباً لكرة القدم تقريباً.
ولا يزال التوسع متواصلاً، إذ يجري تشييد سبعةٍ وستين مبنى إضافياً تغطي مساحة قدرها 210 آلاف متر مربع داخل هذه المجمعات، وفقاً لأحدث صور الأقمار الصناعية التي جرى تحليلها.
مناطق محظورة
يخضع الصحفيون الأجانب الذين يصلون إلى تركستان الشرقية لمراقبة لصيقة من قِبل قوات الأمن الصينية. فقد كان مراسلو “رويترز” الذين زاروا عشر مدن مختلفة في الإقليم هذا العام تحت المراقبة منذ لحظة نزولهم من الطائرة، حيث تمت متابعتهم في سياراتهم، وعلى الأقدام، وحتى في القطارات.
وفي مناسبات عدة، أقامت الشرطة حواجز مؤقتة لتعطيل وصول الصحفيين إلى المعسكرات.
ولم تُجب الحكومة الصينية على أسئلة وكالة “رويترز” بشأن هذه القيود.

أوقف ضابط شرطة صيني مجموعة من الصحفيين عند حاجزٍ قرب ما يُسمى رسمياً بـ”مركز التدريب المهني” في مدينة غولجا الواقعة شمال غربي تركستان الشرقية.
وفي منطقة نائية تتعانق فيها الجبال المكللة بالثلوج مع مزارع الرياح المترامية، يقع حي دابانتشنغ الذي يحتضن واحداً من أكبر المعسكرات.
وهذا المعسكر واحد من بين العديد التي أُنشئت من العدم، يطوّقه سياج شائك وجدار عالٍ يحيط بمحيطه. وتعلو المدخل الرئيس لافتة كتب عليها: “مركز أورومتشي للتعليم والتدريب المهني”.

تكشف صور الأقمار الصناعية أنّ الموقع كان، قبل أبريل من العام الماضي، امتداداً صحراوياً بُني بلا أي مبانٍ. ومنذ ذلك الحين، ارتفع من الرمال مجمّع مترامي الأطراف.
نظرة مقربة على الإنشاءات


يمشي العمال على طول السياج المحيط في دابانتشنغ (على اليسار). وتذكّر لافتات عند مدخل المعسكر العمال بمتطلبات السلامة أثناء البناء.
وفي سبتمبر، امتلأت الطريق الضيقة المارة بجانب المنشأة بمركبات الإنشاء والعمال، مما يدلّ على أنّ البناء لا يزال جارياً في دابانتشنغ. وتكشف صور الأقمار الصناعية من أغسطس عن حجم الإنشاءات في المعسكر.
التلقين المكثف
تكشف مقابلات أجريت مع ثمانية معتقلين سابقين، جميعهم خارج الصين حالياً، عن صورة احتجاز تعسفي قاسٍ تتناقض مع مزاعم بكين بأنها تقدّم مهارات مهنية في مراكز التدريب لمساعدة السكان المحليين.
أفاد بعض المعتقلين السابقين أنهم كانوا مقيدين في الكراسي لأيام أثناء الاستجواب ومحرمين من النوم. ووصفوا حياتهم داخل المعسكر بأنها أشبه بسجون، حيث كانت كل تحركاتهم، بما في ذلك الذهاب إلى الحمام، تحت مراقبة الكاميرات والميكروفونات. وقالت إحدى المعتقلات إن زنزانتها كانت مزدحمة إلى درجة أن النزيلات كن يتناوبن على الجلوس للراحة بينما يقف الباقون.
ومن الفجر وحتى الليل، تعرّض المعتقلون لتلقين سياسي مرهق ومملّ. وشمل ذلك ترديد قوانين الصين وسياسات الحزب الشيوعي، إضافة إلى إنشاد النشيد الوطني وأغاني الحزب الحمراء التقليدية. وذكر أحد المعتقلين أن من فشل في حفظ نصوص الحزب الشيوعي بدقة كان يُحرَم من الطعام. كما أُجبر المعتقلون على التخلي عن دينهم، والمشاركة في جلسات نقد ذاتي، والإبلاغ عن زملائهم في الزنزانة وأقاربهم وجيرانهم.
ومن بين الثمانية الذين أجرت معهم “رويترز” مقابلات، كان أربعة منهم من الأويغور وأربعة من الكازاخ. وقد طلب بعضهم عدم الكشف عن هويتهم، غالباً خوفاً من تداعيات محتملة على أفراد أسرهم الذين ما زالوا في الصين.
قال كايرات ساماركان إنه جرى اعتقاله أواخر العام الماضي حين عاد إلى مسقط رأسه في ألتاي شمال تركستان الشرقية لبيع منزله. وكان ساماركان، البالغ من العمر ثلاثين عاماً والمنتمي للقبيلة الكازاخية والمولود في الصين، قد انتقل إلى كازاخستان عام 1430هـ (2009م).
وبعد نحو ثلاثة أشهر من جلسات التلقين المكثف في المعسكر الذي احتُجز فيه، أشار ساماركان إلى أنّه أصبح “مهووساً بالانتحار. كنت أفكر منذ وقت طويل في كيفية القيام به”. وفي يومٍ من الأيام، حاول تنفيذ ذلك، فاندفع برأسه نحو الجدار. وعندما استعاد وعيه، وجد نفسه في مستشفى المعسكر. أُفرج عنه في فبراير من هذا العام وعاد إلى كازاخستان في الشهر التالي.
ولم ترد الحكومة الصينية على أسئلة تتعلق بما ذكره المعتقلون السابقون.
تفسير الصين
تشير العديد من مناقصات البناء الصادرة العام الماضي إلى منشآت “إعادة التأهيل”. لكن الصين، التي أنكرت وجودها لعدة أشهر، تصفها الآن بأنها مراكز للتدريب المهني.
وقال شوهرات زاكير، حاكم تركستان الشرقية، في تصريحات لوكالة أنباء شينخوا الرسمية في أكتوبر: “من خلال التدريب المهني، تمكن معظم المتدربين من التأمل في أخطائهم وفهم جوهر الضرر الناجم عن الإرهاب والتطرف الديني بوضوح. كما أصبحوا قادرين على تمييز الصواب من الخطأ ومقاومة تسلل الفكر المتطرف.”
وفي سبتمبر، صرح مسؤول صيني في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بأن الغرب يمكنه الاستفادة من برنامج بلاده للتدريب المهني، وقال لي شياوجون، مدير الدعاية بمكتب شؤون حقوق الإنسان التابع لمكتب معلومات مجلس الدولة: “إن لم يكن هذا أفضل طريق، فهو ربما الطريق الضروري للتعامل مع التطرف الإسلامي أو الديني، لأن الغرب فشل في ذلك.”
رجال إدارة تركستان الشرقية
تزايدت الانتقادات الموجهة لسياسات الصين في تركستان الشرقية. ففي أواخر أغسطس، كتب فريق من 17 عضواً في الكونغرس الأمريكي من الحزبين إلى وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوتشين، مطالبين بفرض عقوبات على سبعة مسؤولين صينيين كبار لدورهم في “أزمة حقوق الإنسان المستمرة” في تركستان الشرقية. وعلى رأس القائمة جاء تشن تشوانغو، سكرتير الحزب الشيوعي في تركستان الشرقية، الذي اشتهر بعمله في التبت، حيث نفّذ حملة قمع مستمرة ضد السكان المحليين، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان.
في وقت سابق من هذا العام، وصف أحد المشرعين الأمريكيين الذين وقعوا الرسالة الداعية لفرض العقوبات، السيناتور ماركو روبيو، ما يحدث للمسلمين في تركستان الشرقية بأنه “أكبر عملية احتجاز جماعي لأقلية سكانية في العالم اليوم”.
وفي أغسطس، قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن الأويغور وغيرها من الأقليات المسلمة “يتعرضون للمعاملة كأعداء للدولة استناداً إلى هويتهم العرقية والدينية فقط”.
المساجد الخاوية

في كاشغر، الواحة التاريخية على طريق الحرير في قلب المنطقة الجنوبية للأويغور بتركستان الشرقية، يقول السكان المحليون إنهم يعيشون في خوف دائم. ومع تغطية قوات الأمن للمنطقة واستخدام المراقبة التقنية المتطورة بشكل واسع، شهدت المدينة موجات من الاعتقالات الجماعية للمسلمين في أماكن مثل كاشغر.
بلغت الاعتقالات ذروتها العام الماضي، عندما أخذت قوافل الشرطة الأشخاص، وأصوات الصفارات تعلو، ورؤوسهم مغطاة بأغطية سوداء. وفي كاشغر، يقول السكان إن العديد من المعتقلين لم يعودوا بعد. وفي الشوارع، نادراً ما يُرى شبان.
وقال أحد السكان الصينيين من الهان، الذي نشأ مع الأويغور في كاشغر ورأى العديد من أصدقائه يُؤخذون بعيداً: “يمكنك أن تذهب إلى الأويغوري وتصفعه على وجهه ولن يجرؤ على الرد. سيكون الهدوء سائداً لعام أو عامين آخرين، لكن وماذا بعد ذلك؟ فكلما ازداد الضغط، كان رد الفعل أعنف.”

رجل أويغوري مسنّ في البلدة القديمة من كاشغر.
شوهت المساجد في أرجاء تركستان الشرقية بالعلم الصيني ورايات تدعو الناس إلى “محبة الحزب، ومحبة الوطن”، لكن خلال صلاة الجمعة، تكاد تكون المساجد خاوية.
تحاول الحكومة الصينية تغيير التوازن العرقي من خلال نقل أعضاء الأغلبية الصينية الهان إلى الإقليم، ويظهر هذا التوجه بطرق أخرى على الأرض، مثل التحول الدراماتيكي لجزء البلدة القديمة في كاشغر، الذي كان يُعتبر واحداً من أفضل المواقع المحفوظة للعمارة الإسلامية وآسيوية الوسطى التقليدية في المنطقة.
وقد طالما شددت السلطات المحلية على ضرورة هدم وتحديث مساحات واسعة من متاهة المنازل ذات الأفنية المصنوعة من الطوب الطيني في البلدة القديمة، بحجة مخاوف السلامة الإنشائية. والآن، أُخليت أجزاء كبيرة من الحي وإغلاقها لإعادة البناء. وقد بدأت بالفعل تظهر حانات ومطاعم تقدّم أطعمة صُممت لجذب السياح من الهان القادمين من أجزاء أخرى من البلاد.
وقد تحوّل أحد المساجد إلى صالة عصرية لتدخين الشيشة وبار يقدم التبغ والكحول. وقد جُدّد الجزء الداخلي لمكان “حلم كاشغر 2018” وطُلِي حديثاً، مع الحفاظ على نقوش السقف الخشبية الأصلية والستائر التقليدية.
عندما عاد كايرات ساماركان إلى قريته في محافظة ألتاي في فبراير، لاحظ تغييرات كثيرة. وقال: “كان الرجال غائبين من كل بيت تقريباً في قريتي”.
كما اختفت الصور القديمة للأجداد وسجاد الصلاة الذي كان معروضا عادة في المنازل الكازاخية. وأخبره السكان المحليون أنها “أُحرِقت”.
وأضاف ساماركان: “وقد حُلّت هذه الأشياء بصور للرئيس الصيني وأعلام صينية”.
رويترز.
اترك تعليقاً