نزيف الهجرة من اليمن…

c74d2a6978ea5a2588be28b54f67671b

لم يعد النزيف في اليمن نزيف دماء فقط، بل صار نزيفًا للعقول، وللأيدي العاملة، ولرؤوس الأموال.

في كل بيت يمني تقريبًا، ستجد مغتربًا أو أكثر.

في قريتنا وحدها، لا يكاد يخلو بيت من ثلاثة أو خمسة يعملون في السعودية أو دول أخرى. الحكاية تبدأ حين يكمل الشاب الثانوية، فإذا به يشد الرحال ليبحث عن لقمة العيش في أرض بعيدة، تاركًا أهله وذكرياته، وربما أحلامه التي لم تولد بعد.

لكن الأمر لا يقف عند هجرة الشباب الباحثين عن العمل. حتى الكفاءات النادرة — الأطباء، المهندسون، المعلمون، المخترعون — يرحلون بصمت، ليس بحثًا عن الرفاهية، بل هروبًا من واقع يسحق طموحهم ويهدر سنوات خبرتهم. ومعهم، يهاجر التجار وأصحاب رؤوس الأموال، حاملين استثماراتهم إلى الخارج، بحثًا عن بيئة آمنة وقوانين تحفظ أموالهم من العبث والابتزاز.

السبب الجوهري لهذا النزيف واضح: حرب أنهكت كل ما تبقى من روح الوطن، انقسام سياسي مزّق ما كان موحّدًا، وسلطات أمر واقع تتقاسم السيطرة وكأن البلاد غنيمة، وفساد يلتهم ما تبقى من أعصاب الناس وأرزاقهم. ومع انعدام الاستقرار وتراجع الخدمات، لم يعد البقاء خيارًا للكثيرين.

النتيجة؟ بلد يشيخ قبل أوانه. قرى تُترك لكبار السن والنساء، أطفال يكبرون في غياب آبائهم، اقتصاد هش يعتمد على حوالات المغتربين بدل الإنتاج المحلي، ومستقبل غامض بلا عقول تديره ولا رؤوس أموال تحركه.

ولهذا، فإن أي نهضة حقيقية لن تأتي من تبديل الوجوه أو تغيير الشعارات، بل من ثورة شاملة على الجميع — الحوثي، والحكومة، والمجلس، والفساد في كل معسكر — ثورة على الطائفية والمناطقية، وعلى كل يد عبثت بمصير هذا الوطن.

اليمن لا يحتاج إلى ترقيع ثوب ممزق، بل إلى اقتلاع منظومة الخراب من جذورها. حتى يعود من هاجروا بعقولهم وأموالهم، ليجدوا وطنًا يستحق أن يعيشوا فيه، لا أن يهربوا منه..

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا