لا يزال الآلاف من السكان يواصلون الاحتجاج ضد قرارات الإخلاء، مؤكدين أنّ المسلمين الناطقين بالبنغالية في الولاية يتعرضون لاستهداف متعمد.
وقد أعادت جريمة قتل مسلم برصاص الشرطة، خلال حملة إخلاء في ولاية آسام الهندية يوم الخميس، تسليط الضوء مجدداً على الموقف المثير للجدل لرئيس وزراء الولاية، هيمانتا بيسوا سارما، حيال قضايا المسلمين.
وسارما، الذي كان في السابق عضواً في حزب المؤتمر الوطني الهندي، انضم في عام 1436هـ (2015م) إلى الحزب الحاكم ذي النزعة القومية الهندوسية، بهاراتيا جاناتا، ومنذ ذلك الحين يتصدر الأخبار بتصريحاته ومواقفه المعادية للمسلمين.
في 24 محرم 1447 (20 يوليو 2025)، نفذت شرطة آسام، بالتنسيق مع دائرة الغابات في الولاية، عملية إخلاء في محمية بايكان بمديرية غوالبارا، بدعوى طرد سكان وصفتهم السلطات بـ”المتسللين غير الشرعيين” القادمين من بنغلاديش.
وأدّت العملية إلى مقتل رجل مسلم واحد على الأقل، وفقاً لما أفاد به موقع مكتوب ميديا، فيما أصيب آخر بجروح خطيرة، وتعرض العشرات لإصابات متفاوتة. وأفادت وسائل إعلام محلية بنقل الجرحى على وجه السرعة إلى مستشفى في غواهاتي لتلقي العلاج.
وقد تصاعد التوتر حينما قاوم السكان، ومعظمهم من المسلمين الناطقين بالبنغالية، محاولات طردهم القسري.
وتقول السلطات إنّ هدفها هو إخلاء 140 هكتاراً من أراضي الغابات، إلا أنّ ذلك أسفر فعلياً عن تهجير 1080 أسرة، معظمها من المسلمين ذوي الأصول البنغالية.
يقول السكان الذين جرى إخلاؤهم إنهم عاشوا في هذه المنطقة منذ زمن بعيد، قبل أن تُعلن أرضها محميةً طبيعية.
وتوحي الإجراءات الأخيرة والتصريحات المستفزة التي أطلقها سارما بأنّ ترحيل المسلمين الناطقين بالبنغالية يندرج ضمن مسعى منظّم لتغيير التركيبة الديمغرافية وكسب تعاطف المتشددين الهندوس.
في 21 محرم 1447 (16 يونيو 2025)، جاءت حملة الإخلاء الأخيرة بعد حملة مشابهة الشهر الماضي، هُدمت خلالها منازل ما لا يقل عن 690 أسرة، معظمها من المسلمين البنغاليين، في منطقة هاسيلابيل، وهي أرض رطبة قرب مدينة غوالبارا، بذريعة مماثلة تزعم أن السكان “متسللون غير شرعيين”.
وقد كتب سارما، رئيس وزراء الولاية، على حسابه في منصة X يوم الأربعاء قائلاً: “ستستمر عمليات الإخلاء، وسنواصل حماية غاباتنا وحقوق الأرض للشعوب الأصلية، كما ستتواصل الحملة ضد المتسللين غير الشرعيين”.
ومنذ زمن طويل يطعن المنتقدون في رواية “المتسللين غير الشرعيين”، مؤكدين أنّ عدداً من حكومات الولايات الهندية باتت توظف هذه الذريعة لتنفيذ الإخلاء أو الهدم الكلي، بدعوى الاستيلاء على الأرض أو البناء غير القانوني، فيما صار يُعرف لاحقاً بـ”عدالة الجرافات”، التي تستهدف في المقام الأول المسلمين.
ففي فبراير من العام الماضي، أقدمت السلطات الهندية على هدم مسجد عريق في نيودلهي خلال حملة إزالة، بذريعة تطهير “أراضٍ غابية” من الأبنية غير القانونية. والمفارقة أنّ المسجد كان قائماً قبل نشوء الدولة الهندية بوقت طويل، وقد ظلّ شامخاً على تلك الأرض قبل أيّ قرار حكومي يعلنها محمية غابية.
خلفية مختصرة
شهد المسار السياسي لسارما اتهامات متكررة بمعاداة المسلمين. فقد دأب على استهداف المسلمين في آسام، ومعظمهم من أصول بنغالية، متهماً إياهم بأنهم “متسللون غير شرعيين” من بنغلاديش، بل صرّح في أغسطس من العام الماضي قائلاً: “سأنحاز لطرف محدد، فهذه هي أيديولوجيتي”.
غير أنّ هذه الادعاءات محلّ نزاع، إذ يؤكد السكان أنهم يقيمون في آسام منذ أجيال طويلة.
وقد وصلت خطاباته التحريضية، التي حمّل فيها المسلمين أحياناً مسؤولية ارتفاع أسعار الخضروات أو التسبب بالفيضانات في الولاية، إلى حد دفع جماعات إثنية قومية آسامية إلى التهديد العلني للمسلمين والتنقل من بيت إلى بيت لترهيبهم.
وفي عام 1444هـ (2023م)، حينما صرّح الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في مقابلة مع شبكة CNN بأنه يأمل أن يثير الرئيس جو بايدن قضية حماية المسلمين في الهند خلال لقائه برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، علّق سارما قائلاً إنّ في البلاد كثيرين يُدعون “حسين أوباما”، وإنّ شرطة ولايته ستعطي الأولوية للتعامل معهم.
وقد أثارت تصريحاته ردود فعل غاضبة من شخصيات معارضة بارزة في الهند، مثل سوبريا شريناتي من حزب المؤتمر الوطني، التي قالت إنّ وصفه للرئيس الأمريكي الأسبق بـ”حسين أوباما” ينطوي على تلميح واضح “إلى كون أوباما مسلماً، وأنّ المسلمين في الهند بحاجة إلى تلقينهم درساً”.
كما وجّه ساكيت جوخالي، النائب عن حزب ترينامول كونغرس الهندي، انتقادات حادة إلى رئيس وزراء آسام، قائلاً إنّ تصريحاته تحمل “تهديداً مبطناً باستخدام شرطة ولايته للتعامل مع المسلمين في الهند”.
أما أبورفاناند جاها، أستاذ جامعة دلهي وكاتب عمود في صحيفة ذا واير، فقد ذهب في أحد مقالاته إلى القول إنّ “حقد سارما وعنفه تجاه المسلمين يتجليان بوضوح في تصريحاته وقراراته”، مؤكداً أنّه “فقد الأهلية الأخلاقية للبقاء في منصبه”.
ما الذي سيحدث لاحقاً
يؤكد سارما عزمه على المضي قدماً في حملات الإخلاء.
فقد صرّح في 2 محرم 1447هـ (8 يوليو 2025م) قائلاً: “إذا كان لدى أيّ شخص اعتراض على إزالة 350 بنغالياً غير شرعي، فعليه أن يتحمل الأمر”، في إشارة واضحة إلى أنّ أيّ معارضة لهذه الإجراءات لن تثنيه عن تنفيذها.
ولا يزال آلاف الأشخاص، ومعظمهم من ضحايا حملات الهدم والإخلاء التي قادها سارما، يواصلون احتجاجاتهم ضد هذه القرارات.
ويبدو أنّ الأوضاع آخذة في التصعيد.
فقد أفاد موقع Scroll بأنّ ما لا يقل عن خمس حملات إخلاء، نُفذت في أربعة أقاليم بولاية آسام خلال الشهر الماضي، أدت إلى تهجير ما يقارب 3500 أسرة.
وقد أثارت هذه الحملات الأخيرة اهتمام شخصيات بارزة في صفوف المعارضة، مثل قادة حزب المؤتمر الوطني الهندي مالليكارجون خارجه وراهول غاندي، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه السياسات إلى اندلاع احتجاجات وأعمال عنف.
وتشهد ولاية آسام منذ زمن طويل موجات احتجاج واسعة، بدأت بمظاهرات مناهضة لقانون تعديل الجنسية لعام 1440هـ (2019م)، وامتدت مؤخراً عقب صدور قانون تعديل الأوقاف، الذي يهدف إلى تقويض سلطة الأوقاف الإسلامية.
المصدر: TRT World and Agencies.
اترك تعليقاً