من دون صدور أي إدانات، ومع ازدياد أحكام البراءة، تنكشف قوانين “جهاد الحب” المثيرة للجدل في الهند تدريجيًّا بوصفها أدواتٍ لاستهداف طائفي، يدفع ثمنها رجال مسلمون تُنتهك إنسانيتهم.
في 1442ه (ديسمبر من عام 2020م)، تمّ اختطاف محمد ساقب، وكان آنذاك في السادسة عشرة من عمره، من طريقٍ ريفي قرب منزل صديقه في ولاية أوتار براديش الهندية، وانهال عليه مجموعة من الشبان بالضرب.
وبعد ساعات قليلة، وجد نفسه خلف القضبان، متّهمًا بواحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل والتوظيف السياسي في الهند: “جهاد الحب”، وهي التهمة التي تدّعي وجود مؤامرة يقودها رجال مسلمون لاستمالة النساء الهندوسيات والزواج بهنّ بهدف تحويلهن إلى الإسلام.
يقول محمد لموقع TRT World: “كنت عائدًا من حفلة عيد ميلاد برفقة صديق، فرأيت مجموعة من الفتيان يوقفون فتاةً في الطريق. سألتهم عما يحدث، فانهالوا عليّ بالضرب دون أي مبرر. وبعد قليل وصلت الشرطة واقتادتني إلى المركز. وعلى الرغم من أن الفتاة أكدت لهم أنني لا علاقة لي بها، فإنهم وجّهوا إليّ التهمة”.
محمد، الذي بلغ العشرين من عمره الآن، نال أخيرًا البراءة بعد معركة قانونية استمرت قرابة أربع سنوات، خاض خلالها أكثر من سبعين جلسة محكمة، وأمضى ستة أشهر خلف القضبان. ووفقًا لمحاميه، فإنّ قضيته تُعدّ أول حكم براءة كامل في ولاية أوتار براديش بموجب قانون مكافحة التحول الديني، المعروف شعبيًّا باسم “قانون جهاد الحب”.
وقد صدر هذا القانون عام 1441ه (2020م)، ويجرّم التحوّل الديني إذا كان يتم من خلال الزواج أو الإكراه أو الخداع، غير أن المنتقدين يرون أنّه يُستغل في ملاحقة المسلمين والتضييق عليهم باسم حماية الهوية الدينية.
رغم غياب بيانات رسمية على مستوى البلاد، يشير نشطاء إلى أنّ عدد هذه القضايا قد يبلغ الآلاف.
ففي ولاية أوتار براديش وحدها، استُخدم قانون مكافحة التحوّل الديني لتسجيل 835 قضية، أدّت إلى اعتقال 1682شخصًا حتى يوليو من العام الماضي. ومع ذلك، تبقى الإدانات نادرة. فحتى 1445هـ (منتصف عام 2024م)، لم تُسفر أي قضية عن حكم بالإدانة، رغم استمرار محاكمة المئات.
وقد تحوّل هذا القانون أيضًا إلى أداة لمراقبة العلاقات بين أتباع الديانات المختلفة، لا سيّما تلك التي تجمع بين رجال مسلمين ونساء هندوسيات، تحت غطاء حماية الحرية الدينية. وكان محمد من أوائل من وُجّهت إليهم تهم بموجب هذا القانون، بعد 18 يومًا فقط من دخوله حيّز التنفيذ.
وقد تمّ لاحقًا سنّ قوانين مماثلة في عدد من الولايات الأخرى الخاضعة لحكم حزب بهاراتيا جاناتا اليميني – بما في ذلك ولاية غوجارات، مسقط رأس رئيس الوزراء ناريندرا مودي – مما ساهم في تكوين منظومة قانونية وطنية متوسعة، ترى فيها منظمات حقوق الإنسان تعدّيًا على الحريات الشخصية وتعزيزًا لحالة الانقسام الطائفي.
ورواية محمد ليست استثناءً.

تسلّط قضية محمد ساقب الضوء على تزايد القلق إزاء إساءة استخدام قوانين “جهاد الحب” لاستهداف الرجال المسلمين. فمنذ عام 1441هـ (2020م)، حين أقرّت ولاية أوتار براديش قانونًا شاملًا يجرّم التحوّل الديني ويستهدف العلاقات بين الأديان، تم اعتقال مئات المسلمين بتهمٍ مماثلة.
وتُعد أوتار براديش موطنًا لأكبر عدد من المسلمين في الهند، حيث يعيش فيها نحو 38.5 مليون مسلم، يشكلون ما يقارب 20% من سكان الولاية البالغ عددهم حوالي 200 مليون نسمة.
قضايا كيدية
منذ صدور القانون وحتى 1446هـ (يوليو 2024م)، سجّلت سلطات أوتار براديش 835 قضية بموجب قانون مكافحة التحوّل الديني، وأوقفت 1682 شخصًا. ومع ذلك، لم تصدر سوى أحكام إدانة محدودة، فيما قضى كثير من المتهمين شهورًا – وأحيانًا سنوات – رهن الحبس الاحتياطي من دون محاكمة.
ويؤكد خبراء قانونيون ونشطاء حقوقيون أنّ هذا القانون يُستخدم كأداة لاستهداف أكبر أقلية دينية في البلاد، تحت ذرائع أخلاقية وادعاءات بحماية الهوية الوطنية.
يقول مشرف كمال، محامي محمد: “معظم القضايا المرفوعة بموجب هذا القانون ملفّقة. وعلى الرغم من أن النصّ يبدو محايدًا دينيًا، فإنّ تطبيقه على أرض الواقع يستهدف المسلمين بشكل جلي”.
أما محمد، فأكّد أنّه لا يعرف الفتاة التي زُعم أنها طرف في القضية، ونفى وجود أي علاقة عاطفية معها. وقد دعمت سجلات المحكمة وشهادات الشهود، بما في ذلك أقوال الفتاة أثناء الاستجواب، روايته للأحداث.
قال كمال: “لقد صرّحت الفتاة بوضوح في المحكمة أنها لا تعرف محمد ساقب. لقد تمّ تحريف روايتها. في البداية قالت إنها كانت في طريقها إلى منزل صديقتها، ثم تعرّضت لضغوط جعلتها تذكر اسم محمد ساقب”.
ويؤكد كمال أنّ محمد قد اشتُبه به في البداية على أنه لصّ، في ظل موجة من سرقات السيارات التي شهدتها القرية مؤخرًا. وكان من بين الذين انهالوا عليه بالضرب بعض المسلمين، غير أنه ما إن وصلت الشرطة وتبيّن لهم أن الفتاة من الطائفة الهندوسية، حتى تغيّر مسار الرواية بالكامل.
ويضيف: “لقد منحوا القضية طابعًا طائفيًا لتجنّب المساءلة، ثم وُجّهت إليه تُهمٌ بالخطف، والاختطاف بغرض الإكراه على الزواج، والاعتداء على الحياء العام”.
وقد أنفقت أسرة محمد، التي كانت تعاني أصلًا من ضائقة مالية إثر وفاة والده، آلاف الروبيات على التنقل بين المحاكم وتكاليف الدفاع القانوني.
يقول محمد: “أعمل اليوم في مهنة اللحام، وكان أخي هو من تحمّل أعباء النفقات. كنا نذهب إلى المحكمة من مرتين إلى أربع مرات أسبوعيًّا، وقد كان الأمر مرهقًا للغاية”.
ورغم أنه كان قاصرًا وقت الحادثة، فقد حوكم محمد باعتباره بالغًا. يقول كمال: “لم نتمكن في البداية من إثبات سنّه لعدم توفر شهادة مدرسية، ولم نحصل على شهادة ميلاد إلا لاحقًا”.
في عدة حالات، اضطرّت شرطة ولاية أوتار براديش إلى سحب التهم الموجهة لأفراد بعد التحقيقات الأولية، إذ تبين أن القضايا قائمة على ادعاءات مبالغ فيها أو غير مدعومة بالأدلة.
وقد وجهت المحكمة العليا الهندية انتقادات لاذعة لشرطة الولاية بسبب الاستخدام المنحاز وغير المناسب لقوانين مكافحة التحوّل الديني.
وفي مارس 2025، أدانت هيئة قضائية برئاسة رئيس القضاة آنذاك سانجيف خانا السلطات المحلية لاستنادها إلى القانون في قضية لا صلة لها به.
قانون مستمد من الحملات السياسية
ظهر مصطلح “جهاد الحب” في الهند في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وروّج له مجموعات هندوسية يمينية، ثم تعزّزت شهرته على يد سياسيين من حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يقود الحكومة الفيدرالية منذ عام 1435هـ (2014م).
تقوم هذه الاتهامات على مزاعم غير مثبتة تدّعي أن رجالًا مسلمين ينتهجون سياسة ممنهجة لاستدراج النساء الهندوسيات وتحويلهن إلى الإسلام، بهدف تغيير التركيبة السكانية للهند. ورغم عدم وجود أي دليل ميداني يدعم هذه النظرية، فإن قوانين مكافحة التحوّل التي تم تبنيها في عدة ولايات هندية تجرّم فعليًا الزواج بين الأديان في حال كان مصحوبًا بتحويل ديني.
وتلزم هذه القوانين بإخطار مسبق بعملية التحول، وتتيح لأفراد العائلة الطعن في تلك الزيجات أمام المحاكم، وهي مواد يرى المنتقدون أنها تقوض استقلالية البالغين الراغبين في الزواج.
ويرى المنتقدون أن البنية القانونية المتنامية المحيطة بما يُسمى “جهاد الحب” ليست مجرد نتاج لأيديولوجيات هامشية، بل جزء من مشروع أوسع مدعوم من الدولة. يقول أبورفاناند جها، أستاذ جامعة دلهي وناقد بارز للحكومة الحاكمة: “لقد أعلن مسؤولون حكوميون، بمن فيهم رؤساء الوزراء، تأييدهم العلني لمؤامرة جهاد الحب”. ويضيف: “هذه القوانين لا تهدف إلى الحماية، بل إلى معاقبة المسلمين على تجاوزهم للحدود الاجتماعية”.
وقد حذرت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش من أن هذه القوانين، إلى جانب تصاعد خطاب الكراهية، تعكس مناخًا من التعصب مدعومًا من الدولة. وفي عام 1444ه (2023م)، صنفت لجنة الولايات المتحدة المعنية بالحرية الدينية الدولية الهند مجددًا كـ”دولة ذات اهتمام خاص”، مستشهدة بدور المسؤولين الحكوميين في التحريض على العنف والتمييز ضد الأقليات الدينية، وخصوصًا المسلمين.
رغم أن براءة محمد ساقب قد تشكل بصيص أمل للمجتمع المسلم، إلا أنها لا تكاد تُطفئ تصاعد القضايا المرفوعة بموجب قوانين مكافحة التحوّل الديني. تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن تطبيق هذه القوانين يتم بشكل انتقائي، حيث تُستهدف المسلمين بشكل شبه حصري، بدلاً من معالجة المخاوف الحقيقية المتعلقة بالإكراه.
وفي 1446هـ (أبريل 2025م)، قدّمت منظمة “المواطنون من أجل العدالة والسلام” التماسًا أمام المحكمة العليا أشار إلى أن قانون ولاية أوتار براديش قد تم “تحويله إلى سلاح” لمضايقة الأزواج من أتباع الأديان المختلفة، لا سيما الرجال المسلمين المتزوجين من نساء هندوسيات، مع تسجيل عدد كبير من القضايا من قِبل أطراف ثالثة وليس من النساء أنفسهن.
يقول أبورفاناند: “تتصرف الشرطة كما لو أن موافقة المرأة غير ذات أهمية. هذا يعكس عقلية إقطاعية واستراتيجية سياسية. هذه القوانين ليست من أجل العدالة، بل من أجل السيطرة”.
وفي كثير من الحالات، تُشكك في نزاهة النساء اللائي يُصررن على زواجهن الطوعي من رجال مسلمين، ويُعامَلن كضحايا إكراه. وفي بعض المرات، يُهدَّم منازل الأزواج، ويُعتقل أفراد عائلاتهم، رغم وجود حماية قضائية.
ففي العام الماضي، قامت السلطات في أوتار براديش بهدم ستة منازل تابعة لعائلة مسلمة، بعد اتهام أحد أفرادها بخطف امرأة هندوسية، رغم أن الفتاة أكدت في المحكمة أنها تزوجت برغبتها.
يؤكد أبورفاناند: “هذا ليس صمتًا، بل هو اضطهاد ممنهج”.
تحويل قانون “جهاد الحب” إلى أداة للاضطهاد
تتصدّر مجموعات هندوسية يمينية متحالفة مع حزب بهاراتيا جاناتا، مثل “باجرنغ دال” و”فيشوا هندو باريشاد”، جهود ملاحقة ما يُزعم أنه قضايا “جهاد الحب” بقوة.
ففي بعض الأحيان، يقوم نشطاء “باجرنغ دال” و”فيشوا هندو باريشاد” بمداهمة الأماكن العامة، والصالات الرياضية، ومراكز التدريب لطرد الموظفين المسلمين بزعم حماية النساء الهندوسيات.
وفي حالات أخرى، اقتحموا شققًا خاصة تُقام فيها حفلات عيد ميلاد، وتعرّضوا للرجال المسلمين بالعنف، ونشروا مقاطع فيديو لتشويه سمعتهم.
ولا يقتصر هذا النمط من التنمر الجماهيري على الولايات الشمالية المرتبطة بالقومية الهندوسية المتشددة، بل أصبح واضحًا في مختلف أرجاء الهند، بما في ذلك مناطق ذات سياقات سياسية وثقافية مختلفة.
ففي الشهر الماضي، في ولاية آسام الواقعة في أقصى شرق الهند قرب حدود الصين وميانمار، بثّت مجموعة يُعتقد ارتباطها بهذه التنظيمات اعتداءً علنيًا على شاب مسلم بتهمة “جهاد الحب”، وهو ما أقرّت الشرطة لاحقًا بأنه شكل من أشكال الرقابة الأخلاقية غير القانونية.
تشير التقارير إلى أن نحو 60% من القضايا تُرفع من قِبل أطراف ثالثة، غالبًا من نشطاء الهندوتفا، وليس من النساء المعنيات أو عائلاتهن. ويعمل ناشطو هذه الجماعات اليمينية كحماة “مُفوّضين” للنساء الهندوسيات، وينشطون عبر شبكات محلية ومجموعات واتساب لمراقبة والتدخل في العلاقات بين الأديان.
وفي كثير من الأحيان، يواجهون الأزواج في الأماكن العامة، ويضغطون على العائلات لتقديم شكاوى، وينشرون التفاصيل الشخصية عبر الإنترنت لخلق ضغط اجتماعي. وتلعب هذه الآلية الشعبية دورًا حيويًا في دفع الشرطة للتحرك، حتى وإن أنكرت المرأة المعنية وجود إكراه أو مخالفة.
أما بالنسبة لأشخاص مثل محمد، الذين وُجهت إليهم اتهامات، فإن تأثير الأمر يتجاوز ساحات المحاكم ليطال حياتهم اليومية. يقول محمد: “أنا خائف. أتحاشى الاقتراب من الفتيات الآن. لديّ الكثير من الأصدقاء الهندوس، لكنني أخشى التواصل معهم ولا أريد المزيد من المشاكل”.
TRT World
اترك تعليقاً