ما عاد في القلب متسعٌ لندبةٍ جديدة…
كل الجراح قديمة، لكنها ما التأمت… وكل الصرخات عالية، لكنها لا تُسمع.
في كل أرضٍ يُذبح فيها المسلم، تُنكس رايةٌ كانت مرفوعة يومًا…
وفي كل عاصمة يُخنق فيها صوت الحق، يُرفع صوت النفاق باسم الحكمة، والخذلان باسم الواقعية.
غزة… أيقونة النزف المفتوح
مدينةٌ تقاوم بجوعها، تقاتل بأشلاء أطفالها،وتحاصرها الأمم كما يُحاصر السجين بالسلاسل، ويُطلب منها أن تكون متزنة في حريقها، راشدة في موتها!
يُقطع عنها الضوء، والماء، والدواء،
ثم يُسأل الطفل الذي قُتل: هل كان إرهابياً؟
وتُقصف المستشفى، ثم تُصوَّر المذبحة على أنها خطأ لوجستي!
المسرحية على الجانب الآخر
وعلى الجانب الآخر من المسرحية…
تخرج إيران بثوب المقاومة،
وتنحر الأمة باسم الطائفة، وتبيد الشام واليمن والعراق تحت راية “التحرير”.
تحرر ماذا؟ وقد ذُبح من نُحر لأجلهم؟
وتحت راية القدس… تُسلخ بغداد، وتُغرق صنعاء، وتُجتث حمص، أيُّ مقاومةٍ تُبنى على جماجم المصلين؟!
خذلان الأمة وتخدير الجماهير والأمة…؟
بين خذلان داخلي، وتآمر خارجي،
وما بينهما جموعٌ تُخدّر بالشعارات، وتغرق في طوفان التسلية.
فلسطين ليست وحدها
في تركستان الشرقية (الصين)،
تُدفن المصاحف، وتُغلق المساجد،
وتُغسل العقول من لا إله إلا الله،
وتُسجن الأرحام لأنها أنجبت مسلمين.
في بورما، يُحرَق المسلم حيًّا، وتُغتصب النساء، وتُباد القرى، ولا تُفتح جلسة طارئة، ولا يُعقد مؤتمر للعار.
في كشمير، الهند تُغير التركيبة، تُحاصر الجوامع، تُجبر المحجبات، ولا يُحرّك ذلك سوى مقاطع خجولة على وسائل التواصل.
في الهند، يُقتل المسلم في السوق لأنه ذبح أضحية، وتُنزع الحُرمة من المسلمة باسم الوطنية، والعالم يصفّق.
في اليمن، طفولة تُنهب قبل أن تمشي،
وشعبٌ تُباد آماله، بين تحالفات تتغير كما تتغير الأسعار، ولا أحد يريد أن يرى… لأن الرؤية تُلزم بالوقوف، والوقوف بات تهمة!
في السودان، وطنٌ يتفجر من الداخل، دماءٌ بلا هوية،ونزوحٌ جماعي،
وكل العالم ينظر من بعيد، لأن الخرطوم لا تصنع النفط، ولا تتحكم في الموانئ!
في سوريا؛ السقف عاد، لكن الكرامة لم تعُد.
الطرقات فُتحت، لكن القلوب لا تزال معتقلة.
الطفل صار شاباً… يحمل جُرح أبيه، واسم حيّه، ومفتاح بيتٍ هُدم على السجادة.
وفي العراق، الهوية تمزقت بين عمامة ومحرقة، والمدينة التي كانت تكتب الحضارة… تُكتب الآن بحبرٍ أجنبي.
وفي الشيشان، تُدفن الهوية، وتُؤمم المساجد، وتُسلخ الألسنة من الفاتحة!
وفي كل بلدٍ من أفغانستان إلى نيجيريا،
من لبنان إلى تونس، تتنوع المآسي، لكن القاتل واحد: غياب الهيبة، وموت الغيرة.
نداء للأمة
فيا أمة محمد…
أيعقل أن نعيش هذا الموت العظيم… ونكتفي بالقلوب المنكسرة؟
هل كتب الله علينا أن نُبكي في الميادين، بينما الآخرون يُبكون العالم من مكاتبهم؟
هل باتت دماؤنا ماء؟
هل رضينا بالهوان على موائد الأمم، حتى صار يُساوَى بين القاتل والقتيل؟
أين هيبة الإسلام؟
أين ذلك المجد الذي كانت فيه كلمة “الله أكبر” تُرجف لها الأرض؟
أين تلك النخوة التي كانت لا تنام إن استُغيث بها؟
أين تلك القلوب التي إذا ذُكر الظلم… اشتعلت لاجله لا عليه؟
أوراقنا المتساقطة
لقد تساقطت أوراقنا في خريفٍ طويل، لكننا لم نمت.
وفينا أرواحٌ تأبى الذل، وعقولٌ تفهم اللعبة، وسيرٌ لم يكتمل… ووعدٌ من الله:
“ولينصرنّ الله من ينصره…”
أين النخوة؟
ويا من تسألون: أين النخوة؟
إنها تحت الركام…
ركام القنوات التي سخّرت جهدها لصناعة التفاهة،وركام المناهج التي أفرغت الأجيال من عقيدتها، وركام الأبواق التي باع أصحابها ذممهم للعدو… باسم “التحليل السياسي”!
لماذا نُخذل؟
ويا من تسألون: لماذا نُخذل؟
لأننا حين سقط أول جدار في بيت المقدس…
قلنا: “ستُعاد”، ولم نعد!
وحين احترق المسجد، بكينا، ثم عدنا لأغانينا.
وحين سُحقت الشعوب، قلنا: لا شأن لنا…
وحين سقطت الكرامة، لبسنا الصمت، وخاطبنا الله من بعيد…
كأننا لسنا الطرف الذي يجب أن يعود إليه أولًا!
خذلان الذات
والله ما خاننا الله… نحن من خذلنا أنفسنا!
خذلناها يوم قلنا: لا شأن لنا بالشأن العام،
خذلناها حين قلنا: لسنا علماء ولا قادة، فجلسنا نتفرج، خذلناها حين رأينا التغيير في ذواتنا صعبًا… فاستسلمنا لروتين التبلد!
خذلناها حين صار الشاب يُحسن “التمثيل” أكثر مما يُحسن التفسير،
ويعرف اللاعبين أكثر من الصحابة،
ويتابع النشرات ببرود، ثم ينزل للسهر… وكأن الأمة لا تصرخ باسمه!
أفيقوا!
لن تنهض أمةٌ عجز رجالها عن صلاة الفجر، ولا ترتفع رايةٌ في أيدٍ ترتجف أمام أزرار الغواية، ولا تُستعاد هيبة دينٍ بقلوب تهزّها المسلسلات أكثر من المذابح!
النهضة ليست نغمة عاطفية
النهضة ليست نغمة عاطفية، بل تربيةٌ، وصبرٌ، ومسارٌ شاق.
تبدأ من توبةٍ فردية، واستقامةٍ خفية، وجهادٍ يومي للنفس، ثم تتسع: في البيت، في السلوك، في الفكر، في الذوق، في النية…
حتى تصير الأمة أمةً بحق، لا مجرد جغرافيا نازفة.
لا نريد مهرجانات بكاء، نريد صمتًا يعمل.
لا نريد شعارات، نريد وجوهًا لا تنام من همّ الأمة.
نريد جيلًا إذا ذُكرت الجهاد، اشتعل صدره!
وإذا سمع “الله أكبر”، عرف أنه مسؤول.
أيتها الأمة المباركة
لسنا عاجزين.
لكننا مرهقون من كثرة ما تنازلنا،
تعبنا من طأطأة الرؤوس، من لبس الأقنعة، من ترميم الخيبات.
لكننا — والله — لسنا موتى.
وما دام فينا طفل يقول “أشهد أن لا إله إلا الله”، ويُقتل لأجلها… فنحن بخير.
وما دام فينا حُرّ يقول: لا، حين يقول العالم كلّه: نعم… فنحن حيّون.
أعداؤنا لا يخشون سلاحنا
وإن أعداءنا اليوم لا يخشون سلاحنا…
بل يخشون يقظتنا.
يخشون أن نصحو من غفلتنا،
أن نعيد ترتيب أولوياتنا،
أن نجعل القرآن قائدًا، لا تميمة،
والسنة سلوكًا، لا شعارًا،
وأن نعود كما كنا: أمةً إن غضبت، انتصرت… وإن سجدت، رفعت الأرض إلى السماء.
رأينا الهزائم
لقد رأينا الهزائم حين تشبّهنا بغيرنا،
ورأينا الانكسار حين قلّدنا من لا دين له،
رأينا كيف يُنتزع النصر من أيدينا حين نخون شرطه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾
المطلوب منك
ليس المطلوب أن تحمل سيفًا…
بل أن تحمل همًّا، أن تكون صادقًا مع الله،
أن تنقذ نفسك من الذلّ، وتُصلح بيتك، وتُربي ابنك ليكون عبدًا لله، لا عبدًا لِما يُبَثُّ على الشاشات.
ليس المطلوب أن تخطب على منبر…
بل أن تصدق في سلوكك، أن تخلص في عملك، أن تكون سببًا في عودة النور إلى الزمان المظلم.
نحن لا ننتظر نبيًا جديدًا
ولا ملَكًا ينزل من السماء…
نحن ننتظر رجوعنا… إلينا!
ننتظر أن نستحي من التقصير، أن نخجل من الغياب، أن نغضب لله كما كنا نغضب لأنفسنا.
ننتظر أن نعرف عدوّنا حقًّا…
وأن لا نُخدع بعد اليوم بزيف المقاومات الكاذبة، ولا ابتسامات المطبعين، ولا خُطَب الانبطاح.
المرحلة مرحلة اصطفاء
فالمرحلة ليست مرحلة تنظير،
ولا وقت مجاملات فكرية،
ولا مرحلة تأجيل ومبررات.
المرحلة… مرحلة اصطفاء
إما أن تكون من أولي البصائر… أو من المصفقين للخذلان.
إما أن تكون ممن يعدّ نفسه لمعية الله… أو ممن تستهلكه الشهوات.
الأمة حين تُقهر… تُصفّى
ويا من ظن أن الإسلام ضعفٌ حين يُقهر أهله…
كلا، بل الأمة حين تُقهر ويصبر خيارها… فهي تُصفّى.
حين تُنسى قضاياها… فهي تُختبر.
وحين تُخذل مرارًا… فهي تُهيأ لأمرٍ أعظم.
ألم يُخذل يوسف في الجب والسجن، ثم خرج عزيزًا؟
ألم يُطرد النبي ﷺ من مكة، ثم عاد إليها فاتحًا؟
ألم يُبكِ أصحاب الأخدود أطفالهم في النار، ثم خلد الله ذكرهم في القرآن؟
فما ظنّكم بأمة خُتمت بها النبوات، وجعل الله قيامها وعدًا في كتبه؟
هذه ليست نهاية القصة، بل أول فصلٍ في العودة.
أزمة الهوية والصدق
لقد تنافس الناس اليوم في جمع المال، ونسوا أن الله يُبارك في القليل إذا صحّت النية، وتفاخروا بالمظاهر، ونسوا أن الجمال الحقيقي هو أثر السجود على الجبين.
تسلّحوا بالثقافة المعاصرة، ونسوا أن أول كلمة من وحي السماء كانت: ﴿اقرأ باسم ربك…﴾
إنها أزمة الانتماء… أزمة الهوية… أزمة الصدق مع الله.
صرنا نرى من يبكي على الأطفال في غزة، لكنه لا يصلي الفجر!
ومن يغضب للروهينغا، لكنه لا يغضب حين يُعصى الله في بيته!
من يدعو لنصرة القدس، ثم يستهزئ بالحجاب وعباد الله الصالحين!
ومن يطالب بقيام الخلافة… وهو لا يحكم بيته بالعدل، ولا نفسه بالتقوى!
فبأي وجهٍ نطلب النصر ونحن نخذل شرطه؟
وبأي دعاءٍ نرتجي التمكين ونحن نحيا على هامش هذا الدين؟
نداء للصحوة
يا من تسمع، وقد أصابك الأسى،
اعلم أن الله ما أراد لك أن ترى كل هذا إلا لحكمة،ربما يُهيئك لدور… لصوت… لنهضة تبدأ بك.
لا تنتظر أن يُصلح الناس… أصلح نفسك.
ابدأ من حيث أنت.
في قلبك بابٌ لا يُفتح إلا بينك وبين الله،
افتحه… وافتح به دربًا جديدًا لزمانٍ يتوق للرجال.
جيل القرآن والهمة
نريد جيلًا يقرأ القرآن لا ليزين صوته فقط… بل ليُقيم به الحجة على نفسه.
جيلًا يعرف أن صيام الإثنين، وركعتَي الضحى، وصلة الرحم، ليست مجرد نوافل… بل تمارين على حمل التكاليف الثقيلة حين تدعو الحاجة.
نريد جيلًا يقول: أنا مسؤول عن نفسي، وأسرتي، وأمتي…
لا ينتظر خطابًا تحفيزيًا… بل يُوقظه وجع الأمة كل صباح.
الدين لا يحتاجنا… لكنه يرفعنا
ولتعلموا… أن هذا الدين لا يحتاجنا ليبقى، لكنه دعانا لنحمل رايته، ليرفعنا به.
فمن شاء أن يكون من أهل هذا النور… فليستعد، فإن المعركة القادمة ليست فقط مع عدوٍّ خارجي، بل مع كل ضعفٍ داخلي، مع كل كسل، مع كل غفلة، مع كل نفاق.
اترك تعليقاً