بعد الحقيقة التي أعادت تجليتها لنا قافلة الصمود؛ أننا لن نفلح في شيء ما دمنا مشرذمين، كل شرذمة في دولة لها حدودها الترابية وعلمها المقدس وسيادتها التي لا تمس وولاؤها المبذول لها وحدها من أفرادها مع برائهم من كل من سواهم.
بعد هذه الحقيقة، فكل خطاب يساهم في ترسيخ هذه الأوهام في عقول الناس هو عرقلة لنهوض هذه الأمة وإطالة لأمد بلائها، وهو بالضرورة سهم في كنانة العدو وإن لم يشعر.
اليوم خطيب الجمعة بدلًا من أن يجدد في المسلمين عقيدة الولاء والبراء الحقة ويعين في جمع كلمة الأمة ويوجه حميتها وغضبتها ضد عدوها الحقيقي، إذ به يخطب في حب الوطن ويفيض، في محاولة يائسة في تدعيم ذلك بالأدلة الشرعية!
وما زاد على أن لبّس على الناس وغرهم بإقرارهم على المفاهيم الضالة بل وزيادة ترسيخها
يا قوم ..
لا خلاص لنا إلا بالكفر بهذه الخطوط التي نجحوا في إقناعنا بأنها حمراء، والحقيقة أنه لا خط أحمر إلا الدين.
لا خلاص إلا بالكفر بهذه الحدود التي أقنعونا بأنها مقدسة، والقداسة لله وحده ولما قدّس.
يا قوم ..
حب “الوطن” بتلك النزعة التقديسية التي يرسخونها فينا يُخشى أن يكون بوابة للشرك! ولا يغركم تلبيس الملبسين بقولهم هذه عبادة وهذا من الدين! أي عبادة لله في حب شيء ورفعه إلى منزلة تمنعني من القيام بحقوق ديني وحقوق إخواني التي كلفني الله بها بل ولا نجاة لي أصلًا إلا بأدائها!
ألم تُوظّف الشعارات الوطنية لتبرير والخذلان؟ أم تُقدَّم المصالح القطرية الضيقة على المصلحة العامة للمسلمين؟ ألم تُرفع في وجه قوافل النصرة السلمية أوراق السيادة؟ ألم تُمنع الشعوب حتى من مجرد الخروج في مسيرات بحجة الحفاظ على “الأمن القومي”؟ إن هذه الدول القطرية المسماة أوطانًا كذبة كبيرة، ولا خلاص لنا إلا بتحطيم قداستها الوهمية في قلوبنا.
يا إخوة ..
لا خلاص لنا إلا بتوجيه الولاء كل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين في شتى بقاع الأرض، بغير تسمية أعراق وأوطان، من يرى تعليقات البعض يجدها للأسف تصرخ بالولاء للوطن أولًا وآخرًا، تعادي عليه وتوالي عليه، هكذا بكل وضوح، فهل تصح عقيدة امرئ مسلم هذا ولاؤه وبراؤه!
يا ناس ..
لا خلاص لنا إلا باعتبار أمتنا كالقُطر الواحد، قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد، وسبيلنا للخلاص واحد؛ سبيل نسلكه جماعةً، لا فرادى متفرقين منغلقين على أنفسنا غارفين في قضايانا الداخلية! قضيتنا واحدة وفي القلب منها بيت المقدس..
أما كفتنا أربعة عشر عامًا ندرك هذا!
وقبل أن يعترض البعض فليقف أولًا مع نفسه موقف صدق ويسأل نفسه: هل أنظر لإخواني في غزة على أنهم “الأشقاء الفلسطينيين” الذين لو لم تتعارض نصرتهم مع مصلحة “الوطن” نصرناهم وإلا فلنا شأننا ولهم شأنهم؟ أم أراهم نفسي، لحمي ودمي، مصلحتهم هي مصلحتي ونصرتهم عين نجاتي؟
كذا فلنراجع أنفسنا ولنحذر من أن نقول كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم “وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا”!
فتأملوا بالله رد الله عليهم: “أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون. وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلًا وكنا نحن الوارثين. وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون. وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون”.
إن حب الإنسان وانتماءه للأرض التي نشأ فيها أمر طبيعي، لا هو مذموم ولا هو مقصد في ذاته، وهو مقبول ما دام ميزان الولاء في قلبه مضبوطًا، وما دام الله ورسوله وجهاد في سبيله أحب إليه، وحسبنا في ذلك أن نتأمل الهجرة؛ كيف هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحب البلاد إليهم وأطيبها إلى سواها فكمل لهم الإيمان، وكيف أن من غلبه إلف أرضه ودياره فلم يقو على الخروج وقع في النفاق وانتفى عنه الإيمان.
نسأل الله العافية.
اترك تعليقاً