منذ أن بدأت المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني، ظهرت على الساحة خطابات متباينة، بعضها يلبس لباس الغيرة على الأمة، بينما هو في الحقيقة يعيد تدوير الأوهام، ويجعل الحق مطية للباطل.
رأيت ادعاءين يروج لهما بعض المتعاطفين مع إيران، كلاهما خطر على عقيدة المسلم السني ووعيه:
الادعاء الأول: أن سقوط إيران الآن هو “انكسار للمسلمين” و”تغول للصهاينة والصليبيين”، وأنه لا يفرح به إلا مأجور، أو أعمى البصيرة، لأن “العدو المشترك” الأكبر هو إسرائيل.
وهذا كلام ظاهرُه غيرة وباطنُه خداع.
فمنذ متى كانت إيران تمثل الإسلام؟ منذ متى كانت طعنتها في ظهورنا سببًا لرفعة الأمة؟!
ألم نرها وهي تسلّم العراق على طبق من دماء؟
ألم نرها وهي تقتل أطفال الشام، وتغدر بثوار اليمن، وتموّل الميليشيات في كل بلد سني؟
ألم تبنِ المعابد الهندوسية في جزيرة العرب، وتستقبل من يسب الله علنًا في حفلات الطرب؟
ثم يُقال بعد هذا: سقوط إيران انكسار للمسلمين؟!
عن أي مسلمين يتحدثون؟
المسلمون الذين هجّرتهم إيران من بيوتهم؟
أم الذين قتلت أبناءهم وشردت نساءهم ورفعت شعار “يا لثارات الحسين” على أجسادهم؟!
إن الخطر الإيراني ليس خيالًا ولا مؤامرة إعلامية، بل هو نار حقيقية أحرقت أمة بأكملها،
وإن الذي يتعامى عن هذا لأجل “رشقة صواريخ” محسوبة، أو خطاب “ممانعة” أجوف، فهو يبيع دينه ودم أهله بكلمات لا تساوي شيئًا على أرض الواقع.
الادعاء الثاني: هو استشهادهم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حين سُئل عن تفضيل اليهود والنصارى على الرافضة، فقال:
“كل من كان مؤمنًا بما جاء به محمد ﷺ فهو خيرٌ من كل من كفر به، وإن كان في المؤمن بدعة…”
فيقولون: إذًا الرافضة –على بدعتهم– خير من اليهود، فيجب أن نقدمهم عليهم وندافع عنهم ضدهم!
وهذا تحريف للكلام عن موضعه، وسوء فهم لما قاله شيخ الإسلام.
فهو يتحدث عن المفاضلة العقدية المجردة، لا عن الموقف السياسي أو العسكري في الواقع.
نعم، لو كان هناك رافضي مسكين لا يملك سلاحًا ولا سلطة، ووقف بجوار يهودي كافر، لقلنا إن الأول أقرب في العقيدة من الثاني، مجردًا عن الأذى والواقع.
أما أن يُقال هذا الكلام في رافضة يحملون السلاح، ويغدرون بالبلاد والعباد، ويطعنون الأمة في خاصرتها، فهذا قلب للحقائق!
هل ابن تيمية قال إن الرافضي الذي يذبح المسلمين، ويكذّب الصحابة، ويمكّن للصهاينة من الخلف، خير من يهودي مسالم لا يؤذي أحدًا؟
هل هذا الفهم يصح؟!
بل العجب أن شيخ الإسلام نفسه هو الذي كتب منهاج السنة النبوية، وهو أشد الكتب ردًّا على الرافضة، ويعدّ من أعظم الردود عليهم في التاريخ الإسلامي!
فلا يُجعل كلامه الذي قيل في سياق معين، ذريعة للوقوف مع الروافض وهم في قمة عدوانهم، وكأن الإسلام لم يبقَ منه إلا طهرهم!
وبعد تفنيد هذين الادعاءين، يبقى أن نوضح الموقف السليم لأهل السنة في هذه المعركة:
نحن لا نؤيد إيران، ولا إسرائيل.
لا نغتر بشعارات المقاومة، ولا نطمئن لمزاعم الحرية.
بل نقف موقفًا ربانيًا، نابعًا من قوله تعالى:
﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون﴾
إنها سنّة الله… أن يضرب الظالمين بعضهم ببعض، وأن يكون في ذلك كسرٌ لشوكتهم وتمهيد لنصرة دينه، إذا صدق أهل الإيمان.
فموقفنا الصافي أن نقول:
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
لا نفرح بإيران، لأنها تقاتل إسرائيل، ولا نحزن عليها، لأنها تمثل مشروعًا عدوانيًا صفويًا خبيثًا.
وإنما نفرح إذا زال كل من يطعن في الإسلام، ويكيد لأهله، ويقف حاجزًا بين الأمة ونصرها.
لأن معركتنا الحقيقية مع الصهاينة قادمة لا محالة،
لكنها لن تكون خالصة حتى يُطهّر البيت من العملاء، وتُقطع يد الروافض من قلب الأمة.
لا نريد نصرًا تتقاسمه تل أبيب وطهران.
بل نصرًا خالصًا صافيًا، تُرفع فيه راية محمد ﷺ، لا راية الحسين، ولا راية الخامنئي، ولا راية “الشعار الزائف”.
فمن أراد أن يكون على بصيرة، فليزن الأمور بمصالح الإسلام والسنة، لا بالأوهام والصراخ الإعلامي.
اترك تعليقاً