لطالما اعتُبرت الهند ملاذاً أخلاقياً ومادياً للفارين من الاضطهاد في جنوب آسيا، رغم أنها ليست طرفًا في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو بروتوكولها لعام 1967. ومع ذلك، فقد بنت الهند هوية تاريخية قوية كملجأ للمجتمعات المضطهدة. من الزرادشتيين الفارين من إيران في القرن الثامن، إلى التبتيين الهاربين من القمع الصيني عام 1959، وكذلك اللاجئين التشاكما والهجونغ من شرق باكستان (حالياً بنغلاديش) في الستينيات، رحّبت الهند بالتنوع بأذرع مفتوحة. وخلال الحرب العالمية الثانية، استضافت الهند أيضًا لاجئين بولنديين هاربين من الاضطهاد النازي. وفي الثمانينيات والتسعينيات، استقبلت لاجئين تاميليين من سريلانكا، وسمحت لهم بالاستقرار في جنوب البلاد بتسامح إداري نسبي.
لم تكن سياسة الهجرة الهندية قائمة على الثقافة فقط، بل استندت إلى القانون الدولي العرفي، والحماية الدستورية، ورؤية غاندي ونهرو لكرامة الإنسان وحق اللجوء، وغالبًا ما طُبّقت من خلال سلطة تنفيذية مرنة وتعاطف قضائي. وقد دافعت السلطة القضائية في الهند تقليديًا عن حقوق اللاجئين مستندةً إلى المادة 21 من الدستور، التي تضمن الحق في الحياة والحرية الشخصية، مما مكّن البلاد من الاعتراف الضمني بمبدأ عدم الإعادة القسرية، كما في الحكم التاريخي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ضد ولاية أروناشال براديش (1996). غير أن هذا الأساس الأخلاقي بدأ يتآكل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، لا سيما في تعامل الحكومة مع الروهينجا، الأقلية المسلمة عديمة الجنسية التي تعرّضت للتطهير العرقي في ميانمار.
استجابة الهند لأزمة الروهينجا: البدايات
بعد عقود من التمييز الممنهج في ميانمار، وصلت موجة العنف ضد الروهينجا إلى مستوى إبادة جماعية خلال أعمال الشغب في ولاية راخين عام 2012، وتصاعدت لاحقًا مع العمليات العسكرية عام 2017 التي أجبرت أكثر من 700 ألف من الروهينجا على الفرار إلى دول مجاورة مثل بنغلاديش والهند. وقد لجأ نحو 40,000 منهم إلى الهند، واستقروا في أحياء فقيرة داخل ولايات آسام، وجامو، ودلهي، وحيدر آباد، وموات (هاريانا).
في البداية، اتخذت الهند موقفًا صامتًا، وسمحت لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بتسجيل الروهينجا ومنحهم بطاقات لاجئين في دلهي، وقدّر عددهم آنذاك بـ17,500 شخص. لكن، وعلى عكس اللاجئين التبتيين أو التاميليين، لم يحصل الروهينجا على اعتراف رسمي كلاجئين من الحكومة، ولم يتم إدماجهم اجتماعيًا. بل أشارت إليهم السلطات الهندية علنًا بأنهم “مهاجرون غير شرعيين” و”تهديدات أمنية محتملة”، مما شكل انحرافًا كبيرًا عن تعامل الهند مع اللاجئين سابقًا.
وبحلول عام 2017، أعلنت وزارة الشؤون الداخلية أنه سيتم التعرف على جميع الروهينجا وترحيلهم الفوري إلى ميانمار، بذريعة مخاوف الأمن القومي وادعاءات بالارتباط بجماعات إرهابية – وهي ادعاءات لم تُدعّم بأي أدلة علنية.
الترحيل البحري في مايو 2025
في 6 مايو، اعتقلت الشرطة في دلهي 43 لاجئًا من الروهينجا بحجة “جمع البيانات البيومترية”، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن ومرضى بالسرطان، وكثير منهم يحمل بطاقات لاجئين من UNHCR. واحتُجزوا في مراكز شرطة مختلفة لأكثر من 24 ساعة، وحُرموا من الزيارات العائلية ومن مقابلة محامين.
ليلاً، عُصبت أعين المحتجزين، وقيّدت أيديهم، ونُقلوا بالحافلات إلى مطار إنديرا غاندي الدولي، ثم نُقلوا جوًا إلى ميناء بلير في جزر أندمان ونيكوبار. وهناك، نُقلوا إلى سفينة تابعة للبحرية الهندية، وتعرضوا لتعذيب، واعتداءات جنسية، واتهامات بالإرهاب، وفقًا لشهادات ناجين.
في الساعات الأولى من 8 مايو، وبعد يومين من الحرمان من الطعام والماء والعناية الطبية، تم إلقاؤهم في بحر أندمان مع سترات نجاة فقط، وطُلب منهم السباحة نحو “ملاذ آمن دولي”، دون أي ضمانات. لا توجد تقارير دقيقة عن عدد الناجين، لكن بعضهم أفاد بأنهم وصلوا إلى سواحل ميانمار عن طريق الحظ فقط، فيما طلب بعضهم سابقًا من السلطات نقلهم إلى الحدود مع بنغلاديش خشية الاضطهاد في ميانمار.
تم الكشف عن هذه الوقائع أمام المحكمة العليا في 8 مايو، لكن القضاة رفضوا منح أي حماية مؤقتة، وأجّلوا القضية إلى 31 يوليو 2025.
وفي 13 مايو، رفع اثنان من المُرحلين دعوى أمام المحكمة العليا (محمد إسماعيل ضد اتحاد الهند)، مطالبين بإعادتهم الفورية إلى الحجز الهندي، وإطلاق سراحهم من الاعتقال غير القانوني، وتعويض قدره 5 ملايين روبية لكل شخص، والاعتراف الرسمي بوضعهم كلاجئين وفق UNHCR.
ردود الفعل الدولية والتصعيد
في 15 مايو، أدان مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، الترحيل البحري واعتبره “صادمًا وغير مقبول”، وفتح تحقيقًا رسميًا. وأشار إلى تقارير موثوقة تفيد بتعصيب أعين اللاجئين، ونقلهم إلى سفن بحرية، وإلقائهم في البحر، داعيًا الحكومة الهندية إلى كشف الحقائق، والاستماع إلى الشهادات، والامتناع عن أي معاملة لا إنسانية تهدد حياة اللاجئين، محذرًا من أن هذه التصرفات تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي.
وفي رسالة سابقة بتاريخ 3 مارس 2025، دعا أندروز الهند إلى إنهاء الاحتجاز التعسفي لطالبي اللجوء الروهينجا، والسماح لمراقبين دوليين بالوصول الكامل إلى مراكز الاحتجاز، ومنع ترحيلهم إلى ميانمار حيث يواجهون خطر الموت.
الإطار القانوني الوطني والدولي
رغم عدم وجود قانون وطني للجوء في الهند، يكفل الدستور بعض الحقوق للأجانب، مثل المساواة أمام القانون (المادة 14)، وحق الحياة والحرية (المادة 21)، والاحترام للالتزامات الدولية (المادة 51-ج). وأكّدت المحكمة العليا هذه الحمايات في أحكام تاريخية مثل مانيكا غاندي ضد اتحاد الهند واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ضد ولاية أروناشال براديش.
ومع ذلك، تتجاهل الحكومة هذه المبادئ عبر تصنيف الروهينجا كمهاجرين غير شرعيين استنادًا إلى قوانين قديمة مثل قانون الأجانب 1946 وقانون الدخول إلى الهند 1920، التي تمنحها سلطة تقديرية للاعتقال والترحيل.
أما دوليًا، فالهند رغم عدم توقيعها على اتفاقية اللاجئين، تبقى مُلزمة بالقانون الدولي العرفي ومبدأ عدم الإعادة القسرية. وهي طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي يمنع الترحيل القسري، والتعذيب، والاحتجاز التعسفي. ما فعلته السلطات الهندية يخالف بشكل واضح هذه الالتزامات، خاصةً في ظل استمرار ترحيل الروهينجا رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة.
وقد سلطت تقارير إعلامية الضوء على الآثار الاجتماعية لهذه السياسات، من التهميش، والحرمان من الهوية الرقمية، وارتفاع معدلات التسرب المدرسي، وصولًا إلى الفقر المتزايد بين مجتمع الروهينجا في الهند.
تراجع الهند عن قيادتها الأخلاقية
لطالما تمسّكت الهند بدور أخلاقي عالمي كمدافع عن المظلومين. ففي عام 1959، صرّح رئيس الوزراء جواهر لال نهرو: “لقد اعتبرنا من واجبنا استقبال هؤلاء التبتيين ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم”. وتكررت هذه الروح عام 1971 حين استقبلت الهند أكثر من 10 ملايين لاجئ من بنغلاديش.
لكن موقف الحكومة الحالي من الروهينجا يمثل تراجعًا أخلاقيًا واستراتيجيًا كبيرًا. حيث طغت السياسات الطائفية، والروايات الأمنية، والنزعة القومية الأغلبية على تقاليد الهند في احتضان اللاجئين. وزاد من هذا التراجع إقرار قانون تعديل المواطنة لعام 2019، الذي يستثني المسلمين من مسار الحصول على الجنسية، ما قوّض الطبيعة العلمانية لسياسة اللجوء في الهند.
إن امتناع الهند عن التصديق على اتفاقية اللاجئين، ورفضها وضع قانون وطني للجوء، يشير إلى انتقالها من موقف غامض استراتيجيًا إلى عداء قانوني واضح. وتُظهر تصريحات المسؤولين والسياسات العامة أن اللاجئين، وخاصة المسلمين منهم، يُنظر إليهم كتهديد ديموغرافي وليس كضحايا.
وإذا استمرت الهند في هذا المسار، فإنها لا تعرض فقط حياة الآلاف للخطر، بل تتخلى عن هويتها التاريخية كأمة كانت دومًا تقف بصمت لكن بثبات إلى جانب المضطهدين. إن ترحيل مايو 2025 البحري يمثل ذروة سياسة تفضّل القومية على القيم الدستورية. وتمنح قضية محمد إسماعيل ضد اتحاد الهند المحكمة العليا فرصة حاسمة لإعادة تأكيد حماية المادة 21 من الدستور الهندي والتزامات الهند الدولية. هناك حاجة ملحة لتدخل قضائي يعيد إحياء أخلاقيات اللجوء في الهند، ويمنع مزيدًا من التآكل في كرامة الإنسان.
ديواشي فاتس | أكاديمية جنيف للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان
اترك تعليقاً