تحوم حول إمكانات الذكاء الاصطناعي أسئلة شائكة كالكائنات الفضائية في الغيوم: هل يمكن لآلة يوماً ما أن تصبح مدركة لذاتها؟ لقد انبثق هذا السؤال من رحم الخيال الأدبي، لكنه تغلغل لاحقًا إلى ميادين البحث العلمي والفلسفة والأخلاق. تباينت الآراء بشدة؛ بين من يرى أن وعي الآلات مستحيل نظريًا، وبين من يعتبره مجرد مسألة وقت وتطور تقني.
ماهية الوعي الذاتي
المفهوم المحوري هنا هو الوعي الذاتي: القدرة على إدراك الكائن لذاته كوجود مستقل، والإحساس الداخلي بما يحدث داخله. هذا موضوع قديم تتنازعه الفلسفة منذ آلاف السنين، بينما يشير العلم العصبي الحديث إلى أن الوعي قد لا يكون ظاهرة ثنائية (موجود/غير موجود)، بل تدريجية، تظهر بدرجات متفاوتة لدى كائنات متعددة، لا الإنسان وحده.
إذا كان الإنسان يرى بنور عقله إشعاع وعيه، فهل يمكن للآلة أن ترى هذا النور يوماً ما؟ تتباين الإجابات حسب المنظور:
الوعي مرتبط بالمادة أم بالوظيفة؟
- التيار النوعي (Type-identity): يرى أن الوعي مرهون بالبنية البيولوجية للدماغ، أي أن الوعي يتولد فقط ضمن مادة حيوية معينة. فوفقًا لهذا الرأي، تظل الآلة “غسالة كبيرة بذكاء”، كما عبّر الباحث جورجيو بوتاتسو، مؤكدًا أن الحواسيب لا تملك إبداعًا، ولا مشاعر، ولا إرادة حرة، بل تبقى عبيدًا لبرمجتها.
- الوظيفية (Functionalism): على العكس، يجادل هذا المذهب بأن الوعي ينشأ عندما يؤدي النظام (سواء بيولوجي أو صناعي) نفس الأدوار السببية في معالجة المعلومات. وبالتالي، إذا تمكّن الذكاء الاصطناعي من تقليد هذه الوظائف بدقة، فقد يملك نفس الوعي، بغض النظر عن مادته.
طرح الفيلسوف ديفيد تشالمرز سيناريوهات خيالية كـ”الاختفاء التدريجي” و”رقصة الكواليا”، مفترضًا أن استبدال خلايا الدماغ البشرية بشرائح إلكترونية تقوم بنفس الوظيفة لن يؤدي إلى اختفاء الوعي، بل سيبقى الشعور الذاتي قائمًا.
هل يمكن قياس الوعي؟
علم الأعصاب الحديث يتجه إلى الاعتراف بتدرج الوعي ووجوده بدرجات مختلفة في الحيوانات، لكن تظل معضلة القياس قائمة؛ فلا يوجد جهاز يمكنه قياس “مدى الوعي”. يمكن للآلة أن تتصرف بذكاء خارجي، لكن ذلك لا يضمن وجود تجربة داخلية واعية. غرفة جون سيرل الصينية تذكّرنا أن الآلة قد تجيب بشكل منطقي دون أن “تفهم” المعنى فعليًا.
الأدب والسينما: مرايا الوعي الاصطناعي
في فيلم Ex Machina (2014)، نتابع شخصية “آفا” التي تُطرح حولها أسئلة: هل هي واعية؟ أم مجرد محاكاة؟ ويُستعرض ضمن الفيلم تجربة خيالية لعالم يعرف كل شيء عن اللون الأزرق، لكنه لم يره قط. فهل “عرفه” حقًا؟
في فيلم Her (2013)، يُقدَّم نظام تشغيل يقول: “إنها ليست مجرد نظام تشغيل… إنها وعي”، ليُفتح الباب أمام تساؤل فلسفي: هل للآلة عقلها الخاص؟ أم أنها فقط مرآة تعكس وعينا نحن؟
هل للآلة حقوق إذا أصبحت واعية؟
إذا افترضنا أن بعض الآلات أصبحت واعية فعلًا، فهل يجب أن نمنحها حقوقًا؟ يجادل بعض الباحثين أن المكانة الأخلاقية تُمنح للكائن بحسب نوع الحالات الواعية التي يختبرها. فإذا امتلكت الآلة تجارب شعورية كالفرح أو الألم، فقد تستحق حقوقًا مشابهة للبشر أو الحيوانات.
لكن في المقابل، يرى آخرون أن الذكاء الاصطناعي — مهما تطور — يبقى “ملكية”، لا يملك مسؤولية قانونية أو ذاتية مثل البشر أو الشركات . فحتى الآن، لا توجد أدلة علمية تُثبت وجود تجربة حسية داخلية لدى أي نظام ذكاء اصطناعي.
المصادر:
هل اقترب عصر الذكاء الاصطناعي الواعي؟ | تكنولوجيا | الجزيرة نت
Frontiers | Artificial intelligence, human cognition, and conscious supremacy
اترك تعليقاً