مركزية اسم “الدولة-الوطن” في الخطاب السياسي أو الدعوي أو الفكري

d35b88405b5dd5b65e9e626c7366e114

نشر الباحث شريف محمد جابر مقالاً عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً) يتناول مركزية مفهوم “الدولة” في الخطابات في العالم العربي والإسلامي، نضع لكم نص المقال:

“مركزية اسم “الدولة-الوطن” في أي خطاب سياسي أو دعوي أو فكري هو أزمة عميقة تحلّ بعالمنا العربي والإسلامي منذ نحو قرن، وهذا ما أعنيه بالاستناد إلى الخطاب الوطني الفاسد. والمقصود شعارات مثل: نريد أن نبني البلد، سورية أولا، مصر أم الدنيا، العراق مهد الحضارة، نريد أن نرفع شأن بلدنا بين دول العالم.. إلى آخر هذه الشعارات التي هي أقرب إلى تركيز القداسة أو الرمزية نحو الدولة القطرية أو الكيان الوطني، والتي لم تكن ضمن قيم المسلمين قبل لحظة الاستعمار، وقد نما هذا المفهوم وتأسس في شعور الناس في ظلال الاستعمار البريطاني والفرنسي الكئيبة.

والمطلوب هو التركيز على “الإنسان” و”المجتمع” و”القيم” و”الأمة” و”الحضارة” بدلا من محور “رفعة الوطن” و”بناء البلد”، فهي تشكّل معًا رافعة للنهوض المنشود. وهذا ممكن وفعّال أيضًا ضمن إكراهات الدولة القطرية التي لم نخترها. فإذا كنت مضطرًّا على العيش في الزنزانة التي قيّدتكَ فأنت غير مطالب بالتصالح معها وجعلها “عقيدة”، لأنّ هذه في الحقيقة مازوخية سياسية!

لفت نظري في صورة تعود إلى عام 1965 لحظة إعدام كوهين أنّ بعض المواطنين حمل شعارا فيه عبارة “الشعب العربي في سورية”، وبالطبع هذه تعود إلى القوميين البعثيين الذي كانوا يركّزون على أنّنا “أمة عربية واحدة”، وبصرف النظر عن الظلال السيّئة لهذا الحزب وجاهلية أفكاره، لكن القضية ليست في صواب الفكرة بقدر التركيز على إمكانها، أي إمكان تجاوز خطاب الهوية القطرية، فهو ليس ضربة لازب. نعم من الممكن أن تمارس خطابا يتحرّر من تغذية الخطاب الوطني ومن التركيز على “الدولة الوطن” ومن جعلها في مقام “المقدّس” أو “الهوية” أو “الرمز” الذي تستخدمه لتغذية الطاقات الإيجابية المطلوبة.

ففضلا عن مخالفة هذا التركيز على الدولة القطرية وتغذية الرابطة الوطنية للولاء الإسلامي، فقد فشل على مدار نحو قرن في بناء هوية أصيلة ومحور استقطاب حقيقي يمكنه بناء نهضة في بلادنا العربية؛ لأن الهوية الوطنية الفاسدة شديدة الغربة عمّا بنيت عليه المجتمعات والإنسان في هذه البلدان على مدى ألف وثلاثمائة عام، ولهذا وجدنا المحرّك الأهم والأكثر فاعلية في حركة الثورات العربية هو “الإسلام”، ولم يكن الأمر مقصورا على الخروج من المساجد والحشد في خطب الجمعة، بل حتى في الشعارات الدافعة على الاستمرارية مثل “قائدنا للأبد سيدنا محمد”، بل كانت أهم الفصائل التي حققت الحسم فصائل إسلامية الهوية بشكل واضح، ولم يكن للشعارات الوطنية أي دور، سوى أنها فرضت نفسها بسبب الخوف من الوصمات المتعلّقة بالشعارات الإسلامية وبسبب تجارب أليمة لتنظيمات شوّهت الشعارات الإسلامية مع الأسف.

أتفهّم تماما عدم رغبة البعض بحمل شعارات إسلامية واضحة في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يستلزم الفرار إلى تقبّل الشعارات الوطنية وتغذيتها والبناء عليها، فهذا استسلام المستسهلين، والمطلوب بناء خطاب حكيم يتخلّص بذكاء من تغذية الخطاب الوطني من خلال الوعي الدقيق على الخطابات السياسية الرسمية والخطاب الإعلامي وعمل المدارس والنقابات، فهذه كلها وسائل تحدّد طبيعة خطاب الهوية، ويُحمّل مكانه خطابًا يشكّل أرضية للخطاب الإسلامي ويستند إلى مفردات بناء الإنسان والمجتمع والقيم والحضارة والترابط مع الأمة، فهذه المفردات يمكن من خلالها تشكيل نسيج من الخطاب قادر على رفع الطاقات الإيجابية المطلوبة لاستقطاب المجتمع في أي قُطر، ويمهّد في الوقت نفسه إلى الخطاب الإسلامي، بينما يُبعدنا تبنّي الخطاب الوطني عن الخطاب الإسلامي ويفاقم أزمة المجتمعات المسلمة التي تعيش في إطار هويّات تعزّز من ضعفها واغترابها وذلّها وهوانها.

قال عمر بن الخطاب: “إنّا كنّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلبُ العزَّ بغير ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا الله” (مصنّف ابن أبي شيبة).”

https://x.com/sharefmg/status/1924925288645067178?t=RwyACYvmwZZZFCq_Pcx3GQ&s=19

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا