كشفت منصة “فرودويكي” (Fraudwiki) في تقرير حديث عن تورط منظمات ومراكز أبحاث في دعم ميليشيا الحوثي عبر التلاعب بأموال المساعدات الدولية، وتوجيه الخطاب الإعلامي والسياسي العالمي بما يعزز شرعنة الميليشيا كسلطة أمر واقع في اليمن.
التقرير أعدّه الدكتور عبدالقادر الخراز، رئيس حملة “#لن_نصمت”، وننقل هنا أهم ما جاء فيه:
مقدمة
تشهد اليمن منذ عام 1436هـ (2015م) أزمة إنسانية شديدة نتيجة الصراع المستمر، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وزيادة معدلات الفقر ونقص الغذاء والدواء. تُعد التمويلات الدولية أحد الأدوات الرئيسية لمواجهة هذه الأزمة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، أبرزها الفساد وسوء الإدارة وغياب الشفافية والتمويلات الموجهة لشبكات محددة من المؤسسات، مما يُقلل من فعاليتها في تخفيف معاناة الشعب اليمني.
تدفق التمويل الدولي إلى اليمن من المانحين من خلال منظمات دولية ووكالات أممية، حيث بلغ حجم التمويل الإجمالي من 1436هـ (2015م) الى 1445هـ (2024م) مبلغ 32 مليار دولار، إضافة الى ذلك هناك تمويلات أيضا بمئات الملايين من الدولارات التي تعطى عبر الاتحاد الأوربي والتي تذهب بشكل مباشر لشيكات محددة من المؤسسات لمشاريع تحت مسمى السلام والعدالة والقانون وغيرها من المصطلحات الرنانة.
منذ بداية الحرب، ظهرت شبكات بحثية وحقوقية تُقدَّم على أنها مستقلة، لكنها في الواقع كانت امتدادًا ناعمًا للمشروع الحوثي، حيث ساهمت في إعادة تعريف الجماعة دوليًا كحركة سياسية مشروعة، متجاهلة طبيعتها كميليشيا انقلابية بدعم إيراني. هذه الكيانات رفعت تقارير مضللة للمجتمع الدولي، تصوّر الحوثيين كطرف مضطهد، بينما طمست مسؤوليتهم عن تفكيك الدولة اليمنية والاستيلاء على مؤسساتها.
مع تصاعد الحرب، أصبحت هذه المراكز جزءًا من شبكة ضغط دولية تبرر للحوثيين وتعيد تدوير سرديتهم ضمن المنظومة الدبلوماسية. وأصبح الخطاب الدولي حول اليمن محتكَرًا، حيث تم استبدال الأصوات اليمنية المستقلة بشخصيات مرتبطة بالحوثيين، لكنهم قُدِّموا كخبراء سياسيين مستقلين. هذه التقارير تلاعبت بالحقائق، ما منح الحوثيين غطاءً سياسيًا غير مستحق.
المجتمع الدولي أصبح متواطئًا في الأزمة، حيث تمسك بمسار تفاوضي يقسم السلطة مع الحوثيين، متجاهلًا أنهم مجرد ذراع لمشروع إيراني توسعي. هذا التوجه عزز نفوذ الحوثيين على حساب الدولة اليمنية. في هذا السياق، أصبحت التقارير الدولية أداة لإعادة هندسة المشهد، حيث تعتمد الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية على مصادر مرتبطة بلوبيات حوثية.
يتم تصوير الحوثيين كـ”سلطة أمر واقع”، فيما تُحمَّل الحكومة الشرعية والتحالف المسؤولية عن الوضع الإنساني، مما يضعف أي جهد حقيقي لاستعادة الدولة. هذه السياسات الدولية سمحت بإعادة تدوير الشخصيات ذات المصالح المشتركة، وتعديل السرديات لتمنح الحوثيين شرعية سياسية.
تم إقصاء أي صوت وطني حقيقي يسعى لاستعادة الدولة. في الوقت نفسه، يتم ضخ ملايين الدولارات في مشاريع “سلام” وهمية تدعم هذه اللوبيات بدلاً من بناء مؤسسات الدولة، ما يكرّس سيطرة الميليشيا على القرار السياسي ويجعل السلام مجرد إعادة إنتاج للوضع القائم.
ما هي الهندسة السردية؟
يمكننا تعريف الهندسة السردية الدولية بأنها العملية التي يتم من خلالها تشكيل وتوجيه الروايات والخطابات حول الأحداث والقضايا في اليمن من قبل مختلف الجهات الدولية، بما في ذلك الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام. وتلعب هذه الهندسة دورًا محوريًا في تشكيل فهم المجتمع الدولي للصراع، مما يعزز أو يقوض شرعية المليشيات الحوثية.
أولا – دور الأبحاث الموجهة والمنظمات الدولية
- تأثير السياسات الخارجية: قد تُستخدم الأبحاث الموجهة من قبل بعض المنظمات لتوجيه السياسات الدولية بطريقة تدعم جماعات معينة، مثل مليشيا الحوثي، مما يؤدي إلى تقويض الحوكمة في اليمن.
- أجندات خاصة: بعض المنظمات قد تكون مرتبطة بأجندات دولية تخدم مصالح معينة، بدلاً من دعم بناء الدولة والحوكمة والعدالة الانتقالية.
كيف تساهم الأبحاث الموجهة في ذلك؟
من المحتمل أن الأبحاث الموجهة يمكن أن تساهم في تقويض بناء الدولة والحوكمة والعدالة الانتقالية في اليمن من خلال:
- توجيه السياسات: قد تستخدم الأبحاث الموجهة للتأثير على السياسات والاستراتيجيات الدولية المتعلقة باليمن، مما قد يؤدي إلى إعطاء الأولوية لمصالح معينة على حساب بناء الدولة والعدالة والحوكمة الرشيدة. ومن هنا يتم إعطاء تمويلات ومنح لمراكز ومؤسسات مجتمع مدني محددة يعمل من خلالها على انتاج تقارير او توجيه التقارير والابحاث لخدمة مصالح تخص جهة التمويل، ومن امثلة ذلك ما تعطيه منظمة Open Society Foundations لرجل الاعمال اليهودي جورج سوروس من تمويلات سنوية تصل الى 200 الف دولار لكل من مؤسسة مواطنة لرضية المتوكل، ومركز صنعاء للدراسات لماجد المذحجي وفارع المسلمي، وعلاوة على مؤسسات أخرى لها ارتباط بالملف اليمني مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس البريطاني Chatham House) والذي يعمل فيه فارع المسلمي كباحث ويصل تمويل هذا المعهد الى متوسط مليون دولار سنويا، فهل استخدمت هذه التمويلات لتوجيه سياسات معينة وإنتاج تقارير وفق ما يريد المانح؟، حيث تعرف هذه الجهات بأعمالها التي تتعلق بخدمة مليشيا الحوثي وتجميلها في الغرب وعرقلة أي قرارات ضد المليشيا والتحجج بالأزمة الإنسانية والاقتصادية.
- تجاهل الأصوات المحلية: قد تتجاهل الأبحاث الموجهة أو تقلل من شأن أصوات اليمنيين واحتياجاتهم، مما يؤدي إلى حلول غير فعالة وغير مستدامة.
- تضليل الرأي العام: قد تستخدم الأبحاث الموجهة لنشر معلومات مضللة أو مشوهة حول الوضع في اليمن، مما يزيد من صعوبة تحقيق السلام والعدالة. وتؤدي الى استثمار أكبر في استمرار الحرب او بقاء الوضع على ما هو عليه وبالتالي ما نسميه نزيف التمويلات الخاصة بالسلام او بالإغاثة الإنسانية وخلق مجتمع اتكالي.
ووفقاً للتحقيق، تحركت تلك الجهات على أربعة مسارات رئيسية لتعزيز شرعية الحوثيين:
- تطبيع الانقلاب.
- إعادة تقديم القيادات الحوثية كفاعلين دوليين.
- التأثير على الخطاب الدولي لصالح رواية الحوثيين.
- توظيف تقارير الأمم المتحدة بشكل انتقائي لتخفيف الضغوط الدولية.
- وأورد التقرير اتهامات مباشرة للمبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بلعب دور سلبي في تعطيل قرارات البنك المركزي بعدن، ما سمح باستمرار الحوثيين في نهب الإيرادات وتمويل عملياتهم العسكرية.
وكشف التقرير عن أسماء مؤسسات بارزة تورطت في هذا السياق، من بينها: منظمة “إنسان” التي يديرها أمير الدين جحاف، ومؤسسة “Arwa” التابعة لأحمد الشامي، ومركز “DeepRoot” بقيادة رأفت الأكحلي، و”برنامج حكمة” الذي تقوده عبير المتوكل، ومنظمة “مواطنة” التي ترأسها رضية المتوكل.
وأشار إلى أن مؤسستي “مواطنة” و”مركز صنعاء للدراسات” تتلقيان تمويلاً سنوياً من رجل الأعمال اليهودي “جورج سوروس”، كما وجهت اتهامات لشخصيات حكومية سابقة، مثل نادية السقاف، وزيرة الإعلام السابقة، وخلدون باكحيل، المستشار في مركز جنيف لحوكمة الأمن (DCAF) بتقديم دعم إعلامي وسياسي للحوثيين.
اترك تعليقاً