تقع منطقة أراكان، المعروفة أيضًا باسم ولاية راخين، على الساحل الغربي لميانمار (بورما سابقًا). عاصمتها سيتوي (أكياب). وتُعد هذه المنطقة موطنًا لأقلية الروهينجا المسلمة، التي تواجه تاريخًا طويلًا من الاضطهاد.
شهدت أراكان عبر تاريخها قيام ممالك إسلامية متعددة، مما يميّز غنى ثقافتها وتاريخها.
الموقع الجغرافي

تقع أراكان (ولاية راخين ) جنوب غرب ميانمار وهى إقليم جبلي مطير يحده من الشرق امتداد لسلسلة جبال، ويحده من الغرب خليج البنغال ومن الشمال الغربي بنغلاديش ومن الشمال الهند.
تمتد الولاية على مساحة تقارب 37 ألف كيلومتر مربع، حيث تشكل جبالها حاجزًا طبيعيًا بينها وبين بقية مناطق ميانمار. كما تضم الولاية عدة جزر، من بينها جزيرتا شيدوبا ومينغون.
تشتهر راخين بأوديتها وأنهارها، التي تُعتبر طرقًا رئيسية للنقل والمواصلات في شمال الولاية، بالإضافة إلى جبالها الشاهقة وغاباتها الكثيفة، حيث تغطي الغابات حوالي 70% من أراضيها.
يتميز القسم الشمالي بكثافة العمران، بينما يتمتع القسم الجنوبي بمظهر صخري قليل العمران، ويبلغ عدد سكان ولاية راخين حوالي أربعة ملايين نسمة حسب تقديرات عام 1436ه (2015م).
ويشكل الروهينجا، الذين ينحدرون من أصول هندية، الغالبية العظمى من السكان والبعض الآخر من الصين وأيضا من العرب بسبب قدوم التجار العرب إلى المنطقة، حيث يذكر بأن الإسلام انتشر فى منطقة أراكان عن طريق التعاملات التجارية مع التجار المسلمين الذين وفدوا إليها للتجارة عبر خليج البنغال والهند وذلك منذ القرن الأول الهجري (السابع الميلادى).
وأصبحت أراكان دولة مسلمة عام 833 ه (1430م).
ويرجع اسم أراكان إلى أراكان الإسلام إذ حين اعتنق ملكها (غولتجى) الإسلام وتعلم أركانه الخمسة سمى عاصمة بلاده بهذا الاسم.
الاقتصاد

تُعتبر ولاية راخين منطقة غنية بالثروات الطبيعية مثل النفط والفحم والرخام، وتساهم الزراعة بشكل كبير في الاقتصاد من خلال إنتاج الأرز والحبوب. ومع ذلك، تعاني المنطقة من نقص في البنية التحتية، مما يزيد من الفقر. ويعوق التنمية التحديات مثل الفساد وعدم الاستقرار السياسي، اللذين جعلا الحياة اليومية صعبة وأعاقا الاستفادة من هذه الموارد.
تاريخ أراكان (الروهينجا)
تعود أصول تاريخ أراكان إلى أكثر من ثلاثة قرون قبل الميلاد، وأصبحت المنطقة بعد وصول الإسلام إليها، موطنًا لممالك إسلامية متنوعة، أسسها الملك سليمان شاه وتوالى على الحكم 48 ملكًا مسلماً.
ينتشر المسلمون في المدن الكبرى، ويُوجد في العاصمة يانغون حوالي مائة مسجد.
الاحتلال البريطاني والاضطهاد

في عام 1198ه (1784م)، احتل ملك ميانمار البوذي بوداباي ولاية أراكان بالتعاون مع بوذيي أراكان الماغ، مما أدى إلى تراجع نفوذ الروهينجا.
وفي عام 1239ه (1824م)، احتلت بريطانيا ميانمار وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية.
في عام 1355ه (1937م)، أصبحت ميانمار مع أراكان المحتلة مستقلة تحت حكم بريطانيا، مما زاد من حدة التوترات بين المسلمين والبوذيين.
وقد واجه المسلمون الاحتلال البريطاني بقوة مما أوغر عليهم صدور البريطانيين، حيث قام الاحتلال بتحريض البوذيين البورميين ضد مسلمي الروهينجيا ومدهم بالسلاح فارتكبوا مذابح هائلة ضد المسلمين آنذاك، وعلى سبيل المثال: قتل (30 ألف) مسلم عام 1356هـ (1938م)، ونحو مائة ألف مسلم عام 1361هـ (1942م) وتدمير مئات القرى وتشريد عشرات الآلاف وتهجير أكثر من (180 ألف) خارج أراكان.
وفي في عام 1381ه (1962م) نفذ العسكر انقلابا واستمر اضطهاد المسلمين وارتكاب المذابح ضدهم مما اضطر الآلاف من الروهينجا إلى الهجرة خارج بلادهم.
في عام 1398ه (1978م) قام الجيش البورمى بتهجير (500 ألف ) مسلم من مناطقهم بقسوة أدت لموت أكثر من (40 ألف) من النساء والأطفال والشيوخ، وهجرت أعداد مماثلة عام 1411ه (1991م) عقب إلغاء الانتخابات التي فازت بها المعارضة.
استمر مسلسل القمع والتدمير لمقدرات المسلمين من قبل حكام ميانمار (بورما) وسط تعتيم على المشهد.
التوترات العرقية والسياسية

على مدى عقود، تعرض الروهينجا للتمييز العنصري والعنف من قبل الماغ الراخين والموظفين الحكوميين. وقعت انتفاضة للروهينجا بين عامي 1367ه و1380ه (1948م و1961م) للمطالبة بالانفصال، لكنها باءت بالفشل.
وفي عام 1402ه (1982م)، صدر قانون المواطنة الذي أضفى الشرعية على التمييز ضد الروهينجا، مما زاد من تعقيد الأزمة.
التمييز والتهميش
يواجه الروهينجا عقودًا من العنف والفقر المدقع، بالتوازي مع تفاقم التمييز العنصري والتهميش الاقتصادي.
وتم تجريد الروهينجا الذين يشكلون ثلث سكان راخين في سنة 1402هـ ( 1982م)؛ من الجنسية، حيث تعتبرهم السلطات بنغاليين، رغم وجودهم في ميانمار منذ أجيال، كما أن جماعة الماغ (البوذيين) والأغلبية البورمية يكرهون البنغال، ولهذا كانت هذه التسمية التي يطلقها كلاهما على الروهينجا للازدراء والتحقير.
وهكذا تم استبعادهم من الإدراج في السجل الوطني كعرقية تاينغينثا، مما أدى إلى إزالة حقوق المواطنة الخاصة بهم وجعل الأجيال اللاحقة عديمة الجنسية.
وفرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة عليهم، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم!
وفي أوائل عام 1437ه (2016م) تم تجريد الروهينجا من حق التصويت أو الترشح في الانتخابات التي جرت في وقت لاحق من ذلك العام.
حملات الإبادة

كانت أولى حملات الإبادة الجماعية عام 1361هـ (1942م)، وقد نفذتها الحكومة البورمية وراح ضحيتها أكثر من ألف مسلم ومسلمة.
ولكن بدأت حملات الإبادة الجماعية ضد الروهينجا بشكل واضح عام 1433ه (2012م)، حيث شهدت ولاية راخين أعمال عنف طائفية أدت إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف والاعتقال، بالإضافة إلى حرق المساجد والمنازل. وتتبع الحكومة سياسة رسمية تهدف إلى تطهير أراكان من المسلمين، ولم تتوقف التوترات منذ ذلك الحين.
في ظل هذه الظروف، حاول الآلاف من الروهينجا الفرار بالقوارب عبر بحر أندمان إلى ماليزيا أو برا إلى بنغلاديش، مما جعل راخين واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم.
موجات العنف

وفي سنة 1435ه (2014م) أجبرت الشرطة الكثيرين على مغادرة البلاد، وتفننت في ألوان العذاب والإذلال، فتعسفت في الاعتقال وعذبت السجناء حتى الموت، وأخذت أشلاء القتلى إلى ذويهم إمعانا في الإهانة وبث الرعب.
لكن الأزمة بلغت ذروتها في أغسطس 1438ه (2017م)، عندما شن الجيش الميانماري هجومًا واسع النطاق على الروهينجا بعد هجمات منسقة على مراكز للشرطة.
خلال هذه الحملة، قُتل الآلاف، وهُدمت القرى، وتعرض المدنيون لأبشع أنواع العنف، بما في ذلك القتل الجماعي، وحرق الأطفال وهم أحياء، حيث تم توثيق جرائم الإبادة هذه بمقاطع فيديو تضمنت اغتصاب النساء والتعذيب أيضا.
وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وغيرها من المؤسسات الحقوقية، هذه الجرائم ووصفتها بأنها “تطهير عرقي”.
الهجرة

بدأت الموجة الأولى من هجرات الروهينجا من موطن أجدادهم في أراكان (ولاية راخين الحديثة) في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الميلادي (الرابع عشر الهجري)، وتسارعت في سبعينيات القرن العشرين بعد سلسلة من التوغلات العسكرية في الدولة.
وفي حين أن أقل من مليون من الروهينجا لا يزالون في أوطانهم في ميانمار (بورما)، يعيش ما يقدر بنحو 2 إلى 3 ملايين في الشتات في بنغلاديش وباكستان والمملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، وكذلك ماليزيا وأجزاء أخرى من جنوب شرق آسيا.
الحياة في المنفى

اليوم، يعيش أكثر من 1.1 مليون لاجئ من الروهينجا في مخيمات في بنغلاديش؛ كما يعاني العديد من الروهينجا الذين يعيشون خارج المخيمات من صعوبات في الحصول على التعليم والعمل بسبب وضعهم القانوني.
ويواجه الكثيرون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية، حيث تتسبب قيود الجنسية في صعوبات بالغة أينما ذهبوا.
ولا تزال تقارير حركة القوارب التي تحمل اللاجئين الروهينجا الباحثين عن حياة أفضل تأتي بشكل متوالٍ، وإن تمكن المئات منهم من النجاة خلال رحلات اللجوء الخطيرة، فقد غرق المئات منهم في عمق البحار والخذلان.
يوصف مسلمو الروهينجا بأنهم أكثر شعب مضطهد في العالم، حيث تعتبرهم المؤسسات الحقوقية ” أقلية دينية ولغوية مضطهدة”.
وفي الختام، لقد كانت هذه رحلة سريعة مختصرة جدا لواقع شديد التعقيد والطغيان والبلاء الذي وقع فيه المسلمون الروهينجا.
فلا بد أن نعيد لهذه الأمة العظيمة مكانتها، وأن نوقظ في قلوب الأمم جميعًا قيمة دماء أبنائها الزكية، وأعراض نسائها الطاهرة، وصراخ الأطفال الذين تطاردهم الرهبة والهلع. ينبغي علينا أن نعزز مكانتنا من جديد، من خلال عمل جماعي موحد يسعى لنهضة الأمة وتحررها، واسترجاع حقوق المسلمين في كل بقاع الأرض.
فيا أيها المسلمون، من يرفع صوت الثائرين من المستضعفين المسلمين؟ من ينصر هؤلاء المستضعفين الذين يعانون في صمت؟ من سيكون الجسر الذي يوصل نداءهم إلى آذان العالم، ليُلبى النداء ويُستجاب للصرخة التي تنبثق من أعماق قلوبهم المفجوعة؟

اترك تعليقاً